السبت، 26 يونيو 2021

اول رحلة للخبر 1969م من الزبير رحال الخبر

 ✍🏼وائل الدغفق

 بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمدلله والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين وبعد… 
جميل تذكر تلك الايام الخوالي التي مضت وبكل حلوها ومرها وان كان مرها حلو ، فقد كان السفر فيها حقاً أن يقال فيه أنه (قطعة من العذاب) .
 بل هو العذاب والشقاء ، الا إننا رغم ذلك كنا نعتبره بوقته سعادة ورغم الصعوبة نعده سهولة ويسر بما يسره الله مقارنة بما مضى لنا من ايام سفر الاباء والأجداد .
ولعل وصفي للعذاب والشقاء لما نلاقيه من سفر بالسيارات والعربات في ستينات القرن العشرين ، ولم نكن نعتبر ذلك السفر بوقته الا سعادة ورضى بما يسره الله لنا من طرق معبدة وسيارات في وقتها تعتبر سريعة ومحطات نتوقف بها بين الحين والآخر وهذا مالم يجده الذين من قبلنا… 
ورغم ذلك فيوم السفر كان سعادة ايما سعادة نعتبره انتقال وتبدل لجميل مانراه ونكتشف ، كم كنا في ليلة السفر نعدّ الحقائب ونجعل من الاسرة نطاطة نفرغ بها بعض الشحنات الكبيرة من فرح مقبل لسفر لكل غريب وغير متوفع لعالم لم نعهده… 
 ولنتحدث عن ايام عاصرتها في سفر متنوع بين كلا من الخبر ومكة والمدينة، وأيضا بين الزبير والخبر وبين الخبر دمشق وبين الزبير للموصل وبين الخبر للدوحة وبينها لدبي…
وقد سبقنا الوالد رحمه الله لما يعد سفرا بين القارات فقد وصل لليابان قبل مولدي ولروسيا ولامريكا واوربا والهند وبيروت ومصر والصين وغيرها من دول يعد الوصول اليها معجزة في ذلك الزمن… 
وكنت ارى في والدي رحمه الله وهو كل مرة يأتي من سفرة تلك النظرة التي كلي أمل في أن ارى من خلال عينيه كل مايراه ولتفقد حقيبته الملأى كتلوجات من مصانع ومعارض يزورها لاعماله التي هو يبحث من خلال سفره لاستثمارات صناعية اثمرت لبناء مصانع منذ خمسينات القرن الماضي لمصانع البلاط في البصرة وايضا مصنع المنيوم للاواني المنزلية وفتح في بيروت والشارقة والدمام وبيروت ، وحتى تعداها لمصنع بلاط وبشراكة مع ايطالي في مدينة جنوا.. 
كانت سفرات لاتنسى ورحلات تجمع العائلة سويا في عربة واحدة نحمل الطعام والشراب وفرش النوم لاحتمال النوم بالبراري أو في بعض من يكرمنا ببيته من أهل المدن المتوسطة بين المحطات الرئيسية. 
كانت المقاهي ومحطات لتناول الطعام كثيرة وليس بالضرورة أن تكون محطة وقود ، كما أن بعض الطرق ينقطع الاسفلت فيها لنسير عبر التراب ، كما أن الجمارك وهي نقط الحدود كانت تأخذ وقتا ليس بسيطا وكانت تعتبر محطة من محطات الطريق قد نبيت فيها وقد نطبخ طعامنا أيضا… 
لاشك أن أدب الرحلات في تناول تلك الفترة من السفر يضع للتاريخ بصمة وللأجيال التي لم تعرف طعم التعب والضنك والهم والعطش والجوع وخاصة أثناء تعطل السيارات أو التعرض لحوادث… 
وكم هي الإجراءات المضنية في الحدود من أوراق تختم هنا وتختم هناك وتكتب بيان للاشخاص وبيان للسيارة وبيان للمواد المجمركة وطابع هنا وطابع هناك وطوابير إن كان هناك نظام والا فالمداحش والدف والتغلغل بين الجماهير لأخذ حقك ، كل تلك الصور عشتها وعشت هم وغثا ومعنى العذاب في من يسافر  فسيجد في سفره نصبا… 
ولندخل في وصف كل رحلة بوصف الرواية لنعيش معكم البداية ونستذكر مامضى من التعب والسفر ذو النصب وشيئ لم يعرفه الجيل الحالي من بذل الجهد ومسايرة العذاب بالسفر وهو كما قيل فيه قطعة من العذاب… 

رحلتي من الزبير للخبر
في عام 1969م كانت لنا تجربة السفر بين بلدة الزبير التابعة آنذاك للعراق والى مدينة الخبر والتي سبق لي أن عشت فيها بعد ولادتي في مستشفى فخري عام 1961م… 
ثم انتقلنا للزبير لإسباب إقتصادية ، وبسبب بداية حكم البعث بالعراق خرج والدي رحمه الله من الزبير بعد أن جمع مصنعه في باب الزبير بالبصرة وهو لصناعة البلاط لينقله للدمام على ئن نعيش بالخبر.. 
وبعد تحول النظام السياسي والاقتصادي لأوضاع متردية هناك فكان قرار الوالد رحمه الله في الإنتقال للخبر ..
سبقنا للخبر مع ادوات وعدد مصنعه وتركنا مع أحد سائقي الشاحنات لنحمل كل مانستطيعه في تلك الشاحنة من الأسرة والفرش والزوالي وادوات المطبخ. 
 ومن بيت الفوزان المبني من الطين وكنا استأجرناه لسنوات ،وهو يحوي حوش وغرفا 4 ومطبخ والياخور (الجاخور) وبه حمام والتنور مع وجود حمام اخر في الحوش ومع حمامات للسباحة فقط في غرفة الوالد… 
وفي وسط الحوش نبتت تلك السدرة الجميلة والتي كنا نستظل بظلها ونأكل من نبقها ونصطاد بعض الطيور ونحن اطفال بالنبّاطة ، وكان في الياخور دجاج والتنور لعمل الخبز وشوي السمك والدار الطويلة كما نسميها وفيها الثلاجة ومخزن المونة من بامية مجففة معلقة بخيوط وثوم مربوط كل حزمة لحالها ،وبستوك الطرشي في الروشن وعلب اسطوانية من التنك (الصاج الحديد) لخزن الأرز   
وهناك قرع قد وضع فوق خشب والبطاطس معه والبصل في سلة من الخوص واما اللحم فقد كنا نشترية يوميا من القصاصيب في سوق القصاصيب قرب جامع الزبير والخضرة من الجبرة (الكبرة) للخضار في غرب محلة الكوت.. 
واما البيض والدجاج فمن جاخورنا… 
وكان في اول غرف البيت بعد دخولك للحوش تكون دار الخطار وهي دار الضيوف لايدخلها أحد فقط الضيوف وفيها استكانات (بيالات) للشاي للضيوف وفناجيل القهوة ايضا واباريق العصير والشاي ايضا خاص للضيوف ويتم وضع تلك الآنية في دولاب ابوابه زجاجية، وقد وضع التلفزيون في باب الغرفة لأن وقت التلفزيون من بعد العصر الى الساعة العاشرة ليلا وكان يبدأ كما هو معروف ذلك الوقت بموسيقى السلام الوطني ثم القرآن الكريم وبعدها نشرة برامج اليوم ثم افلام الصور المتحركة (الكرتون) وتتوالي البرامج واخبار التاسعة ليلا وكانت مهمة ثم يتبعها المسلسلات وفلم السهرة لينتهي باذاعة القران الكريم وثم تغلق القناة.. 
والمحظوظ من لدية اريل قوي يجلب فيها قناة الكويت فهي أكثر رغبة من اذاعة العراق لقرب العادات والتقاليد بيننا وبينهم. 
وفي الصيف يسبق صلاة المغرب اعداد فرش النوم في السطح وترتيبها وفرشها لتبرد أما بالشتاء فننزل ليكون النوم في الغرف.. 
وقد كان بالسطح حمام آخر وغالبا الأسطح تتكامل بالجيران فكل سطح مع جاره لايحجبه الا متر ونصف المتر من جدار الطين وكلا عايش وقته وزمانه. 

وكان منزلنا في محلة (حي) الشمال وفي تلك الأثناء كان خروجنا النهائي تلك الحياة التي لم تتكرر واجواء اختلفت اختلاف كبير عن المقصد الجديد في الخبر… 
وفي كل النواحي من ناحية المنازل ومن ناحية الجيران والطعام وطرق العيش من بلدة مجتمعية متآلفة متوادة يعيش أهلها مع بعضهم البعض في عادات وتقاليد مختلفة كل الإختلاف عن مدينة سنرتحل اليها متحضرة متمدنة وهي الخبر… 

ركوبنا الشاحنة 
وفي شاحنة المرسيدس التي أوصى الوالد سائقها بأخذنا جميعا للمسير الى الكويت كأول نقطة… 
وأنطلقنا بعد ركوبنا انا واخواني السبعة ووالدتي في تلك الشاحنة لنتحرك فجرا من بلدة الزبير مودعين الحياة الإجتماعية مع بكاء جدتي وهي تودع الوالدة والدة تبكي في وداع الأولين في سفرهم وخروجهم للمجهول حسب نظرتهم ذلك الوقت. 

من الزبير للكويت برا
وانطلقنا عبر طريق معبد والى نقطة الحدود الأولى سفوان وهي عراقية لنخرج منها للعبدلي وهي نقطة الحدود الكويتية وقد أخذت منا تلك النقطتين ساعات من البيروقراطية وكمية من الاختام مع اوراق تذهب وتجيئ ومكاتب مشرعة الأبواب كل له حكم وسلطة فذاك المعاون يختم بداية وثم النهاية، وذاك الجمرك بنوعيه التجاري والخاص الذي يمنع استيراد او تصدير مواد معينة فيمنع تصدير المواد المدعومة ويمنع المواد التي تعتبر كماليات مثل الموز أو الدخان أو اللحوم  ، وذاك الاستخبارات العسكرية للكشف عن الفرارية (الهاربون من الخدمة العسكرية) ، وهناك الصحة والحجر الصحي، ثم التدقيق في الأوراق من قبل الضابط وتحويلها للمعاون الذي ينهي معاناة تستمر ساعات.. 
لنخرج منها الى الروضتين ثم المطلاع وهو تل رملي مرتفع قليلا عن الكويت والجهراء. 
 وثم ننزل من المطلاع الى الجهراء ومنها لمدينة الكويت ..
طبعا وصلنا لحي الرميثية جنوب مدينة الكويت العاصمة مساء مع ان المسافة من الزبير للكويت نحو 200 كلم فقط لكن كما ذكرت بيروقراطية الخدود… 
وصلنا للرميثية وعند خالتي التي تسكن هناك لنرتاح ليلتنا وفي منزلهم ولننطلق فجرا باذن الله. 

من الكويت للخبر
 كان منزل خالتي ام هاشم الطبطبائي في الرميثية وكان يطل على حوش به السدر وارف الظلال فقد كانت شجرة السدر منتشرة في كل بيت وتعتبر حديقة المنزل وظلها الوارف وجمال خضرتها في قساوة البيئة وقلة المياه الا انها رغم ذلك تجدها في كل بيت وفي الشوارع ازدانت بها وبقيت تقاوم التصحر في كل ماحولها. 
ومنزل الخالة بيت فسيح ذو دور واحد مع واجهة شمالية وجنوبية الجنوبية تطل على براحة كبيرة وفيها مسافة حتى الشارع كانت مسرحا لنا لنلعب فيه ونمارس مهاراتنا المتنوعة من لعب الكرة الى اصطياد الطيور التي تجد في شجر السدر والاثل ملاذها ، ومن خلال النباطة التي كنا نصنعها بايدينا من فرعين من اغصان الأثل المسقيمة ونقصها بعناية لنأخذ مطاط عجلات الدراجات المخروقة لنقطعه لأشرطة نلف بها تلك الغصن لتصبح نبّاطة مميزة نتفاخر بين أقراننا ايّنا أفضل عمل. 
أو نلعب العصا (عظيم ساري) أو نتخذ الجراقي (العاب نارية) في ليالي جميلة وبعض المرات يكرن هناك مناوشات بين اطفال الاحياء وتحدث معارك طفولية قد تصل لضربة من صلبوخ طائش في رئس أحدنا كما حصل لي في إحدى تلك المعارك والبعض قد يضرب ليتوقف الضرب في حال نزول الدم أو بلوغ الخطر، هكذا كنا في طفولة جميلة نصل لمنتاهاها في كل مانريده من أنشطة تتوقف عند بلوغ الخطر فيتدخل الإخوة الكبار أو الأباء لفض اي تعاظم لمشاكل يتم الفصل فيها لتكتمل الحياة بكل حلوها ومرها وخبرات نأخذها من هنا وهناك لتكون لنا عونا لفهم الحياة على واقع وليس افتراض كما هو اليوم… 
كنت احب دكاكين وبقالات الكويت تلك الأثناء فهي مخزن بل هي بنك لكل لذيذ وجميل لن يكن في الزبير وقتها ولعلنا عرفنا متأخرين أسباب ذلك للنظام والفرق بين الحكم الأميري أو الملكي والحكم الجمهوري… .
فقد كانت الدول القائمة على المشيخة والملكية فيها من الإنفتاح مالم يكن بالأنظمة الجمهورية قلم تكن تقارن الكويت الدولة الأميرية بجمهورية العراق فالكويت كانت دولة متفتحة للعالم وذات حرية لم يمنع عليها وعلى ابنائها خيرات العالم ولعل غدق العيش فيها وقتنا طبعا وهذا الكلام في الستينات من القرن العشرين وليس قبله ، فما كان قبله أمر آخر وهذا كما سمعت من الاباء في ما كانت دولة العراق ملكية وكانت ذات خير عظيم لم تكن الكويت آنذاك سوى قرية من قرى العراق… وسبحان الله مقلب الأمور كيف بدل الحال من حال الى حال فبعد أن كانت العراق أرض خير يجبى إليها خيرات العالم وتصدر خيراتها للعالم وبعد الملكية وقيام الجمهورية أضحت الكويت والتي هي  بالحجم والإقتصاد قرية من قرى العراق شكلا  آخر ورفعة في كل شئ في التخطيط والبناء والطرق والمدارس والبنية التحتية التي فاقت جارتها الكبرى العراق بمراحل… 
قد يقول ان السبب البترول واكتشافه بالكويت وللعلم فالبترول بالعراق اكتشف وصدر قبل ذلك لكن النظام بالحكم هو الفارق ..
ولنرجع لذكرياتنا الجميلة بعيدا عن السياسات المفرّقة.. 
كنت حينها اعتبر بقالات الكويت شيئا من الجنّة فالحلويات  التي نجدها  وذات الشعرث العالمية آنذاك مثل: 
 المارس والباونتي والكيت كات وجكليت الماكنتوش
 قد اذهبت حلاوة ماكنا نظنه احلى حلى بالدنيا مثل :

البرميت وحلوى ابو بقرة والمصقول والجكليت واللّمندوزي وحلوى البودرة المعبأة بغرشة بلاستيك… 

وقد كانت اكبر امانينا أن نجد قطعة قمر الدين من دكان ياسين لتقص قطع صغيرة نأخذها بخمسة فلوس لنمصها من الصباح للظهر حتى لاتنتهي.. 
أو نشتري السمسم المدور الذي تبيعه حريم بالشوارع (شغل بيت)… 
وكم كانت فرحتنا بالخرّيط ذلك الحلى ابتي تبيعه المعيديات وهي تدور في السكيك وتنادي خررّيط.. 
وان ن كان حظنا مميزا فقد يمر علينا بائع (الليدي ستيك) عربة الدوندرمة وهو بيّاع الأيسكريم… 
أما هنا في الكويت فقد كانت أيامنا من أيام الجنّة وكيف لا وأنعام لم ننعم بها وثلاجات تعمل فقط لحفظ الحلويات والعصيرات.. 
 فهنا بقالة تعطيك كل لذّة الدنيا من حلى مالذ وطاب بأالوان زاهية ومرطبات تكدست بها الأرفف والثلاجات من اصفر واسود وأحمر واخضر بطعوم متنوعة لاتنتهي… 
يالله الجنّة  هذا ماكنا نقوله ونحن لم نتخيل ماسيكون من قادم الأيام.. 
وتتنوع ماكدّس،في تلك البقالات التي تكفي دولة وليس حي كما كنا نعتقده…  فخبز عربي وصامولي ومدور  وكيك جاهز وبساكيت وحلويات لانعرف لها ولم نتخيلها ..
واصدقكم القول أنني الى اليوم حينما ادخل لبقالات الكويت أشتم رائحة لذة الطفولة لا أدري ماهي لكنها تخبرني بذلك وترجع بي الذكريات لتلك الفترة… 
كم هي الطفولة جميلة وأجمل مافيهارمن تنوعت طفولته بين معالم وأماكن متغايرة عاش تلك وهاتيك وابقت في ذاكرته شيئا كبيرا يستطيع أن يتحدث به لأبنائه… 
بالطبع كان مكوثنا ليلة واحدة ولكننا كنا نأتي للكويت بين فترة وأخرى وماذكرته من أمور إنما هي لتلك الفترات التي كنا نزورها ونعيش أسعد لحظات طفولتنا.. 
مكثنا تلك الليلة لنستيقظ الفجر على صوت شاحنة المرسيدس والتي استراح السائق فيها ليلته لنمضي بمشوارنا لمنتهاه وهو الى مدينة الخبر  ..

يوم من الكويت للخفجي
إنطلقنا من الرميثية لنخترق ضواحي الكويت سلوى وثم الفنيطيس والفحيحيل لنتوقف في النويصيب منفذ الكويت الجمركي، ومنها لمنفذ الخفجي وكانت تلك المنافذ بسيطة البناء عبارة عن غرف من الصفيح المكّون من الحديد( الشينكو) والخشب ومناطق استخراج السيارة وجمركتها وبضايعها عبر دفتر يكون مع كل سيارة يسمى (كيتي) وهو قريب من (الترب تكت) (كرت السفر) يستخرج. من نادي السيارات بالمويت عبارة عن تأمين للسيارات عبر الحدود  لايستطيع أحد المرور بدونه… 
وكانت إجراءات الجمارك طويلة ومعقدة من كتابة استمارات وكتابة عبر دفتر (الكيتي) ثم تفتيش ويتبعه دفع رسوم ثم تفتيش عن المأكولات فقد كانت ممنوعة بسبب الخوف من نقل العدوى أو من الدعم الحكومي لبعضها فيمنع خروجها ثم الذهلب لقسم الجوازات واخذ الطوابير لتأخذ ساعات حتى نفوز بختم يأهلنا للخروج من تلك المأساة والتي تعتبر سكنا فتأخذ مسألة المرور على نقطة حدودية في دولة واخدة بين الساعتين الى اربع.. 
ولكأني كنت أعيشها في ماتبقى منها يوموكنا نسافر لسوريا مع الوالد ونجلس في تلك الحدود ساعات لتعتبر الحدود واحدة من عثرات السفر والذي نجد فيها نصبا… 
انتهينا من الحدود المقرفة والحرّ المزعج لندخل مدينة الخفجي وناخذ فيها راحة لننام ليلتنا لنكمل من الغد لمشوار طويل يأخذ جهد السائق ووقته. 

يوم من الخفجي للخبر
بتنا تلك الليلة بالعراء بعضنا اتخذ الشاحنة مرقدا له والبعض اتخذ الأرض له مرقدا وكانت لنا في تلك الليلة حادثة لم نهنأ فيها بالنوم ..
فقد كانت الطرق بدائية وقليلة الإرتياد ولم تكن الفنادق أو نزل السكن متوفرا فإما أن تبيت لدى صديق وأهل أو البرّ لك بيت وسكن.. 
وكانت البراري مليئة بالحمير والكلاب أكرمكم الله ، وصادف أن باغتتنا تلك الحمير لتأكل احذيتنا أو تعلكها وتأخذها بعيدا خاصة أن احذيتنا من نوع ( الخرازة) وهي نعال يطلق عليها نجدية تصنّع يدويا من جلود البقر والابل لذلك تكون ذات طعم مرغرب به للحنيررالتي لم تتركها للكلاب بل سبقتها اليها لتنزع عنا النوم ونحن نطاردها لنأخذ ماسلبته لكن هيهات تستطيع سباق الحمير في مضمارها الطبيعي وصرنا نجر اذيال الخسارة ونوم لم يكمل لنكمل سفرنا بلا نعال.. 
استيقظ من استيقظ ومن لم ينم تلك الليلة لنكمل المشوار ذو الثلاث مائة كيلومتر عبر طريق ضيّق ونمرّ بأول نقطة تدقيق للجوازات بعد منفذ الخفجي الحدودي باتجاه الجنوب للدمام ، وهي نقطة الزرقاني نقطة تعتبر حدودية ويتم احصاء الأسماء مع تطبيق الجوازات لنخرج منها بعد التأكد من أوراق السيارة ايضا ، ونكمل المسير تحت الشمس الحارقة لنتوقف في السفانية بعد المرور على ميناء رأس مشعاب والذي يعتبر آنداك ميناء بسيط لبعض سفن تتبع ارامكو ومتابعة خط التابلاين وصيانته هذا الخط الذي عمل فيه الوالد رحمه الله من 1948 من رأس تنورة حتى عام 1952م حين وصل الى صيدا في لبنان. 
توقفنا في السفانية التي تبعد نحو 80 كلم عن الخفجي وكانت عبارة عن قرية من الصنادق الخشبية يعود لعكال يعملون في منشآت ارامكو في بترول السفانية… 
ويوجد بالمفرق محطة الصيخان للوقود ومطاعم يملكها اليمنيّة لتجهيز الطعام للمسافرين مع ورش متناثرة هنا وهناك، مع بدو يسكنون تلك المنطقة وهم رعاة للغنم وبعضهم من عمال ارامكو. 
توقفنا لنتناول الغداء ثم نكمل المسير نحو الجنوب مررنا على النعيرية وهي تبعد نحو 60 كلم عن السفانية والنعيرية تعتبر أفضل حالا من السفانية وأقل من الخفجي تطورا وحالا.. 
وفيها احدى محطات التابلاين وهي محطات تدفع البترول عبر الانابيب ليكمل مسيرته لصيدا ، وتوجد اولى المحطات بالنعيرية بعد رأس تنورة ثم القيصومة ثم رفحاء ثم عرعر ثم طريف.. 
وتزودنا بالوقود في النعيرية لنكمل المسير الى محطة واستراحة أبوحدرية وكانت تبعد نحو 50 كلم جنوب شرق النعيرية ، وهي محطة وقود ومحل استراحة السائقين ومطعم ومقهى شعبي بأريكات من الخشب يشرب بها السائقين الشاي ابو أربع ويعني به ابو أربع بيالات.. 
لاستراحة بسيطة ..
أكملنا مسيرنا لنصل الفاضلي وهو منطقة ليست بعيدة لنخترق الخرسانية ونصل لكيلو 90 وهو محطة كهرباء تعتبر علامة للمسافة الى الدمام ..
كما انها حاليا تعتبر مفرق للجبيل. 
وثاصلنا المسير نحو ابومعن تلك القرية التي تعتبر أولى قرى المنطقة الشرقية تقابلنا وهي ذات نخيل ومزارع بسيطة وتحيطها السباخ مع تلال رملية هنا وهناك ، ولنصل الى مفرق ونقطة البدراني للتدقيق بالجوازات واوراق السيارة وهي نقطة بها محطة وقود وتعتبر المفرق لطريق الجبيل شمالا والدمام والقطيف جنوبا  ونحن قد أتيناها من الغرب لنأخذ الفرع للجنوب والى الخبر والدمام… 
والبدراني تعتبر بوابة الدخول لمنطقة الدمام والخبر والقطيف والظهران من جهة الشمال وتبعد عن الخبر نحو45 كلم ..
واصلنا المسير وقد أقبل علينا الليل لنواصل السير ونعبر قرية النابية ثم عنك وثم الدمام لنصل للخبر ونحن منهكي القوى.. 
كان وصولنا للخبررالشمالية في بيت أستأجره الوالد رحمه الله ليكون بيتنا وسكننا وقد كان بانتظارنا مجموعة من العمال اليمنيين الذين يتقنون الحمل ببراعة وقد انزلو كامل العدة والعتاد لنسكن ليلتنا وطبعا كان النوم في السطح لعدم وجود المكيفات آنذاك ولم يتك تركيب ثاخد للبيت حتى يعود الوالد ..

ليلة من ليالي الخيال العلمي
في ليلة وصولنا للخبر شد انتباهي الى تلك الصورة الغريبة التي لم اعهدها بل كانت تعتبر من الخيال العلمي ان صح التعبير ، فقد كنت بالسارع في بيتنا الجديد والشارع ظلام الا من إنارة بسيطة نستطيع الإهتداء من خلالها بالأرصفة والمباني حولها، وكان معي أخي،سفيان صغير السن قبل دخوله الابتدائية.. 
كنا ننظر لمفترق طريق وتقاطع مازلت اتذكره وهو شارع الملك فهد مع تقاطع شارع الجي سي سي 16 والحي سي سي شركة من شركات العليّان تبيع قطع غيار واداوت انشائية واليات وسمي التقاطع باسمهم كما هي العادة .
المهم أنه كان في ذلك ااتقاطع عمودين من الخشب وعلق بينهم حبل مجدول من البلاستيك كما رأيته وقد علق في وسط الحبل المرفوع وسط التقاطع ارتفاعا كبيرا بحيث تمرّ السيارات تحته وكأنه صندوق به أالوان تتغير كل دقيقة بلون مرة اصفر ومرة أحمر ومرة أخضر وكئنها لعبة لكن لا أدري ماهي ..
شغفت قلبي وودت لو أعرف ماهي تلك اللعبة الغريبة التي لايوجد حولها أحد ، طبعا نحن بعد منتصف الليل ..
تركتها للصباح وقد اخذت كل انتباهي لأعرف ماهي .. 

اصبحنا وأصبح الملك لله بالخبر
نعم أصبحنا وأصبح الملك لله في صباح جميل سبقه تلك المشاهدة للصندوق ذو الانارة الملونة ، وقد كنت مع الوالد وقد اخذنا مشيا على الأقدام للتسجيل في مدرسة الهداية ومررنا بتلك اللعبة ذات الألوان وأخبرت ابي رحمه الله وغفر له فأخبرني أنها إشارة مرور… !!!
فيالدهشتي بذلك العلم والتطور الذي لم أشاهد مثله الا في الخبر تلك الندينة التي مع مرور الوقت اضحت تقارع المويت وجمال بقالاتها ذاترالحلوى المتنوعة لكن مازالت رائحة بقالات الكويت في أنفي لها شهوة ولذّة لم تنتهي ولم تختفي بعد… 
*التسجيل بابتدائية الهداية بالخبر* 
نعم كان يوما جميلا في الخبر وتاريخ يسجل لي رغم أنني ولدت بالهبر وبالتحديد كان مسقط رأسي في احد المنازل الواقعة بالخبر الشمالية ، وبالتحديد في شارع الملك عبدالله تقاطع 18..
الا اننا انتقلنا للزبير منذ عام 1962م حتى 1971م في عودتنا هذه للخبر. 
ودرست بالزبير الأول والثاني والثالث ثم أكملت هذا اليوم مع والدي في الصف الرابع ابتدائي في مدرسة الهداية وقابلنا مديرها مازلت أذكره وهو ابونهية…

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق