الأحد، 16 نوفمبر 2025

اللقاء السادس لرحالة الجزيرة العربية بالمدينة المنورة رحال الخبر 1447هـ

🌙✨ مقدمة الرحلة..

🌿 بين طرق التاريخ ونبض الروح… تبدأ الحكاية

حين أعلنّا عن لقاء رحالة الجزيرة العربية السادس في المدينة المنوّرة، لم نكن نعدُ برحلة عادية…
كنّا ندعو لرحلةٍ تمشي على خطى النبي ﷺ، وتتنفّس من هواء طيبة، وتستعيد لحظات غزواتها وآثارها، كأن الزمن يعود بك إلى القرن الأول للهجرة.

مدينة ليست كغيرها…
هواءها أرقّ، ونسيمها أصدق، وسكناها جزء من عبادة.

في هذه الرحلة:
صعدنا أُحد عند الغروب… حيث الجبل الذي يحبّنا ونحبّه.
وسرنا في الخندق… حيث حُفرت معركة كاملة بالإيمان قبل الحجارة.
ودخلنا القبلتين… المكان الذي تغيّرت فيه اتجاهات الأمة بلحظة طاعة.
وشهدنا نور القرآن يُطبع صفحةً صفحة في مجمع الملك فهد.
وصلّينا في المسجد النبوي… حيث السكينة تنزل ببركة المكان.
والتقينا بأهل المدينة… بقلوب الأنصار وكرم السقيا.
وختمناها فجراً بالمشي إلى قباء، اقتداءً بخطى الحبيب ﷺ.
كانت الرحلة مزيجًا من:
سيرة… وتاريخ… وتأمّل… وروحانية… ولقاءات لا تُنسى.
رحلة نتركها…
لكن أثرها لا يتركنا.
وفي التفاصيل ادناه نكهة وعبر..

🌿 تقرير ترحالي عن لقاءنا السادس لرحالة الجزيرة العربية بالمدينة المنوّرة. 

سار الرحالة في دروب طيبة الطيبة والتي امتزجت بمشاعر الحاضر وظلال السيرة النبوية.

🌙 اليوم الأول – الأربعاء: بداية الحكاية

ما إن حللنا بالمدينة حتى أحسسنا أنّ الهواء هنا مختلف… ليس مجرّد نسيمٍ يهبّ من وادي العقيق، بل شعور خفيّ يذكّرك بأنك تمشي في أرضٍ أحبها النبي ﷺ ودعا لها بالبركة.
كنّا نستعد في الفندق  (فندق سكون) لاستقبال الرفاق، وكل وجهٍ يصل يحمل في عينيه فرح اللقاء وسكينة المكان… وكأن المدينة – بطريقتها الهادئة – تفتح ذراعيها لنا.

قبيل التعارف سنحت لنا الفرصة مع بقية الأخوة لارتقاء جبل أحد قبيل المغرب لرؤية المدينة وقت الغروب ، وكان المكان منظمّا حيث يستقبلك مركز جبل احد بتجهيز سيارات لارتقاء الجبل بسعر 35 ريال لارتقائه ..
وخلال ربع ساعة بالسيارة وانت في اعلاه لتتمتع بمشاهدة أجمل منظر لتلك المدينة المباركة.
وكانك في شرفة تطل على التاريخ ، مدينة مباركة تتلألأ بأنوارها وتاريخها وسلامها ..
 
رجعنا قبيل العشاء لنلتقي في حفل التعارف مع بقية المجموعة في ردهة الفندق… 

وفي لقاء التعارف المسائي، اجتمع الرحّالة حول بعضهم بعضًا، في بهو الفندق (فندق سكون) وحديث المدينة وحده كان يكفي ليجمع القلوب.
وفي ساعة العشاء الأولى، شعر كل واحد منا أنّ القادم ليس لقاءً عاديًا… بل رحلة تربيةٍ روحية قبل أن تكون جغرافية.
ورحلة روحيّة تُربّي القلب قبل أن تُمتّع العين… 

ولأن المدينة تعرف كيف تهبك ما تحتاجه قبل ان تطلبه.. 

وأختتمنا أمسيتنا بجولة لأجمل منتجعات المدينة وفي منتزه "ريف البستان" كان اللقاء والعشاء… 
🌿 زيارتنا لمنتزه “ريف البستان”

كانت زيارتنا لمنتزه ريف البستان إحدى المحطات الهادئة التي تمنح المسافر لحظة توازن بين الطبيعة والخدمات العائلية المتقنة. فالمكان — منذ اللحظة الأولى — يعطيك إحساسًا أنك تدخل “حديقة نخيل” صُمِّمت بروح ريفية نظيفة، وبخطّة تنظيمية دقيقة تُشعر الزائر بالراحة والانسيابية.

🌴 جلسات بين النخيل… طبيعة لا تُصنَع

يمتد المنتزه بممراته وجلساته بين أشجار النخيل العالية، ما يمنح المكان ظلًا طبيعيًا ورائحة ترابية محبّبة.
الجلوس هناك يجعلك ترى كيف يمكن للطبيعة أن تكون جزءًا من التصميم، لا مجرد خلفية له.
الجلسات مرتّبة، نظيفة، ومسافاتها متباعدة بما يناسب العائلات الباحثة عن الخصوصية والراحة.

محلات وكافيهات… خدمة بلا ضجيج
تتوفر في ريف البستان عدة محلات وكافيهات موزّعة بشكل ذكي على أطراف المنتزه، بحيث لا يحتاج الزائر للمشي الطويل للحصول على قهوة، أو وجبة خفيفة، أو احتياجات الأطفال.
الأسعار مناسبة، والخدمة هادئة، بلا ازدحام ولا تدافع… وهذا ما يجعل المكان صديقًا للعائلة.
🐦 محمية الطيور "أويا"… محطة مدهشة للأطفال

في قلب المنتزه توجد محمية الطيور أويا (OUYA)، وهي إضافة رائعة تُدهش الصغار والكبار.
تضم المحمية مجموعة من الطيور ذات الألوان الهادئة والأنواع المتنوعة، مع إمكانية اقتراب الأطفال منها في بيئة آمنة ومراقبة.
إحدى نقاط القوة في المكان أنّ رسوم الدخول للمحمية مناسبة جدًا، ما يجعل التجربة التعليمية والترفيهية بمتناول الجميع.

👨‍👩‍👧‍👦 مناسب للعائلات… على أعلى مستوى

ريف البستان يُعدّ واحدًا من الأماكن التي ينطبق عليها وصف:
"مكان تم تصميمه للراحة… لا للزيارة السريعة."
جلسات عائلية مريحة
مساحات للأطفال للعب بأمان
محلات وكافيهات متنوعة
أسعار دخول معتدلة
أجواء ريفية تبعث على الاسترخاء

أكثر ما لفتنا هو أن المكان متوازن: لا ازدحام خانق، ولا صخب، ولا مبالغة في الأسعار… بل تنظيم هادئ يعطيك فرصة للاستمتاع بالجلسة دون تعكير.

كانت زيارة ريف البستان فرصة لالتقاط الأنفاس بين ظلال النخيل، وتذوق سكينة الريف بعيدًا عن ضوضاء المدينة. مكان مناسب للعائلات، مبهج للأطفال والكبار ، ومنعش لروح المسافر الذي يبحث عن لحظة سلام بين الخضرة والظل.

🌄 اليوم الثاني 
الخميس: على خطى السيرة… من أُحد إلى الخندق
٨:٣٠ – ٩:٥٠ ص زيارة موقع غزوة أُحد

الجولة لم تكن عادية خاصة مع المرشد الغني عن التعريف ابو اسعد حسن الحربي الذي ينقلك لمكان الحدث وكأنك تعيش فيه بحديثه التاريخي لسيرة خير الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ..

فيبدأ حديثه بكل جمال ووضوح وروعة الحديث مع شوق لتلك الاحداث العميقة حيث يمتلك مفاحا فريدا لدخول زمن النبوّة ، ويبدأها بقوله: 

مع بزوغ الشمس على جبل أُحد، وقفنا أمام الجبل الذي قال فيه النبي ﷺ:
«هذا أُحد جبلٌ يحبّنا ونحبّه».
كان نسيم الصباح يمرّ بين الصخور كأنه يروي قصة الشهداء.
تجوّلنا بين السفوح، نتأمل الرماة ومواقعهم، ونتخيل لحظة اهتزاز الصف يوم أحد… وكيف تقوم أمة من درسٍ واحد.

غزوة أُحد… 
الجبل الذي يحبُّنا ونحبّه… 

حين تقف أمام جبل أُحد، تشعر أنّ الصخور تنظر إليك بوقارٍ عجيب؛ كأنها تحفظ أسماء الشهداء، وتعرف وقع أقدام النبي ﷺ يوم أقبل إلى سفحه.
هنا تهبّ نسمة خفيفة لا تُشبه غيرها… كأنها سلامٌ من أرواح مضت.
وفي أُحد تدرك أنّ المدينة لا تُكرّمك بجمالها فقط، بل بتاريخٍ محفورٍ في ترابها، وأن حبّ النبي ﷺ لها سرٌّ يجعل الجبل نفسه يقول لك: «أعرفكم… وأحبكم.»

كل رحلة إلى أُحد تعلّمك أن النصر ليس دائمًا بالعدد، وأن الثبات لا يُختبر إلا حين يتزلزل كل شيء.
هنا تعرف القوة بالإيمان والخسارة بالصبر تتحول لفوز وتجارب الصبر خبرات تتجدد لفتح قادم.. 
واختصرت الكثير لعدم امكانيتي سرد كل شئ فالسرد هنا سيفقد لزيارتك بمعية ابا اسعد الجمال والروعة ، لذلك اترك البقية لتعقد العزم لتمتلئ مشاعرك بالأجمل مما نقلت وذكرت… 

٩:٣٠ – ١٠:٣٠ ص زيارة موقع غزوة الخندق

وهنا بدأ ابو اسعد الحديث الشيّق المتجدد كما في موقع غزوة احد وأنتقل للخندق حيث يتحدّث بمشاعره الفياضة المتنقلة بين الحرة الغربية والجبال الداكنة، حيث نقف أمام أوسع معركة دفاعية في السيرة.
حين جال تخيّلنا للصحابة وهم يحفرون الخندق في برد الشتاء، تسمع صدى ضربات معاولهم في قلبك قبل أذنك.
كان المكان هادئًا … ولكن التاريخ هناك صاخب، مليء بالعزم واليقين.

هنا غزوة الخندق… حين يحرس الإيمان المدينة

وعندما نسير في أودية الخندق، يرى الماشي الأرض صامتة، لكنها تحمل ضجيج تلك المعاول التي ضربها الصحابة في البرد والجوع.
كل حفرة صغيرة، وكل نتوء في الحرة، يذكّرك أنّ المدينة لم تُحمَ بسياجٍ من حديد، بل بسياجٍ من يقين.
هنا يشعرك ابو اسعد في حديثه وكأنّك تمشي في مكانٍ لم تحرسه القوة، بل دعوةٌ رفعت رأسها نحو السماء:
«اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة»
وكأن الأودية ترددها حتى اليوم.

١١:٣٠ – ١:٠٠ م زيارة مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف. 

خطواتنا داخل المجمع كانت أشبه برحلة داخل نورٍ مكتوب.
رائحة الورق والحبر تشعرك أنك أمام عملٍ أمّة كاملة، وأن المصحف الذي يصل كل بيت هو ثمرة جهدٍ مبارك.

وهنا يدرك الزائر أنّ المدينة لا تعلّمك الحركة فقط، بل الانقياد.
وأن الطاعة الصادقة كانت —ولا تزال— أجمل معجزاتها.

مجمع الملك فهد لطباعة المصحف… نورٌ يُصنع بيد الإنسان

وحين تدخل مجمع الملك فهد، يخالجك شعور بأنك تدخل إلى ورشة من نور، لا مصنعًا من ورق.
الرائحة هنا ليست رائحة حبر… بل رائحة حفظٍ للعهد الذي حمله الصحابة من قبل.
تمشي بين القاعات، وترى المصاحف وهي تخرج صفحةً صفحة، كأن كل حرف منها يهمس:
«حُفظت في الصدور… وأُتقنت في السطور… وصارت للعالمين رسالة»
وهنا تفهم أن المدينة لم تكن فقط مهد الإسلام، بل حافظة رسالته إلى يوم الدين.

خرج كل واحد منا وهو يشعر بأن القرآن يُطبع هنا بقداسة المكان قبل آلات الطباعة.

1:00 ظهرا
  الصلاة في مسجد القبلتين صلاة الظهر… 

عند القبلتين وقفنا مكتوفي الأنفاس؛ المكان الذي شهد تحوّل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة.
قبلة تتحوّل… وأمّة تتحوّل معها.
ذلك المسجد يعلّمك أن الطاعة لا تُقاس بزمن، بل بسرعة الانقياد.
فمسجد القبلتين… هنا لحظة التحوّل، فالمكان له نبضٌ مختلف؛ كأن الزمن هنا توقّف قليلًا ليسجّل أعظم لحظات الطاعة.
قبلة تتغيّر…
وأمّة تغيّر اتجاهها في لحظة، دون سؤال ولا جدال.
حين ترفع بصرك في رحاب المسجد، تشعر أنّ الجدران تحفظ دهشة الصحابة وهم يتلفّتون إلى الكعبة في الصلاة.

٢:٣٠ م مرورنا على مسجد السقيا وبئر السقيا الواقع في وسط محطة قطار الحجاز الحالية.  
هنا كان دعاء النبي ﷺ بضعف البركة للمدينة مما في مكة المكرّمة.
هنا الهواء حول البئر لا يزال يحمل شيئًا من أثر تلك البركة.
كأن الماء هنا لم يجرِ يومًا إلا بالطمأنينة.

3:00 زيارتنا لمتحف وبستان الصافية
جولة لأجمل الجولات الايمانية لبدء الخلق الى النبوة والرسالة في جو إيماني بديع مع البريطاني المسلم العربي المنطق واللغة عبدالرحمن الانجليزي.. 
٣:٥٠ م | الصلاة في المسجد النبوي. 
كل صفة تُروى عن المسجد النبوي تصبح صغيرة حين تقف تحت قبّته.
فيه من السكينة ما يجعل الحروف ترتّب نفسها وحدها.
ومن الروضة الشريفة خرج الجميع والدمعة تسابق الخطوة.

٨:٣٠ م لقاء مع أهل المدينة بمزرعة آل سحيمي

كان المساء مدنيًّا صرفًا، نخيل، قهوة، ضيافة، وجوهٌ لا تعرف إلا البِشر.
جلسنا بين أهل المدينة، نتبادل القصص، وكأن الزمن عاد ألف سنة إلى الوراء…
فالمدينة، مهما تغيّرت، يبقى فيها شيء من لين قلوب الأنصار.

🌤 اليوم الثالث الجمعة: 
 بين المسجد النبوي وأهل المدينة. 

بعد صلاة الجمعة كانت لنا زيارة الشيخ عبد الرحمن بن سماح الرشيدي. 

استقبلنا في مجلسه استقبال أهل المدينة؛ لا يسألونك من أنت، بل يوسّعون لك المكان قبل السؤال.
حديثه امتزج بالدعاء، ونبرة صوته تحمل دفئًا من الزمن القديم.
تبادلنا الحديث وتناولنا الغداء وحلقة اجتماعية فريدة بأهل المدينة وكأننا في طيبة النبوة قبل 1400 سنة... 

7:00 م | البرنامج التدريبي للإسعافات الأولية – نادي الأنصار بادارة المسعف ابوبكر سعد الحجيلي. 

كان اللقاء عمليًا وإنسانيًا؛ فالرحّالة لا بد أن يعرفوا كيف ينقذون قبل أن يسافروا.
ومهارة الإنقاذ هي جزء من أخلاق السفر كما تعلّمناها من السيرة.
ختمناها بشهادات الدورة ومن ثم تكريم لجميع الرعاة والمشاركين بالرحلة لنختم فعالياتنا بكل حب وود وأمل تكرار مثل هذه اللقاءات.. 


🌅 اليوم الرابع – السبت: مسك الختام

6:00 صباحا كان برنامج اختياري للمشي وتطبيق السنة – المشي إلى مسجد قباء

خرجنا قبل الشروق، نمشي كما مشى النبي ﷺ إلى قباء.
كل خطوة كانت ذكرى… وكل نسمة كانت تذكيرًا بأن المشي سنة، وأن البساطة عبادة.
وحين وصلنا قباء، شعرنا بأن المسافة لم تكن أمتارًا… بل دروسًا في حبّ النبي ﷺ.
وكسبنا اجر عمرة في صلاتنا النافلة للضحى، وكما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم كل سبت من ايام اسبوعه المبارك وكما نقل عنه. . 
رجعنا للعنبرية وفي فوالة العم احمد "فوالة العنبرية" كان للفول طعما آخر ونكهة لاتصنعها البهارات بل تصنعها رفقة الطيبين. 
حيث اجتمعنا لنتناول الإفطار الأخير لرحلتنا الجميلة بكل نواحيها.. 

في نهاية اللقاء السادس، اجتمعنا كما بدأنا:
وجوهٌ رضيّة، وقلوبٌ ممتنة، وأحاديثٌ تمتزج بالذكريات.

كانت المدينة قد أخذت منا التعب…
وأعطتنا السكينة.

وكان اللقاء السادس ليس مجرد برنامج…
بل رحلة في السيرة، في الأرض، وفي القلوب.

وخلاصة الروح في كل مكان من أماكن المدينة ما يعلّمك شيئًا ، فقد اعطتنا السكينة وذكريات وشيئا من نور الروضة يبقى في القلب طويلا.. 

ومما عرفنا وتعلمنا هنا فمن أُحدٍ تعلّمك الصدق.
ومن الخندق يعلّمك الصبر واليقين.
القبلتين يعلّمك طاعة بلا تأخير.
ومجمع المصحف يعلّمك أن الرسالة مستمرة.

وفي السقيا تعرف ما للمكان من بركة مضاعفة ترى ولاتُلمس..
وأهل المدينة ميراث الأنصار في قلوب أحفادهم.. 

وفي لقائاتنا المجتمعية كان الود والحب يجمعنا بأهل المدينة وختمناها بدورات اسعافية وفي نادي الانصار كان الختام والتكريم والعشاء.. 

🤲شكر وثناء🌹

الحمد لله الذي جمع القلوب على المحبة، ووفق الخطى إلى لقاءٍ يليق بمدينة الرسول ﷺ، وجعل من رحالتنا إخوة طريق، ورفاق درب، ومصابيح سفر.

نتقدّم بوافر الشكر وعظيم الامتنان لكل من شرَّفنا بحضوره في اللقاء السادس لرحالة الجزيرة العربية بالمدينة المنوّرة؛ شكرًا لقلوبٍ قطعت المسافات، وتحملت عناء السفر، والتزمت بالمواعيد، وأسهمت بفكرها وروحها في إثراء برنامجنا حتى غدا لقاءً لا يُنسى.

والشكر موصولٌ لقائد المسار والمحتوى أبو أسعد حسن الحربي ، المرشد المتمرّس الذي أحسن القيادة، وقرأ الطريق بعين الخبير.
ولراعينا الكريم أبو محمد د. عادل الياقوت على دعمه المبارك.
وللمدير التنفيذي أبو حبيان محمد الدوسري الذي حمل أمانة التنظيم بهدوء واحتراف.
ولنائب الرحالة د. مسفر القحطاني شكرًا لوقوفه الدائم ودعمه غير المنقطع.
 ولاداري الرحلة الشيخ ابومعاذ عبدالعزيز الضويحي ومسؤول التسجيل ابوحكيم عبدالعزيز العثمان. 

كما نخص أبناء طيبة الطيبة، مرشديها ونواب مساراتها، من عماد الزاحم والأخ نور وماجد العوفي ومن معهم من الإخوة الكرام:
أبو راكان ماجد الداود ، وأبو بركات علي الشدي ، وأبو الزبير د.فهد الحمود من الاسياح ، والاخ أحمد الغامدي من الظهران ، والأخوة أحمد الدوّة، وعبدالله الشهراني من ابها البهيّة ، وأبو علي عبدالله الكريشان من عنيزة، واخيه خالد الخليوي ، وايضا د. سليمان التركي من الاسياح وحاليا في حائل ، والشاعر ذعار أبو تميم العوفي ، وأبو فرحان سلطان القحطاني من ام الساهك ، وأبو زياد صالح الحميدان من الرياض ، وعبدالعزيز الطريفي من عنيزة ، وفهد ابن سعد بن ثلاب السبيعي من الافلاج ، والاخ ماضي السريحي من طبرجل ، ومطلق الخضير من الدمام، وابويوسف وحيد المحسّن من الجبيل، وأبو خالد، وسليمان الخليوي من الرس…

كلكم دون استثناء: 
وجودكم شرف، وعطاؤكم نجاح، وروحكم زادت اللقاء بهاءً وتمامًا.

ختامًا…
يبقى جمال هذه اللقاءات بروحكم أنتم، فأنتم عنوانها الحقيقي، وبكم تستمر مسيرة رحّالة الجزيرة العربية في سفرٍ لا ينقطع، ورفقةٍ لا تبلى.


فالمدينة كلّها تهمس لك بصوت حبيبها ﷺ:
إنها طيبة… لا يسكنها إلا الطيبون.

🌿 وهنا فائدة وطرفة عن لأواء المدينة

فمن بين مشاعر البركة والاجر ومن بين الصبر على المدينة المنوّرة ولَأوائها… 

وقدّمت هذه الصياغة والموجّهة لمن تابع رحلتي للمدينة المنورة وبطريقة رحّال الخبر… 
أقدمها مختصرة، أدبية، ووثيقة بالأحاديث الصحيحة.. 

لمّا يقترب المسافر من المدينة المنوّرة، يشعر أنّ الطريق لا يقوده إلى مدينةٍ كغيرها؛ بل إلى مكانٍ يُحسَب له حساب قبل الدخول إليه. الطريق من الشمال يضيق بين الحرات، والريح الحارّة تمرّ عليك وكأنها تذكّرك أن هذه الأرض لم تُختر للراحة، بل اختارها الله لرسالة.

وحين تطأ قدمك طيبة، تدرك أن هذا المكان لم يكن يومًا سهل العيش:
حرٌّ شديد، أرضٌ صلبة، موارد قليلة، ووباءٌ كان مشهورًا قبل دعاء النبي ﷺ. ومع ذلك، تجد في القلوب طمأنينة لا تأتي من هواءٍ بارد، بل من نعمةٍ روحية لا تُرى.

هنا تتضح الحقيقة التي رواها أهل المدينة عبر الزمن:
المكان امتحان… والصبر عبادة.

🕌 المدينة في ميزان النبوّة

روى مسلم عن النبي ﷺ قوله:
«لا يصبر أحدٌ على لأوائها وجهدها إلا كنتُ له شفيعًا أو شهيدًا يوم القيامة»

واللأواء في لغة العرب ليست الحرّ فقط؛ بل الشدّة بكل وجوهها:
الضيق، المرض، قلة الزاد، خشونة الحياة.
فمن اختار المدينة وهو يعلم مشقتها، فقد اختار طريقًا يرفع الدرجات.

وروى الشيخان قوله ﷺ:
«المدينة تنفي الناس كما ينفي الكير خبث الحديد»

وهذا معنى لا يعرفه إلا من زارها مرارًا:
المدينة لا تُبقي إلا على من صدق محبته، وتصرف عنها من دخلها بغير نية.

كما قال ﷺ:
«اللهم بارك لنا في مدينتنا… واجعل بالمدينة ضعفي ما جعلت بمكة من البركة»

دعوةٌ قلبت المعادلة:
المكان صعب… لكن البركة مضاعفة.

🌧 منظر الرحّالة… 

هنا بالمدينة حين يصبح المشهد جزءًا من الدرس

فقد كنتُ في إحدى زياراتي السابقة الصيفية ، كنت أمشي بين نخيل المدينة من جنوبها بين مزارع العالية وبين مزارع جبل أحد ، كمزرعة طيبة الطيبة… 
وعند مغيب الشمس، والجوّ خانق لا تهب فيه ريح. 
ومع ذلك، شعرت بأنّ هذا الهواء – على شدّته – ليس عيبًا، بل شاهدًا على معنى الحديث:
المدينة كانت وستظل أرضًا تُختبر فيها النفوس.

وربّ مُقيمٍ فيها صابر ينال شفاعةً،
وربّ زائرٍ يفهم أن عظمتها ليست في طقسها، بل في مكانتها عند الله ورسوله.

فمن استطاع أن يجمع بين محبة المكان، والصبر على شدّته، فقد دخل بابًا أُغلق عن كثير من الناس.

🌙 خلاصة رحّاليّة
الصبر على المدينة ليس تقليدًا اجتماعيًا، بل عبادةٌ نبوية مؤكدة.

المشقة ليست المقصودة بذاتها، بل الثبات والرضا.

فضل المدينة لا يُنال بالسكن وحده، بل بالصبر على ما يجعل غيرك يتراجع.

ما كان في زمن النبي ﷺ من شدةٍ صار اليوم أخفّ، وبقي الأجر لمن فهم المعنى.

اخوكم الرحال وائل الدغفق رحّال الخبر المدينة المنورة 1447هـ