المأكولات القيروانية
المقروض القيرواني
ومما اشتهرت به القيروان نوع من الحلويات، ويسمى "المقروض" لا يفهم سرّ نكهته وحلاوته المميزة إلا أهالي القيروان وهو نوع من المعمول المصنوع من سميد القمح الصلب بعد عجنه و حشوه بالتمر. ويكثر تداوله في شهر رمضان المبارك. ويقولون تندراً : (ليس لأي زائر للمدينة أن يصرف نظرا عن المقروض، وإلا بقي في نفسه شيء من حرمان).
فتيرة (خبزغناي) الفطائر
هي أكلة مفضلة في القيروان ، تتناول في فطور الصباح،عملية صنعها سهلة جدا العجين متكونة من القمح المبلل بالماء الساخن يضاف عليه القليل من الملح والخميرة ، كما أن للخبز هنا أنواع عدّة منها الأبيض والأحمر والمزخرف بمربعات او ببعض البذور في أعلاه كالحبة السوداء وغيرها ولعل ما عرفت من بعض الأنواع التي تشتهر فيه القيروان هو( خبزشواية - خبز ميدة - خبز القمح - خبز شعير - خبز طابونة).
كسكروت كفتاجي
تشتهر مدينةالقيروان أيضاً بالكفتاجي، وهو فلفل حار مع بيض طازج و طماطم يقع خلطهم و تقطيعهم إلى قطع صغيرة ثم يضاف إليه بطاطا مقلية.
إطلالة أخيرة قبل الخروج من القيروان لجامع عقبة بن نافع
ومن هنا بدأت زيارتنا لمدينة التاريخ والبذرة الإسلامية التي نشرت من خلالها الخير لأصقاع القارة كلها وهذا فضل من الله ، ومن هنا نودع المدينة بإطلالة على أروع ما فيها جامع عقبة بن نافع ذلك الجامع المهيب بروعة بنائه وبإجلال قدره المكاني والزماني لعل أن نوفق بزيارة أخرى نستمد منه الكثير من القيم والعبر .
الخروج من القيروان وبمحاذاة السور الشمالي للمدينة القديمة والتي أنشأ فيها مقبرة قديمة ولا يعدم وجود ضريح هنا أو هناك وهو عادة مستمرة ولها من يرعاها ويستفيد منها .
سلكنا الطريق الشرقي من مدينة القيروان والمتجه إلى مدينة سوسة الساحلية ولتي لا تبعد سوى 40 كيلاً تقريباً وكان مسيرنا ليلاً وكان بالطريق بعض نقاط الأمن التي أوقفتنا للتأكد من أوراقنا وهي نقاط مستمرة في كل تونس وبشكل مكثف ويصل إلى حدّ الإزعاج .
إطلالة من أعلى الفندق لمدينة سوسة وساحلها الشمالي
وصلنا إلى سوسة ليلاً واتخذنا فندقاً مطلاً على البحر وهو فندق بالاس ذو أربع نجوم وبمبلغ 180ديناراً الفندق له إطلالة جميلة على البحر ولكن الأجمل هو إطلالته المميزة لمدينة سوسة فهو عالي بحيث يشرف على المنطقة التاريخية والعتيقة لمنطقة سوسة القديمة ومنه كانت هذه اللقطات.
[
وهنا إطلالة أخرى ولكن لمنطقة المدينة العتيقة وأسوارها
إن موقع سوسة في الوسط الشرقي للبلاد التونسية. وهي مركز منطقة الساحل التونسي. وتعرف بـ"جوهرة الساحل". والساحل التونسي على الوجه الشرقي منطقة تمتد على طول حوالي 170 كم بين بوفيشة والشابة وعرض 25 كم تقريبا بين سوسة وسيدي الهاني.
وسوسة مدينة ساحلية تشرف على شواطئ البحر الأبيض المتوسط. سواحلها رملية ملائمة للنشاط التجاري البحري ولنشاط صيد الأسماك وللنشاط السياحي. وتتكون تضاريسها من سهول وربى قليلة الارتفاع وأراضيها.
تقع سوسة على مسافات غير كبيرة من المدن التونسية الهامة: فتقع 140 كم جنوب تونس العاصمة و50 كم شرق القيروان 20 كم غرب المنستير و 120 كم شمال صفاقس.
[
صورة مقربة لسور وقلعة المدينة العتيق لسوسة
في صباح يوم جميل نزلنا من الفندق لنتجول حول المدينة ومنها المنطقة المسورة وهي سوسة القديمة والتي مازال سورها شامخاً ومبانيها التي تعطيها الانطباع الخاص بها كالمسجد الجامع وقلعة الرباط وقلعة المنار وغيرها من المساجد والأزقة والدور السكنية والأسواق.
بوابة الحصن المسى المنارة والذي يقع في قمة اعلي مكان في المدينة العتيقة
تاريخ تسمية المدينة :
مدينة سوسة أسسها الفينيقيون في الألف الأولى قبل الميلاد وتغير اسمها مرات: من حضرموت إلى جوستنيا إلى سوسة.
فأسم حضرموت وهو الاسم الذي عرفت به قديما.ويبدو أن الفينيقيين قد أطلقوا عليها هذا الاسم لما لاحظوا التشابه بين سواحلها وسواحل منطقة حضرموت الموجودة في اليمن والتي لا زالت تحمل هذا الاسم إلى الآن.
أما أسم جوستينا وهو يعود إلى اسم الإمبراطور البيزنطي الذي احتلها.
أما الأسم الحالي سوسة فهو الاسم الذي استعمله المسلمون. ويبدو أنه من أصل بربري ويدل على كثرة السكان بالمنطقة ونجد عدة أماكن ببلاد المغرب تحمل هذا الاسم وما يقاربه مثل منطقة السوس بالمغرب الأقصى.
وبقيت سوسة متميزة عبر العصور وهي في الوقت الحاضر مركز إداري وصناعي وتجاري وسياحي وثقافي نشيط لها مكانة متميزة على الصعيدين الداخلي والخارجي.
كما ان أسم سوسة كمدينة له شبه بمدينة سوسة الإيرانية وسوسة الليبية .
باب قديم لأحد بيوت سوسة العتيقة بطرازه الأثري
لكل منطقة طعم وصورة تتميز بها كما أن لسوسة ما يميزها سواء كانت أبواب أو أسواق أو أزقة كما لا نستثني القلاع والجوامع ، ولا تتكون الصورة إلا بالمرور والملامسة لكل هذا وذاك من تلكم الآثار الرائعة التي تخبرنا عن فترات لامعة وضعت المنطقة في مصاف المدن التاريخية العريقة .
مطرقة باب من ابواب المدينة شدّني لتصويره فأخذت له تلك الزاوية
ومطرقة اخرى جميلة على شكل يد
وهنا مطرقة لباب على شكل حلقة وهي الأشهر في تونس
تاريخ مدينة سوسة اسلاميا:
إن ما تميزت به مدينة سوسة الساحلية وعلى مر العصور الإسلامية من ناحية التأثير الإسلامي هي: تواجد الكتاتيب وهي المؤسسات التعليمية الأولى ودورها تحفيظ القرآن الكريم ومبادئ اللغة العربية والفقهية. وكل ذلك كان في مساجد المدينة وخاصة المسجد الكبير في قلب المدينة الذي أسس منذ القرن2 هـ وبناه الأغالبة وبقي منارة تعليمية بارزة يقدم إليه الطلاب من كامل بلاد المغرب والأندلس. أما المساجد الصغيرة ومنها مسجد أبو فتاتة وهو أقدم مسجد بمدينة سوسة أسس في العهد الأغلبي. وكذلك أبنية الرباط وهي عبارة عن أماكن للعبادة ومراقبة السواحل خوفا من إغارة البيزنطيين على السواحل الإسلامية وتتباعد الأربطة بحوالي 5 كيلومترات عن بعضها البعض وتنتشر على طول سواحل بلاد المغرب. كانت الأربطة تعج بالعلماء والعباد من الرجال وكانوا يداومون على قراءة القرآن والحديث النبوي ويكثرون من التنقل ويضيفون إلى ذلك مراقبة الشواطئ ليلا نهارا. ويتكاثف الحضور إلى هذه الأماكن في شهر رمضان. وقد زالت هذه الأربطة في العهد الفاطمي।
من اعلى منارة لحصن قديم يطلّ على سوسة كاملة ويشرف على معالمها المميزة
ومن قلعة الرباط التي تمثل رمزاً لسوسة المدينة الحصينة والمنيعة كانت لي طلّة من على برجها الدائري الذي يشرف على الجامع الكبير وأجزاء من ميناء المدينة ومرقب مهم للتنبيه من أي غزو أو هجوم في تلكم الأثناء ولكنه اليوم يشكل معلماً للرؤية الشاملة للمنطقة ، كما أنه بني قبل عام 821م ويعود سبب تأسيسه للفترة التي سبقت فتح صقلية والاستعداد لتحصين المناطق العسكرية والمدنية لتحول دون الإدارة عليها .
إن مبنى الرباط هنا في سوسة بني بعد الرباط المبني في المنستير ويشبهه إلى حد ما ولكونه مبنى عسكري بالأصل فقد روعي فيه الاستخدام الدفاعي ومساقط الزيوت والقار الحار وكذلك الفتحات التي تضخ بكميات من أسهم المدافعين المحميين داخله، وهو متوسط الحجم يصل طول أحد أضلاعه نحو 38 متراً كما أنه مربع الشكل وله بوابة واحدة جنوبية كما أن له برجاً عالياً واحداً وهو الذي تسلقته ومنه كانت اللقطة أعلى.
صحن رباط سوسة ويرة الغرف بكلا الطابقين والرواق السفلي
مبنى الرباط مكوّن من طابقين وباحة تتوسط المبنى كما انه بالدور الأول يحتوي على غرف تحيط بجميع جدران المبنى ويتقدمها رواق كما ترون بالصورة أعلى.
وأما الطابق الثاني فبه غرف للسكن ومصلى صغير في الناحية الجنوبية للرباط ، كما أنه يوجد بوسط الباحة مخزن لمياه الأمطار وهو تكرار للكثير من القلاع والمساجد في تونس ولعل تكرارها مأخوذ من البناء الشامي للقلاع واستخدام هذه الميزة لحفظ مياه الأمطار للضرورات في حال الحصار أو الحرب.
ومن التاريخ إلى السوق ومنها هذه اللقطة حول أحد باعة الحلازين (حلزون) وهي طازجة ويعتبر هذا موسم لها موسم الربيع ؟
بائع الزيتون والمخللات والفلافل التونسية المميزة
كما أن المخللات والزيتون المتنوع وهي من غلال ارض تونس المبروكة لها مكان وحضور وقبول للشراء فمنها المخلل والمقطع والأسود والأخضر والبني والملون بلونين وبجانبه الفلفل التونسي الحارّ والذي يطلب بكثرة لاستخدامه في الهريسة أو مع الطبخ والمقبلات أيضاً.
سوق الخضار داخل السوق الكبير في وسط سوسة القديمة
والسوق العام يتوسط المدينة العتيقة بأقسامة المتنوعة فهناك الخضار الطازجة والتي تجلب من المزارع مباشرة صبيحة كل يوم وقسم الأسماك البحرية وقسم النواشف والخضر المجففة كالتمر والتين والزيتون والفلافل المجففة والبهارات وأقسام اللحوم كالعلوش(الغنم) أو البقر والدجاج وفي بعض الأحيان الحاشي (صغير الإبل) .
بائع البهارات في سوق سوسة القديم داخل اسوار المدينة العتيقة
السوق مادة دسمة تثير الكثير من المشهيات لدي وقيها من الفعاليات التي تشبع النفس والعين وبعض الأحيان البطن، إن التجول بالسوق مسافة بسيطة يعطينا كمية كبيرة من المعلومات الاجتماعية والاقتصادية والحالة العامة للبلد ففيها يسير الناس على سجيتهم وهم يطلبون الخير ومنهم شاري وبائع ومنهم ليس هذا ولا ذاك ويختلط الجميع ليكون نسيجاً تونسياً فريدا تستجمع منه وفرة من المعاني والتصور .
وحان وقت الخروج والانتقال إلى منطقة لا تقل عن سوسة بآثارها ومكانتها التاريخية وهي ساحلية أيضاً ولمسافة 20 كيلومتر فقط باتجاه الشرق وعلى الساحل مباشرة كانت لنا جولة أخرى هذا اليوم لمدينة المنستير فإلى هناك .
ولايةالمنستير
تقع مدينة المنستير فيالوسط الغربي للبلاد التونسية وعلى مشارف البحر الأبيض المتوسط وهي تبعد عن العاصمةتونس ب 160 كلم، والمنستير أصلها من اللاتينية "مونستيريوم" أو اليونانية "مونستيريون" هي روسبينا القديمة التي أسسها الفنيقي ونسكان صور في القرن الرابع قبل الميلاد وتعني كلمة "روبينا" التي هي من أصل بوني الرأس أو بالتحديد شبه الجزيرة. وكانت روسبينا تمتد على أكثر من 8 هكتارات من موقع استراتيجي بعيد عن الغزوات. وقد ساعدت روسبينا البطل القرطاجي حنبعل في حربه ضد الرومان في القرن الثالث قبل الميلاد المنستير .
كانت المنستير أول مدينة عربية إسلامية تبنى في افريقية و في شمال أفريقيا كانت تضم تونس الحالية وجزءا من الجزائر وقد أصبحت سنة 665 ميلادية (السنة 45 من الهجرة) معقلا خارجيا لحماية العاصمة القيروان.
.
رباط المنستير كما يبدو بصورة بانورامية
رباط المنستير:
أسس هرثمة بن الأعين،والي الخليفة هارون الرشيد، الرباط الكبير بالمنستير سنة 796 ميلادي (سنة 180 هجري) وأصبح رباط المنستير أكثر المعالم الدفاعية ضخامة بفضل التوسعات والتحصيانات التي أدخلت عليه بين القرن 15 والقرن 18 ،فقد كان في البداية رباعيّ الأضلاع، متألّفا من أربعة مبان تفتح على صحنين داخليّين.
وبالإضافة إلى الحجرات الصغيرة المخصّصة للمجاهدين المتعبّدين الذين كانوا يضطلعون بوظائفهم العسكريّة ويعكفون في نفس الوقت على الصلاة والتأمل،يحتوي الرباط على مسجدين.
ويمكن الصعود في مدرج حلزوني الشكل، به حوالي مائة درجة،,وهو شبيه بذلك البرج الذي ارتقيت في مدينة سوسة،وللوصول إلى برج المراقبة الذي كان يتمّ منه تبادل الإشارات الضوئية، في الليل، مع أبراج الرباطات المجاورة كبرج سوسة والمهدية ،كما أنه مكان يتيح للزائر إذا صعد عليه التمتّع بمشهد رائع على مدينة المنستير وشاطئها وهو ما فعلته وأخذت بعض الصور منه كما يأتي لاحقاً.
إحدى بوابتين من أبواب رباط المنستير من الجهة الجنوبية الغربية
من داخل رباط المنستير ويرى برج المراقبة الفريد والشبية ببرج سوسة والمهدية وغيرهم اربطه الساحل
من على برج رباط المنستير وإطلالة على مدينة المنستير
إطلالة أخرى من برج المراقبة للساحل الجنوبي للمنستير
كما أن هنا إطلالة للساحل الشمالي ومنطقة المارينا السياحية
"يرى في اللقطة أعلى منطقة المارينا" وهي المحطة السياحية الواقعة شرق مدينة المنستير ويقع شمالها منتزهات الكرنيش والفالاز ومحمية بين البر وجزيرتي سيدي الغدامسي و الوسطانية وممكن ترون الجزيرتين في افق الصورة التي أعلى .
صورة أخرى للرباط ووداعية لمنطقة المنستير
ومن المنستير وبعد أخذ جولة في رباطها وساحلها وبعض متنزهاتها الجميلة والممتدة على مسافة كبيرة أخذنا بعضنا وانتقلنا لمنطقة أخرى لا تقل أهمية وتكملة لمدن الساحل والتي تحتوي على الكثير من المواقع الأثرية والسواحل الفريدة والمنتجعات التي تستثمر موقعها الفريد لتحتل مكان على خارطة السياحة العالمية .
فإلى المهدية المدينة الساحلية المميزة.
المهديةالمدينة البحرية
يستخدم الصيادين الساحل بكثرة ويبنون مرفأ خشبي بسيط يسهل حمل شباكهم وصيدهم
المهدية مدينة الوفاء و التشبث بالعادات والتقاليد كما يطلق عليها ولكن هل يكون ذلك لأن المهدية هي في منأى عن الطرقات الكبرى؟ قد يكون هذا فإن المهدية هنا ما تزال على حالها لا تعرض على المارين إلا جدرانا بيضاء وأبواب زرقاء وما تزال غرفها كما كانت من قبل في تصميمها العربي الفريد حيث تلتف حول باحة البيت(الحوش) غرفها في استحياء وخفية عن كل من هو خارج الدار، ولا تبدي زينتها مثل سقوفها الخشبية وابهة خزفهاالبديع الملون إلا لأهلها والأقرباء والمحظوظين من الزوار، وداخل هذه الديار ما يزال الناس يعيشون.ولا يقبلون بالشقق الضيقة إلا من عدم الكفاية .
أحد سواحل المهدية المتعددة السواحل بخلجانها الرائعة
ما تتميز به المهدية كونها ذات بحرين
تعيش المدينة ذات البحرين على إيقاع أمواج بحريها، فإن تهب الريح من الشمال أو من الجنوبيعني انه في الإمكان أو ليس في الإمكان ان يركب الراغب في الصيد البحر، كما يعني إن وجهة الراغب في السباحة يجب أن تكون هذا الشاطئ او ذاك.
والمهدية هي أيضا أكبر موانئ الصيد البحري في تونس وصناعة المصبرات فيها لم تنفك تعلب سردين المهدية الشهير الذي لا أشهى ولا ألذ منه.
أما السياحة قليلة هنا مع أن شواطئ المهدية المترامية الأطراف وذات الرمل الأصفر الذي يداعب أقدام البساتين التي تبسط خضرتها حتى مشارف الماء المالح تحتوي على المقومات ولكن لعل حفاظها على التقاليد هو ما جعلها بعيدة من مثيلاتها مدن الساحل الأخرى .
كما أنه فاتنا التجول في موقع مهم وهو يهم كل سائح وذلك بالاطلاع وحضور سوق الجمعة، السوق الأسبوعي التي تقبل عليها النساء ليبعن كسوتهن القديمة ولعلنا نزوره في لقاءات أخرى .
منارة المهدية البحرية على رأس أحد الجزر لأرشاد السفن
طرقات للتفسح ولكن عبر مقابر قديمة وقلاع تركية على رأس ذو بحرين
أن الإطلاع على بعض العادات الجميلة هنا في المهدية لهو شيء فريد وخاصة تجهيز العرائس وصنع الحشايا الصوفية بل ان الطقوس المتبعة في المهدية خلال الأعراس وحفلات الحناء والطهور ما تزال تنتظم حول أعرافها الصارمة والتي لا محيد عنها فهذه الحفلات لازالت تحتل مكانة وتنظيم فاخر وبهيج.
ولعل المهدية هي إحدى المدن التونسية القليلة التي ما تزال مختلف مكونات الكسوة التقليدية تنسج وتطرز فيها استجابة لطلبات العادات والتقاليد التي مازالت مستمرة هنا. وليس للموضة حظ في المهدية، فالرضيع يدثر عند ولادته في الرداء التقليدي وهذا الرداء ذاته هو ما تلتحفه المرأة وهي عروس شابة، وهو أيضا كفنها عندما يحين اجلها.
وإذا كنت من هواة التجول في الأزقة باكرا وقدمت إلى المهدية فسترى تلك القيم والعادات الجميلة ظاهرة في أزقتها لترى نساء ماشيات لحضور حفلة حناء أو تجهيز عرس ،بل إن أهل المهدية يتشبثون بالتقاليد حتى في مأكلهم ومن إمارات ذلك انهم يفاخرون بأن أشهى وأفوح وأنعم كسكسي بسمك يمكن للمرء ان يتذوقه هو كسكسي بالحوت مهدوي، وحاولت أن اتذوق ذلك الطبق المشهور ولكن لم نوفق إلا بطبق كسكسي بالعلوش .
أحدى الأربطة المتصلة مع أخواتها في طول الساحل
بيوت على البحر مباشرة في جهة أخرى للساحل
من ساحة القاهرة لمدينة المهدية
وأخيرا وجدنا طبق كسكسي مهداوي ولكن ليس بالحوت إنما بالعلوش
ومن تلك المدينة الهادئة والمطلة على البحرين الشرقي والشمالي وحيث القيمة الفريدة التي تتمتع بها من تقاليد وعادات وصناعة بحرية مميزة كانت النهاية والرحيل منها لا إلى ساحل آخر ولكن إلى جهة الغرب حيث هناك موعدنا مع منطقة تاريخية رومانية وهي مدينة الجم.
مدينة الجم ذات المسرح الروماني الكبير
[
المسرح الروماني الكبير بمدينة الجم من صورة علوية (مأخوذة من بطاقة بريدية)
أن مدينة الجم وما تتميز به من ذلك البناء الحجري الضخم المكون من طوابق عدة وهو قد بني منذ ما يقارب 1800 عام منذ العهود الرومانية وهو شبيه للمسرح الروماني الكونسليوم في مدينة روما عاصمة الرومان والذي يتسع كونسليوم روما لعدد 43 ألف متفرج .
المسرح والملعب الروماني الكبير الذي يتسع لـ30 ألف متفرج في آن واحد
أن مسرح الجم هذا لهو محل إعجاب معماري فريد وخاصة أنه الأكبر بناء في أفريقيا الشمالية القديمة والأضخم فمجرد التعرف على أطواله وأبعاده ستعرف كم هو ضخم وكم هو مكلف ويدل على بهرجة ومكانة الساكنين ومدى حجم تجارتهم وقوتهم .
إن طول محوري المسرح الطويل 149م والصغير 124م كما أن ارتفاعه 35 متراً ومحيطه 427م وهو كما قلت يتسع لـ30 ألف متفرج ولا يكبره إلا مسرح روما الذي محيطه 527م ويتسع لـ43 ألف متفرج.
كما أن للمسرح خاصية الأقبية المزودة بدهاليز تجمع الأسود والحيوانات والمصارعين وكذلك السجناء لكي يكون خروجهم للساحة عن طريق رفعهم ومفاجاة الجمهور بحيث يتحكمون في من يكون على الساحة وهي طريقة ذكية تتسم بالمفاجأة والتغيير وتنوع الاستعراض حسب النوع المراد خروجه فقد يكون حيوانات ضارية أو عمليات الإعدام للسجناء وغيرها من الاستعراضات الدموية .
المسرح من الداخل ويرى ساحة الأستعراض ذات المصاعد الميكانيكية لرفع الأسود والمصارعين
من خلال رؤيتي لهذا المعلم الضخم الذي لاشك أنه كان باهظ الثمن والتكاليف لإنشائه ، وهذا يدل دلالة واضحة مدى الإمكانيات التي حازوها أصحاب الأرض وكم يملكون من مقدرات تجعلهم يتباهون بمثل هذه الأبنية الضخمة ويكفي أن نعرف مستوى معيشتهم والتي كانت في معظمها تجارة الزيتون والتحكم بالمنطقة التي تحوي على الكثير من المقدرات الكبيرة من زراعة وأخشاب وتبادل تجاري فيما بينها وبين دول البحر الأبيض المتوسط وأفريقيا .
رؤية للمسرح من زاوية أخرى .
كانت زيارتي للمعلم الكبير بالجم فرصة ممتعة للقاء زملاء العمل وهو مدير إحدى مدارس التعليم الابتدائي وكان برحلة تعليمية مع طلابه وقد ابتدءونا بالسلام حين رأوا سحنتنا العربية وملامحنا مع وجود الأوربيون من حولنا وتجمع الطلاب وهم يتهامسون فيما بينهم ويؤشرون علينا مع بعض الابتسامات على محياهم وكان لابد أن ندخل معهم ونشاركهم وتم ذلك حين رددنا السلام وصارت الابتسامات انشراحاً وكأننا نعرف بعضنا منذ الأزل.
صورة جماعية لطلاب المدرسة الابتدائية الذين قابلناهم مع مديرهم الأستاذ ناصر
جميلة تلك المشاعر الودودة وتلك الابتسامات التي حملت الكثير من المعاني وهم ينظرون إلينا ونبادلهم النظر وأكمل اللقاء مدير المدرسة مع بعض المعلمات والمعلمين وهم يلقون التحية وصار اللقاء وسط المسرح ،أنها لحظة أعمتنا عن كل إحراج فقد صرنا وسط المسرح والمسرح يتميز بتردد الصوت(صدى) وكنا نتبادل الضحكات والكلمات الترحيبية وبعض الذكريات التي عرفنا أن المدير كان يعمل معلماً في مدينة الرياض وكان له أصدقاء وفرح أشد الفرح حين علم أننا من نفس الدولة وأصرّ على أن نشاركه يومه بالنزول إلى بيته والتعرف على أهله وأحبائه ولكننا استطعنا بعد مناوشات كلامية التملص من دعوته وجعلت جلبتنا من جميع زوار المسرح يقفون مبهورين من تلك الضجة التي افتعلتاها بدون قصد ولكننا نحن العرب لا نعرف لقواعد الاتيكيت وزناً ولا لما حولنا حساً فقد صرنا بلا قصد وكأننا نمثل بالمسرح ومن حولنا الجمهور من السياح يراقب والبعض انتهزها فرصة للتصوير لهذه الجمهرة الغريبة .
[
أطفال بعمر الزهور عرفوا كيف يصلون بابتسامتهم قلوبنا وكيف جعلونا نعيش لحظات مليئة بالود والمحبة
وودعناهم مع دعائنا لهم ودعاؤهم لنا بالخير ومثلما التقينا بابتسامة كانت تلك الابتسامة هي ما ودعونا بها.
وبعد وداعهم وأخذ جوال المدير للأتصال عليه لاحقاً ومنها إلى مدينة صفاقس فلننتقل معكم إلى هناك.
صفاقس "عاصمةالجنوب"
مدينة صفاقس تعتبر ثاني أكبر المدن في تونس،وتقع على الساحل الشرقي شمالي خليج قابس، وذلك إلى الجنوب من سوسة بنحو 120 كم وتحيط بها مزارع الزيتون الفسيحة قد جذبت صفاقس كثيرًا من السكان منالقرى المجاورة مثل قرية شرف وقلوس واللوزة وغيرها كما جذبت عائلات معروفة من سوسة والقيروان والمهدية ومن خارج تونس من كل من الجزائر والمغرب وليبيا بسبب تلك المزارع .
يروج بعض الباحثين أنها ترجع في نشأتها إلى الرومان الذين استعمروا تونس قرونًا طويلة لقد احتلتها فرنسا سنة(1299 هـ، 1881 م)كما تعرضت للهجوم البريطاني في أثناء الحرب العالميةالثانية،وذلك سنة(1361 هـ ،1942 م)فاحتلتها بريطانيا سنة(1362 هـ ،1943م).
وفي سنة 1910 م تم مد الخط الحديدي من " قفصة" وهي مدينة في الجهة الغربية من تونس وهذا الخط الذي يصل إلى صفاقس ، ويخدم الخط تصديرالفوسفات حيث رأيناه مجموعاً بكميات هائلة على الساحل وكأنه جبالاً بيضاء.
كما انه تم تطوير ميناءصفاقس بعد الحرب العالمية الثانية بتوسيعه وتعميقه ، ويتميز هذا الميناء بأن حركةالمد والجزر تساعد على دخول وخروج السفن.
الكميات الضخمة من الفوسفات المتراكمة وكأنها جبالاً على ساحل صفاقس
.
وكميات أخرى للفوسفات
زيارة للمدينة:
تتكون مدينة صفاقس منالمدينة القديمة الموجودة داخل الأسوار التي تتميز بكثافة سكانية عالية وتتميز بأزقتها الضيقة والبيوت ذات الطابق الواحد.
- أما المباني العصرية فقد شيدت بين المدينة القديمة والبحر وهي تتسم بتركيز النشاطات الخدمية كالأسواق والمباني الحكومية والطرق المتسعة وغيرها والتي اتسعت بشكل كبير جداً .
وما تتميز صفاقس به من الأنشطة الفريدة مايأتي:
ـ نحت الحجارة :وتستعمل حجارة الكلس في الفن المعماري التونسي بصفة كبيرة و تكون منقوشة و ذات لون سكري أو وردي و تسمى "كذّال" تجلب من دار شعبان (نابل). و توصف في إعداد الأقواس و أطر الأبواب والنوافذ و كذلك تيجان الأعمدة مثل ما هو موجود بكثرة في منازل مدينة صفاقس وتصدر إلى مدن تونس .
ـ كما تصدر الفوسفات من أضخم معمل في تونس بدأ إنتاجه 1952م والذي يجلب من مدينة قفصة وأيضًا الإسفنج.
- تتميز صفاقس بأهمية النشاط الصناعي التقليدي مثل صناعة الصابون والصباغة وصناعات الجلد والأحذية الجاهزة
ـ يتميز سكان مدينة صفاقس بنشاطهم حتى أن منطقة صفاقس تعتمد على الزراعة بصورة كبيرة، حيث ان ثلاثة أرباعسكان مدينة صفاقس يمتلكون مزارع زيتون لذلك فهي تشتهر بالزيتون الذي يأتي إليه التجار من كل مكان لرخص ثمنه بها وقامت عليه صناعة زيت الزيتون الذي يعد من أهمصادراتها بالإضافة إلى معاصر الزيتون
إحدى بوابات المدينة العتيقة والتي حافظت على شكلها مع ارتباطها بالجديد
ويقع سور صفاقس الآن وسط المدينة نظراً للأتساع الكبير للمدينة
كما لا يفوتنا أن نذكر جزر قرقنة وهي مجموعة جزر مقابلة لساحل صفاقس و هي تابعة إداريا لمدينة صفاقس
إن ارخبيل قرقنة بمساحته 300 كم مربع و يتكونارخبيل قرقنة من 8 جزر فقط اثنان مأهولتان بالسكان وانها من أجمل الجزر التونسية بطبيعتها و واحاتها البحرية
قرقنّة المعروفة بنخيلها الوارف تقع على بعد 400 كلم من العاصمة. يعتاش أهلها البالغ عددهم حوالى الثلاثة آلاف نسمة من زراعة الكروم والزياتين (شجرالزيتون) ومن مهن تقليدية كصيد السمك... وسواها. وهي "كثيرة الكروم والأعناب وغلات الكمون والينسون" كما يشير الإدريسي. كما أنها أحرزت شهادة على ازدهار الفلاحة وزراعة الزيتون والعنب منذ القرن الخامس.
كما أن ارتيادُ غياهب البحروركوب أمواجه العاتية لتأمين أسباب الرزق من المحيط؛ دفعا بأهلها إلى المغامرة فيلججه بحثاً عن كنائز مدفونة وأسماك أو حيتان وفق التسمية التونسية الشعبية.
ومن هنا ننتهي من ذكر رحلتنا بجزئها الثاني من مدينة صفاقس وسيكون لنا لقاء بالجزء الثالث الاكبر حظاً للقراءة وفيه التعرف على مناطق ذات العجب العجاب من تكوينات طبيعية للسكان وكيف اتخذوا من الأرض مستقراً ودوراً يسكنونها تحت الأرض وكذلك نزور العكس من ذلك لسكان اتخذوا الجبال وقمما مسكناً ومغارات يضعون فيها غلالهم وبطريقة فذة ابتكروها وكانت عجباً ..
انتظرونا للجزء الثالث والله ولي التوفيق.
أخوكم رحال الخبر – وائل الدغفق