الشاي:
قصة نبتة خلدها التاريخ من فوجيان إلى الخليج
استطلاع متحف شاي رحال الخبر1441هـ
مرحبا بكم محبي المعرفة والترحال ومرحبا بكم في سلسلة إستطلاعات متحف الشاي لصاحبة الرحال وائل الدغفق في مدينة الخبر…
والمعروف بـ رحال الخبر
نبدأ بسلسلة هذا الشراب العالمي والذي يعد الشراب الأول على مستوى البشرية وتاريخه موغل بالقدم .
الشاي: قصة نبتة خلدها التاريخ من فوجيان إلى الخليج
مقدمة
عندما نتحدث عن الأدب الرحلات والتجوال بين فيافي الأرض وجبالها، لابد أن نتوقف عند تلك النبتة التي حازت على حب سكان الأرض من شرقها إلى غربها: "كاميليا سينينس"، نبتة الشاي. في هذا المقال، سنبحر عبر تاريخها العريق والثري، مستعرضين رحلتها عبر الزمن والقارات، وكيف أصبحت جزءًا لا يتجزأ من ثقافات الشعوب المختلفة.
فلنبحر عبر ادب الرحلات مع تلك النبتة التي حازت على حب سكان الأرض من غربها لشرقها ومن أين أبتدأت والى اين وصلت..
ولكوني مرتحل في فيافي الأرض وجبالها وبين تاريخها وعراقة ثقافة كل مكان ازوره وجدت من المناسب التحدث عن نبتة اصبحت اشهر من كل اخواتها وحازت الفخر بحفظها وتبادل زراعتها وشرب منتوجها في كل العالم بلا استثناء فإلى تاريخها الجميل والنادر.
أول إكتشاف لنبتة الشاي بالصين 2737ق.م
البدايات كانت في الصين
بدأت قصة الشاي قبل 5000 عام في جبال فوجيان بالصين، حيث كانت تزرع وتستخدم في الطقوس الدينية والمناسبات الاجتماعية. في القرن الخامس الميلادي، انتقلت نبتة الشاي إلى وسط آسيا، وفي القرن السادس وصلت إلى اليابان، حيث لاقت رواجًا كبيرًا وأصبحت جزءًا من التقاليد اليابانية.
واجمعت الكتب والاساطير والرحّالة أن الصينيون هم أول من اكتشف الشاي وحسب الأسطورة فإنّ أول كوب من الشاي تمّ صنعه في سنة 2737 قبل الميلاد، حيث تقول الأسطورة أنه سقطت أوراق الشاي المجفّفة في كوب من الماء المغليّ للإمبراطور الصيني شين نونغ (Shen Nung)،
ثم أصبح الشاي من المشروبات الطبية في الصين لآلاف السنين، وفي القرن الثالث ميلادي، أصبح الشاي مشروباً شعبياً، وأنتشرت زراعته وتجهيزه كمشروب شعبي، كما ظهرت أساليب زراعة الشاي ومعالجته وشربه عام 350 ميلادي.
وصول الشاي لليابان 600م
ولعل عام600م كان عاما فاصلا حيث تمّ جلب البذور لأول مرة إلى اليابان وجلبه الرهبان البوذيون وزرعو نبتة الشاي أو ما يسمى بنبتة كاميليا سينينسيس.
وفي عام 1810م جلب الصينيون ايضا البذور لجزيرة فورموزا في (تايوان).
ونظرا للوجود الهولندي في تلك السنين في اليابان وماحولها فقد تمت زراعته في هولندا، بعد جلب بذور الشاي من اليابان في عام 1826م.
وانتشرت شعبية الشاي، بسبب التأثير الثقافيّ الصينيّ في جميع أنحاء شرق آسيا، واستخدم الشاي للطبقة العليا من اليابانيين.
تاريخ الشاي الحديث في شبه القارة الهندية
عند الاحتلال البريطاني للهند وماحولها فقد تمّ اكتشاف نبات الشاي عام 1824م، بالتلال على طول الحدود بين بورما، ودولة أسام الهندية، وقدّم البريطانيون ثقافة الشاي إلى الهند في عام 1836م، وإلى سيلان (سريلانكا) في عام 1867م، وقبل اكتشاف الشاي من حدود الهند الشمالية ومن اسام كانوا يجلبون بذور الشاي من الصين.
انتشار الشاي في العالم
بعد أن قضت نبتة الشاي ألف عام في الصين، استوردتها شركة هولندا الشرقية عام 1610م، لتنقلها عبر أساطيلها البحرية إلى أوروبا والولايات المتحدة. وفي عام 1680م، وصلت شحنات الشاي عبر قوافل درب الحرير إلى روسيا وبلاد فارس
بدء شركة هولندا الشرقية بتصدير الشاي لاوربا1610م
وقامت قبل شركة الهند الشرقية الانجليزية شركة الهند الشرقية الهولندية بإرسال أول شحنة من الشاي الصيني إلى أوروبا في عام 1610م، لذلك يعود الفضل لنشر الشاي في أوربا للهولنديين ثم وفي عام 1669م جلبت شركة الهند الشرقية الإنجليزية الشاي الصيني من الموانئ في جاوة إلى سوق لندن، وبحلول أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، انتشرت زراعة الشاي إلى جورجيا في اسيا ، وسومطرة في اندنوسيا، وإيران، وامتدّت إلى بلدان غير آسيوية، مثل: ناتال، ومالاي، وأوغندا، وكينيا، والكونغو، وتنزانيا، وموزمبيق في أفريقيا، والبرازيل، والبيرو في أمريكا الجنوبية، وإلى كوينزلاند في أستراليا.
تحول الشاي من شاي صيني الى شاي انجليزي 1834م
في عام 1834م، أرسلت شركة الهند الشرقية البريطانية جاسوسًا وعالم نبات أسكتلندي يدعى روبرت فورتون، ليبقى ثلاث سنوات في الصين ويجلب معه 23000 نبتة شاي ومجموعة من المزارعين الصينيين. بهذه الطريقة، أصبحت إنجلترا صاحبة الشاي اسمًا وتصديرًا، وزرعته في مستعمراتها الهندية مثل أسام ومرتفعات سيلان في نوراليا، وكذلك في موريشيوس وكينيا. بعد عام 1840م، أصبح الشاي يُعرف بالشاي الإنجليزي، بعد أن كان صينيًا.
الشاي في منطقة الخليج1860م
وفي عام 1860م، وصلت شحنات الشاي إلى منطقة الخليج العربي، حيث استوردته شركة الهند الشرقية الإنجليزية إلى ميناء البصرة. استقبله العراقيون أولاً، ثم انتشر في الكويت وبقية إمارات الخليج.
أكثر الشعوب استهلاكا للشاي
حينما نتكلم عن الاستهلاك من غير دول المصدر وهي الصين والهند فسنتصور مدى عالمية هذا المشروب فعالميا اكثر الدول استهلاكا للشاي هي تركيا مع ان محصولها للشاي رابع او خامس دولة الا انها تستهلكه جميعه وتستورد الباقي ثم تليها انجلترا وثالثهما ايرلندا .
اما الدول العربية ورغم ان الشاي لم يعرفوه الا منذ مائة عام فقط فتعتبر المغرب اول واكبر المستهلكين ثم مصر ثانيا والسعودية ثالثا.
انتاج الشاي بالارقام عالميا
أول إكتشاف للشاي حسب الرواية الصينية
ذكرت الروايات الصينية، أن الملك «شين ونق» كان مغرماً بكل ما يتعلق بالأعشاب والتداوي بها، ومن شغفه بالحفاظ على صحته، كان هذا الملك يحب شرب الماء الساخن بعد غليه.
وذات يوم ترك الماء الساخن في حديقته، فسقطت بعض أوراق شجرة الشاي في كوبه فتغير لون الماء، فشربه وأعجب به .
ومن ذلك اليوم اشتهر الشاي، وأنتشر داخل مملكته، ثم زرع في القرن الثامن على نطاق تجاري بالصين.
انتقال الشاي من الصين لأوربا أول مرة1610م
وصل الشاي أول مرة إلى أوروبا في القرن السابع عشر، وذلك عن طريق الهولنديين عبر شركتهم شركة الهند الشرقية الهولندية.
فهم كانوا أول من أحضر الشاي الأخضر إلى القارّة، وقد كان الشاي في ذلك الوقت من الأغذية باهظة الثمن، حيث كان يُستخدم كعلاج، ولا يباع إلا في الأماكن المخصصة لبيع العقاقير، ثم ما لبث أن تحوّل إلى مشروب يشربه الأغنياء والنبلاء وفي قصور الملوك .
وللتاريخ فقد كانت أول شحنة استوردت الشاي من الصين لتصديرها إلى أوروبا كان في عام 1610م، حين استوردته شركة الهند الشرقية الهولندية ، واستعمل في إنجلترا عام 1660م، واحتكرت شركة الهند الشرقية البريطانية توريده لبريطانيا حتى 1834، ووصل إلى المستعمرات الأمريكية عام 1680، وكان المشروب المفضل، حتى استبدلت به القهوة.
تاريخ دخول الشاي لانجلترا
كان في عام 1662، وقيل قبلها بست سنوات لكن الاشهر هو عام 1660م .
فعندما وافق تشارلز الثاني على الزواج من الأميرة كاثرين أوف براغانزا، ابنة جون الرابع ملك البرتغال.
حيث مهدت هذه الزيجة لكاثرين الطريق لتصبح ملكة إنجلترا واسكتلندا وأيرلندا.
ومن القصص حيث يحكى أن كاثرين عندما انتقلت إلى زوجها الملك تشارلز الثاني في إنجلترا، جلبت معها أوراق الشاي، ضمن مملتكاتها الشخصية، وربما كانت جزءا أيضا من تجهيزات العروس.
فقد جلبت الشاي من هولندا البلد الاقدم في نقله من اسيا والصين لأوربا حيث كان للطبقة النبيلة والارستقراطية من الانجليز والممالك الأوربية ..
وكان من المتعارف عليه شرب شاي بعد الظهيرة وكان تقليدا ملكيا ثم قلّده الكثير كما يفعل في كل مكان.
تاريخ الشاي في العراق1860م
أول بداية لإنتشار الشاي بالخليج العربي كان من العراق قبل مائة عام تقريبا وصلها عبر شركة العند الشرقية الانجليزية عبر ميناء البصرة عام 1860م وبسبب كونها الميناء الأول للصادرات الانجليزية لشركة الهند الشرقية عبر موانئ العراق البصرة فقد كانت الاولى خليجيا في استعماله ونن ثم انتشاره لبقية البلدان المذلة على الخليج العربي كالكويت والبحرين وقطر والامارات .
ومن المصطلحات العراقية الشهيرة للشاي:
الچايخانه والقوري والاستكانة والشكردانة والقهوة…
حيث يعتبر الشاي وفي منطوق اهل العراق (الچاي) -بتعطيش الجيم- المشروب الشعبي الأول في العراق، إذ قلما يخلو اجتماع أو جلسة منه، وهو يستهلك في الصباح بدلاً من القهوة، وبعد تناول كل وجبة.
وكان لقطار العراق الذي يصل البصرة بالموصل عبر بغداد كان له الاثر في انتشار الشاي كمنتج انجليزي يغزو كل محافظات العراق..
ولا بد لكل من زار العراق وسار في شوارعه أن يلاحظ زوايا وأماكن مخصصة لشرب الشاي في كل حي تقريباً، يطلق عليها اسم الچايخانه نسبة إلى اسم المشروب باللهجة العراقية (حيث يلفظ حرف چ كحرف ش).
والجايخانة اسم فارسي استبدل بالقهوة أو المقهى بعرف اهل مصر .
والشاي العراقي له طرق في إعداده، قد تكون "سر الصنعة" في الچايخانه، من حيث خلط أنواع عدة من أوراق الشاي، وبعضها معطراً. وقد تضاف إلى الخلطة منكهات مثل الهال أو ماء الورد، وفي أحيان، القرفة. أما التحضير فيتم بطريقة "التخدير"، إذ تضاف خلطة الشاي إلى الماء المغلي في الإبريق والذي يسمى باللهجة المحلية "القوري"، ثم يترك ليتخمر ويصبح ذو نكهة قوية..
شاي السماور
وهناك طريقة بدلا من الغوري وهو السماور وهو وعاء معدني يستخدم خصوصاً لهذا الغرض في اسفله اناء لملئه بالماء وفي اعلاه غوري به ورق شاي مركز جداً.
ويحمّى بالفحم اوسطه وطريقته أن تملأ الكأس (أو الاستكانة باللهجة المحلية) إلى نصفها شاي مرجز من الغوري الذي في الأعلى ثم ماءً ساخناً من أسفل ليتوازن اللون حسب مذاق كل جايخانه ..
والاستكانة هي الأداة التي يغلب استعمالها لتقديم الشاي العراقي بدلاً من الأكواب أو الفناجين.
وقيل أن سبب تسميتها بالإستكانه هو اللفظ الانجليزي ايست كانeast can وهو الكوب الشرقي لشرب الشاي ومصدره اذربيجان واواسط اسيا وتركيا ..
ويحب العراقيون بشكل عام شرب الشاي وهو ساخن جداً.
لكن آخرون وكبار السن يلجأون إلى صب جزء منه في الصحن الذي تحت الكأس ومن ثم ارتشافه في انتظار أن يبرد .
ولتحلية الشاي قصة أيضاً. فالعراقيون يحبون الشاي حلواً، ويخصصون وعاءً لوضع السكر يطلق عليه اسم "الشكردان" (والشكر هو السكر باللهجة المحلية). ولا يُذوّب السكر داخل الاستكانة وإنما توضع قطعة أو مكعب من السكر تحت اللسان ويشرب الشاي المر من دون تحلية، وهي طريقة متبعة منذ القدم، إذ اعتاد العراقيون استخدام كتل من السكر محضرة يدوياً للشاي، تطورت مع الزمن لتأخذ شكل مكعبات. تقول إحدى الطرائف الشائعة في العراق إن عدد النساء اللواتي يمكن الرجل أن يتزوجهن خلال حياته يوازي عدد مكعبات السكر التي يشرب الشاي معها، لكن حذارِ أن تشرب الشاي في العراق من دون سكر، لأنه يعني أنك لن تتزوج على الإطلاق!
"لئن كان غيري بالمدامة مولعاً فقد ولعت نفسي بشاي معطرِ... إذا صب في كأس الزجاج حسبته مذاب عقيق صب في كأس جوهرِ"
تاريخ الشاي في مصر1880م
لم يعرف الشاي في مصر الا منذ مائة عام فقط فهو في العراق والخليج ومصر والمغرب كان مشروبا حديثا اتى به الأوربيون ليكون شراب الجميع وينافس القهوة…
ويقال في مصر عن الشاي مقولة :
شاي منه فيه... منه لله!
وقبل فهم تلك الجملة لعلنا نتطرق للشاي في مصر وانواعه المتشعبة، وهو في رأي الشاعر المصري الراحل أحمد فؤاد نجم من أهم النباتات التي خلقها الله للإنسان وأجملها.
أكثر أنواع الشاي المصري شهرةً
1- الشاي الأحمر أو الكشري
وهو شاي الشرّيبة ذوي المزاج العالي، لا يُغلى في المقهى إنما يوضع في كوب مع ماء ساخن فلا يتغير طعمه ولا يفقد قيمته بالغلي.
وتغمق درجة لونه وتركيزه في مناطق عدة حتى يصل إلى السواد كما في الصعيد، ويطلق عليه في أحيان "الحبر".
2- شاي الفريسكا
وهو الشاي الخفيف مع سكر زيادة.
3- شاي الجنايني مع النعناع
وهو النعناع الذي يقطف من الحديقة .
4- شاي البوستة
أو سكر بره، وهو الشاي المنفصل عن السكر.
ولعله سمي بذلك لتميزه نتيجة إضافة اللبن إليه، ويختلف عن الشاي باللبن الصافي الذي لا يضاف إليه الماء، فيطلق عليه "شاي منه فيه" وهو اللذي عنونا نوعه أول المقال ، وهذان النوعان هما المسموح بهما للأطفال.
ويعتبر الشاي في مصر مشروب الضيافة الأول، بخاصة بالنسبة إلى الشخص الغريب أو المسافر، ويجب أن يكون ثقيلاً ومشبعاً بالسكر.
وفي أوقات العمل، هو رفيق عمال البناء والدهان والخشب وغيرهم من مزاولي المهن الشاقة التي تتطلب مهارات يدوية، والحاضر الأول في استراحاتهم ووجبات طعامهم. إياك أن ترفض شرب الشاي عندما يُقدّم لك في مصر، لأنه إهانة كبيرة لمقدمه ويعني عدم ثقتك في نظافته.
فصل في الشاي وتاثيراته السياسية والتقاليد العرفية والدينية بالعالم.
🍂 مقدمة الفصل
"بين الكأس والكرامة الشاي في وجه الاستعمار"
قد يبدو الشاي، في ظاهره، مشروبًا هادئًا، لا يُحدِث ضجيجًا حين يُصب، ولا يُثير ثورةً حين يُرتشف. لكنّ الحقيقة أن وراء هذا السائل العنبر تكمن أعنف الصراعات الصامتة في التاريخ الحديث.
فلطالما اتخذ الاستعمار طريقه إلى القلوب عبر الكؤوس، لا عبر البنادق فقط. ولطالما استعملت القوى الكبرى ما يطيب للناس، كي تُطوّع ما لا يُطاق. فكان الشاي في الهند وسيلة لإخضاع الزراعة، وفي الصين مدخلًا لحروب الأفيون، وفي إيران أداةً لاستقطاب الفتاوى وترويض الأذواق، وفي أمريكا الشرارة التي أوقدت نار الاستقلال.
في هذا الفصل، سنغوص في حكايات الشاي حين خرج من صمته، وتمرّد على دوره كشراب الضيافة، ليصبح لاعبًا في ساحة الاقتصاد، ومحرّكًا للقرارات الدينية، وسببًا في الانتفاضات الشعبية.
سنتوقف عند تلك الليلة التي احترق فيها السكر في شوارع طهران باسم الفتوى، وتلك الليلة التي غرق فيها الشاي في ميناء بوسطن باسم الكرامة.
فكيف استطاع هذا المشروب أن يكتب صفحات في كتاب الحرية، وأخرى في دفاتر التبعية؟
وهل كانت الحرارة في الكوب... أم في المواقف؟
"فتوى اجازة السكر حين دخل الاستعمار من باب الطهارة في ايران"
في نهاية القرن التاسع عشر 1800م كان الدخول البريطاني إلى السوق الإيرانية لا يمرّ عبر البنادق أو السفن، بل عبر كيس سكر، ووعد بربحٍ مغرٍ لمن يملك منبرًا وصوتًا في الناس. وبين التمر والزبيب، وقف الشعب مترددًا أمام بياض السكر المستورد... حتى جاءت الفتوى تمهّد الطريق.
لكن اللعبة لم تنتهِ عند الحلال والحرام، بل بدأت هناك، حين انكشفت حقيقة التفاوض، وحين احترق السكر في الشوارع لا لأنه فاسد، بل لأن الاتفاق قد فسد.
لقد كانت تلك اللحظة تجسيدًا مؤلمًا لكيف يمكن للسياسة أن تلبس عباءة الدين، فتسلب الناس ذوقهم وقرارهم معًا.
🍃 فتوى السكر في إيران ، حين احترق السكر في الشوارع، ولم يحترق النفوذ
لم يكن الشاي في إيران مشروبًا بريئًا، ولا كان حلاوته مجرد طَيب طَعم، بل كانت حبيبات السكر التي ذابت في كؤوسه مرآةً لصراع مرير بين التاج البريطاني وعمامة الملالي. فقبل أن يعتاد الإيرانيون تحلية الشاي بالسكر الأبيض، كانوا يستخدمون التمر أو الزبيب، بما توفر في البيئة وما اعتادته الفطرة. ولكن حين بدأت الشركات البريطانية في مطلع القرن العشرين تدفع بمنتجها الجديدة – مثل السكر المكرر – إلى الأسواق الإيرانية، اصطدمت بممانعة ثقافية واقتصادية، خاصة في أوساط العامة ورجال الدين.
هنا تحرّك المال البريطاني بخفة استعمارية معهودة، وتوجه نحو أصحاب المنابر. يقال – في رواية تُروى على ألسنة المؤرخين الشعبيين – إن الإنجليز عرضوا على بعض رجال الدين منحهم نسبةً من أرباح تجارة السكر، تُقدّر بعشرة بالمئة 10%، مقابل أن تصدر فتوى تبيح استعمال السكر في الشاي، وتكسر مقاومة الناس لهذا الوافد الأبيض.
تم الاتفاق، ودخل السكر من بوابة الفتوى، وتُرك الناس يذيّبونه في كؤوسهم مطمئنين. ولكن، كما هي عادة الاستعمار حين يشتد ساعده، نكص البريطانيون عن وعدهم، وتوقفوا عن دفع الحصة المتفق عليها. فما كان من رجال الدين إلا أن أصدروا فتوى بتحريم السكر، واعتباره عادة "كافرة" دخيلة على المسلمين، تفسد الطبع وتورّث التبعية. فاستجاب الناس للدعوة، وبدأوا برمي أكياس السكر في الشوارع، وأوقدت النيران فيها، في مشهدٍ يشبه انتفاضة رمزية على النفوذ الأجنبي.
فلما أدرك البريطانيون فداحة الخسارة، أعادوا التفاوض مع الملالي، ورفعوا النسبة إلى ثلاثين بالمئة 30%.
فعادت الفتوى بثوبٍ جديد، تقول بما معناه: "لم نحرم السكر ذاته، بل السكر النجس الذي لم يُطهّر، أما اليوم فيمكنكم أن تضعوه في الشاي، وتطهّروه بحرارته، ثم تتناولوه مطمئنين!"
وهكذا، تراقص السكر في كفّ المصلحة، وتحول من رجسٍ إلى طَهور، لا لأنه تغيّر، بل لأن شروط اللعبة تغيّرت.
إشارات وثائقية وشبه موثوقة لقصة السكر:
يُذكر في بعض الدراسات أن إدخال السكر المكرر، مثل إدخال السجائر أو الشاي المستورد أو الملابس الغربية، واجه مقاومة من رجال الدين في البداية، ثم تحوّل إلى أمر اعتيادي بعد تقبّل شعبي ودعم ديني.
في كتابات أحمد كسروي، المؤرخ الإيراني المشهور، ينتقد فيها كثيرًا دور رجال الدين في التحكم بالناس لأهداف مادية.
كما ذكر بعض المؤرخين المعاصرين (مثل إيرفاند أبراهاميان) جوانب من هذه العلاقة بين النفوذ البريطاني والسلطة الدينية، ولكن دون تأكيد دقيق لواقعة "تحريم السكر".
🍵 مفارقة الشاي بين طهران وبوسطن
إن هذه القصة الفارسية، بكل ما فيها من عبث ديني شيعي وسياسة مراوغة بريطانية بتوظيفها سياسياً للدين، تقف على الضد تمامًا من مشهدٍ آخر على الطرف الآخر من العالم: إنها حفلة الشاي في بوسطن (1773)، حين قفز المستوطنون الأمريكيون إلى سفن الشحن البريطانية وألقوا صناديق الشاي في البحر، احتجاجًا على الضرائب المفروضة من التاج البريطاني دون تمثيل سياسي. لقد كان الشاي هناك رمزًا للاستعباد الاقتصادي والاستعلاء الإمبراطوري، فأُلقي في البحر دفاعًا عن الكرامة، وكانت تلك الليلة شرارةً لحرب الاستقلال الأمريكية.
أما في إيران، فكان الشاي حاضرًا، لكن السكر هو من مثّل الكرامة المستباحة. وتحوّلت "الفتوى" إلى ما يشبه الضرائب غير المعلنة، تفرضها الشركات الأجنبية وتبررها العمائم.
"ليلة حفلة الشاي: عندما غرقت بريطانيا في البحر"
على الضفة الأخرى من العالم، كانت أمريكا تولد على ضفاف الميناء.
فحين فُرضت الضرائب على الشاي دون صوت للناس، قرروا أن يكون ردهم صاخبًا... لا احتجاجًا على الطعم، بل على التسلط.
وفي ليلة خالدة من ليالي ديسمبر 1773، صعد رجالٌ غاضبون إلى السفن، وألقوا صناديق الشاي الإنجليزي في البحر. لم يكونوا يبحثون عن بديل محلي، بل عن استقلال سياسي.
ومن تلك الرشفة التي لم تُرتشف، انطلقت شرارة الثورة الأمريكية الكبرى. لقد أثبتوا أن الشاي، في لحظة غضب، يمكن أن يكون أداة تحرر، لا أداة استعباد.
1773م حفلة شاي بوسطن كانت شرارة الاستقلال للولايات المتحدة
هل سمعت عن حفلة شاي بوسطن والتي ادت لاستقلال الولايات المتحدة الأمريكية والمسماة بـ #Boston_Tea_Party هنا صورة لميناء بوسطن والذي منه انطلقت شرارة الثورة .

وتاريخيا وفى مثل هذا اليوم (1773/12/16) حدث ما سمى تاريخيا بأسم ( حفلة شاي في بوسطن- Boston Tea Party) وهي قيام عدد من المستوطنين الانجليز الذين تنكروا كهنود حمر حاملين الفؤوس و صعدوا الى سفن انجليزية في ميناء بوسطن و افرغوا 340 من صناديق الشاي في البحر…



وكان ذلك الفعل نتيجة الاحتجاج على ضريبة الشاي التى فرضتها الحكومة في لندن عليهم اذ يرى المستوطنون انه لا يجب فرض ضرائب عليهم بدون تمثيل نيابي لهم فى البرلمان الانجليزى وثورتهم المعروفة بقولهم (لاضريبة بدون تمثيل No taxation without representation)



وادت مثل هذه الاحتجاجات و تطوراتها الى استقلال الولايات التى توحدت بأسم الولايات المتحدة الامريكية… خاصة ان الأمريكان قد تولعو بالشاي بشكل كبير واصبح كل فرد امريكي يستهلك فوق300 كوب بالعام…

واصبح شعار «ارموا الشاي في البحر» أو (Dump the tea in the sea). هتاف يُردده الأطفال في احتفالات عيد الاستقلال الأمريكي،في الرابع من يوليو كل عام في بوسطن. وهذا الهتاف وقع بعد مجزرة بوسطن بثلاث سنوات في عام 1773.

ويعد ألقاء الثوريون حمولة الشاي احتجاجًا على فرض بريطاني الضريبة بداية لثورة عارمة للاستقلال. فقد كان الأمريكيون مولعين بالشاي لدرجة انهم في عام 1760، كانوا يشربون أكثر من مليون رطل من الشاي سنويًّا. لذا، عندما أراد البريطانيون رفع الضرائب على الشاي المحبب للأمريكيين،لم يمهلوهم.

وهكذا اصبح الشاي في حفلة بوسطن للشاي أحد أول المسببات لثورة وحرب عالمية ادت لاستقلال الولايات المتحدة من بريطانيا. وتعد هذه أول حرب عالمية بسبب الشاي كون الشاي وقتها يعد المشروب الاهم بعد الماء..
"بين الكأس والكرامة ، الشاي في وجه الاستعمار"
وفيه يتبلور التأمل في الشاي لا كمشروب، بل كأداة ناعمة من أدوات النفوذ والتغيير:
🍃 التحليل الختامي
الشاي حين يُحرّك الفتوى ويشعل الثورة
إن تأملنا في مسار الشاي كمنتج مستورد أولًا، ثم كمكوّن ثقافي ثمين لاحقًا، يجعلنا نعيد النظر في بساطة تلك الكأس التي نرتشفها كل يوم. فقد كان الشاي – في لحظات مفصلية – أشبه بـ"الماء الذي يُطهّر أو يُدنس"، حسب من يسكبه ومن يسيطر على طريقه وملحقاته.
ففي إيران، لم يكن الصراع حول طعم الشاي، بل حول من يتحكم في تحليته. لقد تحول السكر إلى "عملة سياسية"، تخضع لمقايضة خفية بين الاستعمار البريطاني ورجال الدين. كانت الفتوى تُصدر لا فقط في ضوء النصوص، بل في ظلّ المفاوضات. وأصبح القرار الديني مرهونًا بمقدار ما يترتب عليه من "حصّة" في السوق.
وفي بوسطن، على بعد آلاف الأميال، حمل الشاي معنى آخر. هناك لم تكن الفتوى هي المهيمنة، بل كانت الكرامة السياسية. أُلقي الشاي في البحر لا لأنه محرَّم، بل لأنه مرموز للعبودية الضريبية وغياب التمثيل السياسي. لقد أدرك المستوطنون الأمريكيون أن الإمبراطوريات لا تُقاوم بالبنادق وحدها، بل برفض رموز هيمنتها اليومية، ولو كانت مجرد كأس شاي.
وبين إيران وبوسطن، تتجلّى مفارقة الشاي:
في أحدهما، يُستخدم الدين لإضفاء شرعية على سلعة؛
وفي الآخر، تُستخدم المقاطعة لإسقاط شرعية الاستعمار.
هكذا يظهر الشاي، في التاريخ، كأحد أدوات النفوذ الناعم (Soft Power) التي استعانت بها الإمبراطوريات لإعادة تشكيل أذواق الشعوب، ثم لربطها بسلاسل اقتصادية واجتماعية تقيّد قرارها
✍️ ختام الفصل:
إن الشاي ليس "حياديًا" كما نحب أن نظن؛ فهو في أزمنة معينة، حمل في لونه وتبخّره قصصًا عن الاستعمار والممانعة، عن الفتوى والضرائب، عن الأسواق والرموز، عن مَن يُقدّمه ومَن يُسعّره ومَن يُباركه.
وهكذا، حين نقرأ تاريخ الشاي، لا نقرأ فقط تاريخ أوراق تُغلى في الماء، بل نقرأ تاريخ الشعوب وهي تُغلى في معارك السيطرة والكرامة
ونتجه الى موضوع الكيف في الشاي وأليك ماتوصلت له حول كنه ذلك الكيف..
✍🏼:من خواطر متحف الشاي
واول سؤال يتبادر لنا عن حقيقة الشعور بالسعادة حين نتناول كأس مما نحب احتسائه كالشاي والقهوة..!!
نعم انها حقيقة فان تلك الأحاسيس التي نشعر بها عند تذوق أشياء معينة، كمثل الراحة النفسية عند شرب فنجال من القهوة أو السعادة عند تناول استكانة الشاي السيلاني، انما هي أمور حقيقية ويمكن تفسيرها من منظور نفسي وعصبي.
فكل تلك التجارب ليست مجرد فلسفة تقال او شعور كاذب ، بل أن لها أساس علمي يرتبط بالكيفية التي يتفاعل بها الجسم والعقل مع المنبهات الحسية.
فعندما تشرب القهوة أو الشاي، فأنك تحفز المركبات الكيميائية داخلها ، كمركب الكافيين للمستقبلات العصبية في الدماغ، مما يؤدي إلى زيادة في إنتاج النواقل العصبية مثل "الدوبامين والسيروتونين" ، والتي ترتبط بمشاعر السعادة والراحة.
علاوة على ذلك، وكما قلنا مرارا ان الكيف والحالة المزاجية التي يصل اليها المستقبل لهذه التجارب يمكن أن تكون مرتبطة بالذاكرة والعادات الشخصية.
فعلى سبيل المثال، إذا كنت معتادًا على شرب الشاي في لحظات معينة من الاسترخاء أو الراحة، وليكن ايام الربيع في ضحى يوم ممتع وحولك اصحابك وكنت في حالة غامرة من السعادة، فقد يرتبط شرب الشاي في ذلك المكان بتلك المشاعر في عقلك، مما يعزز الإحساس بالراحة والانتشاء حين تشربها باقي الأوقات...
باختصار، الأحاسيس التي نشعر بها عند تذوق أشياء معينة هي مزيج من التأثيرات الكيميائية في الدماغ والتجارب الشخصية والعادات المكتسبة من الذكريات الجميلة، وهي بالتأكيد حقيقية ومؤثرة.
ويجرنا الامر لسؤال آخر وهو..
كيف تكون كل تجاربي لاحتساء الشاي او القهوة بمثل التجربة المليئة بلحظات السعادة والنشوة.
✍🏼 نقول وبالله التوفيق..
ولتحقيق تجربة مستمرة من السعادة والنشوة لمزاج جميل عند شرب الشاي أو القهوة، يمكنكم اتباع بعض الاستراتيجيات التي تساعد في تعزيز المشاعر الإيجابية مع كل فنجال واستكانة:
1.ربط اللحظة بالتجربة:
حاول أن تكون حاضراً ذهنياً عند شرب الشاي أو القهوة. اجعل هذه اللحظة لحظة خاصة بك، تركز فيها على تفاصيل التجربة مثل رائحة المشروب، درجة حرارته، مذاقه، وحتى الصوت الذي يصدر عندما تصب السائل في الكوب واخيرا تذكر ذلك المكان الذي شعرت فيه بالنشوة أول مرة او محاكاته بقدر ماتستطيع .
لان ربط الوعي بهذه التفاصيل يعزز التجربة الحسية.
2.إيجاد طقوس شخصية:
يمكنك إنشاء طقوس خاصة ترتبط بشرب الشاي أو القهوة، مثل الهدوء والسكينة، مع قراءة كتاب تحبه، أو الجلوس في مكان مفضل لديك.
هذه الطقوس ستساعد في تعزيز الإحساس بالسعادة عند كل مرة تحتسي فيها مشروبك.
3.التنوع والابتكار:
جرب أنواعاً مختلفة من الشاي أو القهوة أو أضف نكهات جديدة مثل الفانيليا، القرفة، أو الليمون النعناع الهيل الخ..
فالتنوع يجلب تجارب جديدة ويمنع التعود الذي قد يقلل من السعادة مع مرور الوقت.
4.التذكر والتأمل:
قبل احتساء المشروب، خذ لحظة لتتذكر تجربة سابقة كانت ممتعة.
هذا التأمل في اللحظات السعيدة يمكن أن يعزز من المشاعر الإيجابية ويهيئ عقلك لتجربة مشاعر مشابهة.
5.المشاركة الاجتماعية:
شرب الشاي أو القهوة مع الأصدقاء أو العائلة يمكن أن يعزز من الإحساس بالسعادة. التفاعل الاجتماعي الإيجابي غالباً ما يرتبط بمشاعر السعادة والراحة.
بتطبيق هذه الاستراتيجيات، يمكنك تعزيز فرص الشعور بالسعادة مع كل كوب من الشاي أو القهوة.
تحياني ابوابراهيم متحف الشاي1446هـ
صورة لزيارتي مرتفعات ريزة المكسية نبات الشاي (كاميليا سينينس ) وطبيعة لاتقاوم ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق