من بكين إلى كاشغر فالتبت لشنغهاي مرورا بقوانزو وهونج كونج:
فسيفساء الصين بعين رحّال…لا بعين سائح
✍️ د. الرحال وائل الدغفق – 1447هـ / 2025م
لماذا هذه الجولة؟
كنت اتسائل وأنا أتجول مرتحلاً داخل الصين في محاولة لفهم وطبيعة التركيبة العميقة للشعب الصيني بنظر رحّال وليس بنظر سائح لهذا كانت هذه الجولة وللفهم والتعرف أكملتها وسرت في أقاصيها وبين مدنها وقومياتها وفهمت شيئا وغاب عني أشياء.
وهو جهد المقلّ ، ومع ذلك فلكل مرتحل صفحة يرويها ونقولات يسطّرها ولقطات يسجّلها في مساره.
«رحلات رحّال الخبر في الشرق الأقصى»
قد تضمّنتُ فيها التوثيق الجغرافي والوصف الحسي لمساجد وأسواق قومية الهوي والأيغور وقوميات متعددة من مسلمي الصين، مع روح السفر والتأمل من حبس اللحظة وبث الفكرة وتدوين اللقطة ، والتي تميّزنا عن غيرنا.
وسأتناول هذا الموضوع ضمن خمس من المناحي الإيضاحية لهذه التركيبة.
وسأبدأها بتنوّع الشعب الصيني وتكوينه القبلي، ثم علاقة تلك المجتمعات مع بعضها. وثم علاقة المجتمع الصيني مع كل من حوله بالعالم، وبعدها سأتطرق إلى ملامح سلوكية قد تكون غريبة لمن يزور الصين ولم يلحظها، وأخيرًا الخلاصة التي وصلتُ إليها، وإلى التفاصيل.هذه الرؤية ستكون الخيط الذي يشد الرحلة كلها:
من بوابات بكين ومآذن نيوجيه، إلى صحارى شينجيانغ وأسواق كاشغر، مرورًا بنينغشيا الى قوانزو وجولين وتشانغجياجيه وجبال تيان ان مين، حيث يتكلّم الإسلام بلهجة صينية.
الفصل الأول:
🏯بكين حين يلتقي الأذان بسور الصين العظيم.
دخلت العاصمة من نافذة قطار الصباح، فأجد مدينةً تنبض بتناقض جميل حدائق إمبراطورية كالقصر الصيفي،وبحيرات أضفت على العاصمة حللٌ من الجمال بممرّاتٌ حجرية وفلل غاية في الجمال داخل حدائق صينية غاية في الدقة والتفاصيل المشتهرة في ثقافة الصين واعتنائهم بالحدائق وأسجار البونزاي وتصاميم البناء المدهشة، ولاشك أن سورها العظيم الذي يحيطها شمالا كعقد وتميمة حماية من الشماليين ، وسماءٌ تتكسّر عليها ناطحات ومبان غاية في الروعة.
"هنا أضع أوّل لبنةٍ لفهم “التركيبة”: مدينةٌ حديثة لا تخجل من قِدمها، وإسلامٌ قديم لا يخجل من حداثته.
الفصل الثاني:
الخماسية التفسيرية الصين كفسيفساء حيّة
أولاً: تنوّع الشعب الصيني وتكوينه القبلي والإثني
🌏 ثالثًا: علاقة الصينيين بالآخرين
مع الجيران الآسيويين: العلاقة مع اليابان وكوريا مشوبة بالمنافسة التاريخية والاحترام المتبادل — فهم أبناء حضارة الكونفوشيوسية نفسها.
ومع الغرب: إعجاب بالمنجز العلمي مقرون بريبة حضارية؛ وهي علاقة مركّبة من الإعجاب والريبة؛ فالصيني يحترم تفوق الغرب العلمي، لكنه لا يعترف له بالتفوّق الأخلاقي أو الحضاري. خصوصية البيت الصيني تحجب الضيافة المنزلية المباشرة عن الغرباء والغربيون يُدهشون من انغلاق الصينيين على خصوصيتهم الاجتماعية، حيث يندر أن يُدخل الصيني الغريب إلى بيته.
الفصل الرابع:
الخريطة الواسعة لمسلمي الصين موجز منظّم.
في شمال الصين، حيث يتلوى النهر الأصفر… تمتد أرض نينغشيا كواحةٍ صغيرة… تشعر أنك لا تسير في الصين فحسب، بل في فصلٍ نادر من تاريخ الإسلام…
... هكذا نشأت هوية الهوي ليست قومية دمٍ، بل قومية إيمانٍ وثقافة… مسلمون تمامًا، وصينيون تمامًا… جسرٌ بين الشرقين…
شيان مدينة الأذان القديم وطريق الحرير
على سكّةٍ تشقّ الشمال باتجاه الغرب أصل إلى شيان ، مدينة الجند الطينيين وبوابة طريق الحرير الشرقي. هنا بُنيت أولى مساجد شرق آسيا، وهنا عبر العربُ والفرس والتُّرك، ونُقشت الشواهد بالعربية والصينية.
للعرب حضور قديم في الصين منذ القرن السابع الميلادي، خاصة في مدن مثل قوانغتشو وشيان حيث بُنيت أولى المساجد في شرق آسيا.
بين أزقة شيان أسمع صدى “السلام عليكم” قديمًا، يمتزج بطرق الطبول في مواسم الاحتفال.
الفصل الخامس:
نحو الغرب الأقصى – شينجيانغ والبوابة الكبرى
وها انا أشدُّ الرحلة أكثر الى الغرب ، حيث تتبدّل التضاريس، وتصبح السماء أكثر اتساعا ، والهواء أكثر نقاء وجفافاً ، والجبال من حولنا أضحت حُرّاسًا على الحدود.
هنا تبدّلت الأرض والإنسان والدين والحياة، لأننا من هنا نبدأ في سرد حكاية الأيغور.
رحلاتي بين الأزقّة والأسواق في كاشغر (Kashgar)…لقومية الأيغور في قلب آسيا المسلمة.
🕌 حين تدخل كاشغر، تشعر وكأنك تقف عند بوابة الزمن…
خبز الأفران الطينية، جامع إيدي كاه (1442م)…والسوق القديم يعجّ بألوان القبّعات والتوابل وصدى الأذان المفقود عدا داخل المسجد وبصوت الهمس. هنا، في الجنوب الغربي من إقليم شينجيانغ (Xinjiang Uygur Autonomous Region)، يعيش الأيغور شعبٌ تركيٌّ مسلمٌ يغزل حياته بين رياح الصحراء وضفاف واحات تبعث على الحياة وتجدد الماضي ، وبين قوافل درب الحرير والحدود القهرية، بين درب منقطع للحرير تجاري وآذان الجمعة متوقف لسوقها الحامي .
كاشغر ليست مجرد مدينة إنها قلب الهوية الأيغورية، مفترق طرقٍ بين الشرق والغرب، بين الصين وآسيا الوسطى، بين التاريخ والحاضر.🌄 منذ القِدم: التاريخ يُكلّم الحجرقبل أن تُدعى كاشغر بهذا الاسم، كانت تُعرف باسم شولي (Shule)، وقد ذُكرت في السجلات الصينية منذ القرن الثاني قبل الميلاد كواحةٍ في طريق القوافل.مرّت على هذه الواحة قصص كثير، من إمبراطورياتٍ عابرة، من صراعٍ على الطرق، من أممٍ ودولٍ وملوكٍ:في عهد أسرة تانغ، دخلت كاشغر ضمن نفوذ الصين في فترات معينة، كحصنٍ على حدود الإمبراطورية الغربية.عبر العصور، كانت تحت سيطرة الإمبراطوريات التركية، والمغول، والكاراخانيين، وغيرهم من الدول التي تتقاسم السلطة هناك.في القرن العاشر، اتّخذت سلالة الكاراخانيد الإسلام كدين رسمي، فكان ذلك لحظة محورية في تشكيل الهوية الدينية للمنطقة، وأثرت في كاشغر كأحد مراكز المسلمين الجدد.في العصور اللاحقة، خضعت لزخم الحركات السياسية والدينية، بما في ذلك محاولات الاستقلال والحكم الذاتي، مثل قيام جمهورية تركستان الشرقية الأولى من كاشغر عام 1933 لفترة قصيرة.في عهد الإمبراطورية الصينية (السلالة الكينغ)، اجتُلبت المناطق الغربية تدريجيًّا إلى الحكم المباشر الصيني، فواجه الأيغور تحديات السيطرة المركزية.بذلك، كاشغر ليست فقط مدينة عابرة في التاريخ، بل ميدانٌ تجري فيه قصة الأيغور — خلقوا التاريخ كما يُخلَق التاريخ من روح الناس.🕌 كاشغر اليوم: السوق والنبض الدينيحين تتجوّل في سوق التجمع الكبير (Grand Bazaar) في كاشغر، ترى بضائعٍ من شرق آسيا ووسط آسيا وأوروبا، وتسمع لغاتٍ تركية وفارسية وصينية تتداخل كأنها ألحانٌ في سيمفونية تجارية.وفي الأزقة الضيقة تنشق رائحة الخبز الأيغوري المطهو في أفران طينية، وتنظر إلى الحُليّ والنقوش التقليدية التي تحكي تاريخًا وجدانياً للأجيال.من أبرز معالمها التاريخية والدينية هو جامع إيدي كاه (Id Kah Mosque)، الذي بُني عام 1442م، ويُعدُّ أحد أكبر المساجد في شينجيانغ ثالوحيد المعدّ للصلاة كما يقولون .تصميمه يجمع بين الطراز المعماري المركزي-آسيوي والعناصر الإسلامية — يحتوي على ساحات واسعة، وقبة كبيرة، وأبراج دقيقة.في أيام الجمع قديما كان الملايين من المؤمنين يتجمعون في أفنيته وصحنه للصلاة، وكانت المساجد المحيطة تنبض بالدعاء والقرآن.لكن السنين الأخيرة شهدت تغييرات كبيرة. بعض المصادر تقول إن المسجد قد تحوّل من مركز عبادة نشط إلى جذب سياحي كمقهى وبعضه حول لمتحف ، وإن الصلوات تُقام بمجموعات محدودة، وأن عدد المصلّين قد تراجع كثيرًا.بعض المعلمين المطرودين يقولون إن بعض الفقرات الدينية تُرتّب من جهة رسمية وأن النشاط الحقيقي اختفى.كاشغر اليوم، بالرغم من ضغوط التحديث، لا تزال تحافظ على بقايا هويتها الأيغورية — في المبان التقليدية، وفي أسواق الحرف، وفي همس الأذان داخل المساجد المسموحة للصلاة والذي يختلط بصدى السيارات والازدحام وقد رأيت في كل كاشغر القديمة مسجدا واحدا معدّ للصلاة ولم يسمح لي بذلك ربما لتأخري بالدخول .🧭 رحلة في الهوية: أمةٌ في مواجهة التحدّياتالأيغور هم قوم تركيّون مسلمون، لغتهم اللغة الأويغورية تنتمي إلى الفرع التركي لغات آسيا الوسطى، وهي كتابة عربية مخصصة.هم مرتبطون ثقافيًا وتراثيًا بشعوب آسيا الوسطى، أكثر من ارتباطهم الصيني، لكنهم يعيشون داخل الدولة الصينية، بين الهوية المغايرة والمصلحة السياسية.على مدى السنوات الأخيرة، تعرض الأيغور لسياسات صارمة من السلطات الصينية: برامج “إعادة التربية” أو “التدريب المهني”، مراقبة واسعة للهوية الدينية، ترحيل قسري، وإفراغ بعض الأحياء القديمة كجزء من مخاطبة “السلامة الوطنية”.تقارير كثيرة تقول إن مدينة كاشغر القديمة — ومنازلها التقليدية ومساجدها وأزقتها — عُرضت لهدم جزئي أو إعادة بناء بأشكال أكثر تجانسًا مع التخطيط المركزي، مما أثار جدلًا كبيرًا حول ما إذا كان ذلك نوعًا من “محو الذاكرة”.كبعض أسماء الشوارع الأيغورية والعلامات الدينية والتي “نُقِحت” أو أُزيلت.بل حتى لفظة السلام عليكم ورحمة الله ممنوعة من التداول..كما ان لفظة "حلال" بالمطاعم محرّمة..هنا في كاشغر، في الأزقة التي تخُتَمّ بالأبواب الخشبية القديمة، تسير نساءٌ يلبسن شيئا من الاحتشام دون الحجاب ، وبصراحة لم اجد محجبة فعليا خلال زيارتي...ورجال يعتمرون قبعة مربعة كحلية اللون مزدانة باشكال نباتية تسمى" الدوبا " هي ماتبقى من شكل الأيغور ظاهريا وهم يلبسون الطقم الاسود المكون من بالطو وبنطال اسودين عادة.واراهم في المحال والازقة يتهادون بهدوءٍ ، والامر تحت المراقبةٍ الصارمة ، قد تبيّن لي ذلك الأمر من عدم ردّهم للسلام حينما ابدأهم بالسلام...وفي القرى البعيدة، تُروى قصص عن أولئك الذين أُخذوا إلى مراكز “التدريب” (السجون)، ولم يعودوا، أو يعيدون إلى أهلهم بعد تغيّرات لا تُعلن.✨ في الختام: بين الأمس واليومحين تغادر كاشغر، تأخذ معك صوت الأذان خلف المكان لاتسمعه بل تحس بوجودة لمآذن تراها بلا روح والمتناثرة بين الأزقة، وبين قطعة خبز محمصة بالتنور ، وذكريات الحكايات التي لم تُكتب بعد في كتب التاريخ.تدرك أنه لا شيء يُعطى لهويةٍ مسلمةٍ في قلب الصين، إن لم تحمله الأجيال بصبرٍ وإيمان.إن الأيغور في كاشغر هم شمسٌ في أفقٍ غير مستقرّ، ينهضون من بين الرمال ليحافظوا على نورهم، رغم العواصف.إن كاشغر ليست مجرد مدينة في غرب الصين، بل هي جرحٌ وشاهدٌ وصوتٌ يصارع من أجل ألا يخمد.
الفصل السابع:
أسطورة العطر والماء “شيانغفي” وظلال النقشبندية
رواية شيانغفي [ أسطورة العطر والماء ]
في الشرق البعيد، حيث تتعانق السحب بالجبال وتغفو الأنهار في أحضان المدن القديمة، كانت الصين على موعدٍ مع رحلةٍ عربيةٍ تحمل عبق القهوة وفضول المغامرة.
رحلةٌ جمعت بين الحنين إلى الطبيعة والبصيرة بالتاريخ، وبين دهشة المدن الكبرى وهدوء القرى النائية.
اثنا عشر يوماً بين غوانغجو وقويلين وتشانغجياجيه، في حكايةٍ تمزج بين الضوء والمطر، بين الحجر والماء، وبين الإنسان والطبيعة التي خلقها الله جمالًا يتجدد في كل نظرة.
الفصل الأول:
الوصول إلى غوانغجو عناق الشرق الأول
في صباح الثاني عشر من أكتوبر، كانت ثلاث طائراتٍ تشقّ طريقها من الرياض والكويت ودبي، تلتقي فوق سماء الصين في رحلةٍ جمعت الإخوة على أرضٍ غريبة الملامح، دافئة الاستقبال.
كنتُ في انتظارهم منذ الصباح، وعند الساعة الحادية عشرة وخمسين دقيقة كانت القوافل قد وصلت مطار غوانغجو الدولي، حيث احتفى بنا المرشد المحلي بابتسامةٍ صينيةٍ مطمئنة، واتجهنا إلى فندق أوشن في قلب المدينة.
كان اليوم الأول حراً، فاختار بعض الرفاق مطاعم تركية وعربية قريبة، بينما انطلق آخرون بين أسواق غوانغجو الغارقة في الألوان والعطور.
ومع منتصف الليل، وصل احد اعضاء الرحلة، لتكتمل القافلة ويبدأ المشهد الأول من الرواية الشرقية.
في اليوم التالي، تجولنا بين معلم أشجار الصنوبر الستة، ثم إلى أكاديمية عائلة تشين وبيت الزعيم صن يات-سين.
وعلى جزيرة شاميان التي ما زالت تحتفظ بملامح الاستعمار الفرنسي والإنكليزي، سرنا تحت أشجارها القديمة على ضفاف نهر اللؤلؤ.
واختُتم اليوم في سوق تشينغبينغ الشعبي، حيث تنبعث روائح الأعشاب والأسماك المجففة وذكريات الصين القديمة.
الفصل الثاني:
إلى قويلين ومدرجات الأرز أنشودة الريف الصيني
ليلة الرابع عشر من أكتوبر كانت مختلفة، إذ وصلت احد أعضاء الرحلة بعد تأخيرٍ طويل سببه جواز السفر، فكان استقباله في المطار كأننا نستقبل صديق عاد من رحلة صبرٍ طويلة.
وفي صباح اليوم التالي، انطلقنا بالقطار السريع نحو قويلين، مدينة الجبال والأنهار.
ومن هناك إلى لونغشنغ لزيارة قرية لونغ إي ذات المدرجات الأزلية التي تُزرع بالأرز منذ مئات السنين.
تسلقنا الممرات، وشاركنا القرويين طعامهم البسيط المطهو على البخار، في بيوتٍ خشبيةٍ تتدلّى من سفوح الجبال.
كانت الليلة بين الغيم والماء، أنوار صغيرة تتلألأ على مدرجات الأرز، كأن السماء انثنت لتقبل الأرض.
مع فجر الخامس عشر من أكتوبر، استيقظنا على صياح الديكة وهديل وتغاريد العصافير.
انطلقنا بعدها إلى يانغشوو، مدينة الشعر على ضفاف نهر لي، حيث ركبنا السفن وانساب بنا الماء بين الجبال المخروطية التي ألهمت الرسامين والشعراء.
وفي المساء، حضرنا عرض “ليو سانجيه” الأسطوري فوق سطح النهر، مشهدٌ من الضوء والموسيقى يحكي عن حبٍّ ووفاء في أسطورةٍ خالدة.
الفصل الثالث:
الكهوف والبحيرات حيث سكون قويلين وسحرها
صباح السادس عشر من أكتوبر ودّعنا يانغشوو، وعرّجنا على كهف الناي (Reed Flute Cave) حيث تتدلّى الصخور كأنها ألحانٌ متجمدة.
ثم زرنا مصنع الحرير قبل الوصول إلى فندق برافو جولين المطل على البحيرة، حيث انعكست أنوار المساء على الماء، فبدت المدينة لوحةً حية من جمالٍ وطمأنينة.
في السابع عشر من أكتوبر، زرنا صخرة خرطوم الفيل، رمز جولين الأيقوني، ثم ركبنا القطار السريع نحو مدينة العجائب تشانغجياجيه في رحلةٍ استغرقت سبع ساعات من الجنوب إلى الشمال، حتى وصلناها ليلاً تحت أمطارٍ خفيفة ونسيمٍ جبليٍّ بارد.
الفصل الرابع:
تشانغجياجيه وجبال الأساطير بسلالم السماء
في الثامن عشر من أكتوبر بدأ فصل الأعاجيب.
توجهنا إلى محمية وولينغيوان الوطنية، وشاهدنا جبال جينبيان الشاخصة، ثم صعدنا بـ مصعد بايلونغ الزجاجي إلى حيث السحب تلامس قمم الصخور.
هناك وقفنا أمام مشهدٍ لا يُنسى؛ جبالٌ عمودية مغروسة في الغيم، ومنها استوحى المخرج الأمريكي فيلمه الشهير Avatar.
أما في التاسع عشر من أكتوبر، فقد واجهنا الطبيعة بصلابة الإنسان؛
توجهنا إلى جبل تيانمين (بوابة السماء)، لكن المطر والبرد والضباب حال دون رؤية الجسر الزجاجي الشهير.
ومع ذلك تابعنا السير حتى نزلنا 999 درجة معدنية وسط الرياح والضباب، وكانت الرحلة نزولاً من السماء إلى الأرض بكل ما تحمله الكلمة من تحدٍّ وجمال.
في اليوم الثالث (20 أكتوبر)، زرنا سوق وولينغيوان للعطارة الصينية، ثم مبنى الأبراج 72 التراثي المزدان بالعروض والرقصات الشعبية.
وفي المساء، كانت الرحلة الجوية إلى غوانغجو بديلاً عن القطار الطويل، لنصل منتصف الليل إلى فندق أوشن، منهكين ولكن فرحين.
الفصل الخامس:
ختام الرحلة في غوانغجو بين الأبراج والمساجد
في الحادي والعشرين من أكتوبر، كان لنا موعد مع المدينة الكبرى من جديد.
بدأنا من برج كانتون الشاهق، مروراً بـ ساحة هواشنغ الفسيحة، ثم أسواق الأزياء وسوق بيمان الشهير، وختام اليوم في شارع بيجين الصاخب بالحياة.
كانت غوانغجو تودّعنا بأنوارها التي لا تنام.
وفي الثاني والعشرين من أكتوبر، بدأنا جولتنا الختامية في حديقة الكباش الخمسة، رمز الخلاص من المجاعة، ثم زرنا أسوار سلالة مينغ العتيقة، والقاعة التذكارية للدكتور صن يات-سين مؤسس الجمهورية الصينية الحديثة.
ومن هناك إلى أسواق شوبينغ للعطارة والفطر والجينسنغ، تلتها زيارة روحية في مسجد هوايشنغ ذي المنارة البيضاء، ثم مسجد أبي وقاص، الذي يروي التاريخ أنه بني في عهد الصحابة الأوائل.
واختُتم اليوم في حديقة ليوان حيث تتناثر البرك والجسور الخشبية تحت مطرٍ خفيف يوشك أن يقول: انتهت الحكاية.
وفي ذلك المساء، انطلقتُ وحدي إلى سوق الشاي الأكبر في غوانغجو، لأكمل فصولي الخاصة؛ أبحث عن أوراق الشاي النادرة، وأغذي متحف الشاي في الخبر بمعرفةٍ جديدة من أرض الشاي الأولى.
الفصل السادس:
الوداع ومعرض كانتون — رسالة الشرق الأخيرة
في الثالث والعشرين من أكتوبر، زرت المنطقة الثانية من معرض كانتون فير 2025، حيث تتجلى الصناعة الصينية في أبهى صورها.
ثم عدت إلى الفندق استعداداً للرحيل، مودعاً الرفاق الذين رافقوني في رحلةٍ كانت أجمل من الحلم ، حيث الجمال لا يُكتب بل يُعاش.
خاتمة الجنوب قوانزو وجولين وتشاغجياجيه من جبال تيانمين
هكذا كانت الصين...
بلادٌ تجمع في حضنها التاريخ والحكمة، الجمال والصرامة، الألوان والضباب.
رحلةٌ لم تكن مجرد مسارٍ جغرافي، بل عبورٌ في الذات؛ من صخب المدن إلى سكون الجبال، ومن أعشاب العطارين إلى بخار الشاي الذي يروي الحكايات.
وما بين الغيم والابتسامات والقطارات والأنهار، وُلدت ذاكرةٌ جديدة تضاف إلى سجل رحلات "رحّال الجزيرة العربية"،
ذكرى تقول لكل من يقرأ:
"سافر لتعرف، وتأمل لتشكر، وعد لتُحدّث بما رأيت من جمال الله في أرضه."
الخلاصة الفكرية المستخلصة لفهم شعب الصين.
الشعب الصيني يشبه نهر اليانغتسي… ومع أنه يبدو مغلقًا أحيانًا، إلا أن جوهره الإنساني منفتح على السلام والتعايش ما دام الآخر يحترم حدوده وثقافته.
خلاصة المسلمين في الصين:
هم أبناء طريق الحرير: بعضهم مندمجٌ في الجسد، وبعضهم غريبٌ في الروح… لكن الضوء باقٍ ما بقي الدعاء عند الغروب ورغيف النان الحارّ في سوق كاشغر.
خاتمتي الشخصية:
حين غادرتُ كاشغر، كانت المآذن الصغيرة الصامتة تبتعد شيئًا فشيئًا، وأطفالٌ يهمسون بالتحية بلغتين: «السلام عليكم» و «ني هاو». أدركتُ أن هذه البلاد لا تُقرأ بعيون العابر، بل بخطواتٍ طويلة وصبرٍ جميل. هنا تتجاور بكين الزجاجية ونينغشيا الهادئة وشيان العتيقة وكاشغر التي تضعُ الملحَ على جرح الذاكرة حتى لا ينام.
✍️: الرحال وائل الدغفق 1447هـ
رائع، أتمني أن تلقي نظرة علي موقع مغترب الخليج العربي المتخصص في نشر كل ما يخص المغتربين بداية من إجراءات السفر وحتي الخدمات الإلكترونية التي يحتاجون إليها في الغربه، بالإضافة الي وجود اقسام مثل الرياضة التي تركز علي نشر روابط حجز تذاكر المباريات، وقسم منوعات عالمية الذي ينشر تفاصيل الفعاليات الفنية في جميع دول العالم
ردحذف