قصة شعار (السلامة اولا) ( Safety First) في ارامكو
وذلك بعد اول واكبر حادثة مصيرية في الظهران عام 1939م
اعدها وجمع تفاصيلها الرحال وائل الدغفق..
حدثت قصتنا في 8 يوليو 1939م، وبعد شهرين تمامًا من مغادرة أول ناقلة للنفط الخام السعودي من رأس تنورة، كانت الروح المعنوية في أوجها لدى أفراد الحي السكني في الظهران.
عمل السعوديون والأمريكيون جنبًا إلى جنب، وهم مقبلون على تطوير أكثر مواقع استكشاف النفط حيوية على وجه الأرض.
وكان الحي السكني الذي انشأ قبل اعوام قد بلغ حسن التنظيم أن اجتذب عددًا كبيرًا من أُسر الموظفين الأمريكيين للسُكنى فيه على مدى عامين قبل ذلك التاريخ.
وجرى توظيف مئات السعوديين ، وانتعش الاقتصاد المحلي نتيجة النمو الهائل في اكتشاف البترول وتدفقه ،فقد كان كل شيء يبدو مشرقًا.
وفي ظهيرة أحد أيام الصيف، شهد البئر-12 انفجارًا لم يعلم أحد أسبابه تمامًا، في حادثة مأساوية أدَّت إلى وفاة أربعة رجال على الفور، في حين جُرح رجلان آخران جروحًا مميتة.
كان الفريق يُعِدُّ جهاز الثقب الاختباري عندما حدث انفجار كبير دوَّى صوته في كافة أرجاء الحي السكني. وما هي إلا لحظات حتى تطاولت ألسنة النيران إلى ارتفاع 200 قدم في الهواء. كان النفط في أسفل البئر يغذي الحريق بمعدل(8000) برميل يوميًا. وفي غضون ساعة واحدة، انصهر بُرج الحفر هاويًا في جحيم النيران.
وأدرك المدير المقيم بالوكالة أن الحريق قد يتسبب في انخفاض الضغط في كافة حقول النفط، وتوجيه الماء إلى المنطقة النفطية، مما قد يشكِّل كارثة مالية.
وكان الاحتمال الأسوء هو أن تقذف البئر بالنفط المحترق نتيجة الضغط، ليدمر الحي السكني برمته.
وفي مواجهة هذا الخطر الداهم، لم يكن هناك رجال إطفاء خُبراء يُلجَأ إليهم..
طلب المساعدة من البحرين
طلبت الشركة دروعًا وبدلات حماية مصنَّعة من مادة الأسبستوس من الشركة الشقيقة في البحرين، وتم تنظيم فريقين للإطفاء اقتحما بشجاعة لا تُوصف قلب الحريق، فيما كانت خراطيم الماء ترش من فوقهم.
وعلى مدى سبعة أيام أعقبت الانفجار، ارتجل الفريقان سلسلة محاولات لمعالجة الوضع، كانت تُسهم كل مرة في تحجيم ألسنة النيران لبعض الوقت.
وفي أثناء ذلك، أعلن رجل الإطفاء المعروف عالميًا، "مايرون كينلي" من ولاية تكساس الأمريكية، أنه يستعد للطيران فوق المحيط الأطلسي، في خطوة كانت تنطوي على شيء من المخاطرة آنذاك، وذلك بهدف المساعدة في إخماد الحريق المستعر في الظهران.
وفي الوقت الذي كان فيه رجال النجدة الخبراء يُعدون أنفسهم لتقديم العون، كان فريق العمل الأقل خبرة يجرِّبون حيلتهم الأخيرة في الميدان عبر ربط وصلة على خط التحويل الفرعي، في محاولة لإدخال الطين إلى البئر ومنع تدفق النفط. كانت الأعين القلقة تراقب المثقاب وهو يشق طريقه عبر الأنبوب، وسُرعان ما اختفى الحريق!
البرقية التي أُرسلت إلى مركز الشركة الرئيس في كاليفورنيا كانت في غاية الوضوح والاختصار:
"أُخمد الحريق. حفرة البئر ممتلئة طينًا، ولا حاجة إلى رجال إطفاء محترفين".
انقضت أيام الجحيم العشرة، وأدَّت الشجاعة التي تفوق التصور، والإبداع الإستثنائي السعودي الامريكي إلى إنقاذ حقل النفط.
عمَّت الفرحة الصاخبة الحي السكني عندما أُخمد الحريق أخيرًا، وكانت تلك اللحظة دون أدنى شك لحظة فارقة في فجر تاريخ الشركة.
نشاة فكر وثقافة السلامة أولا
كانت الكارثة بمثابة صدمة لدى جميع الموظفين وأفراد أُسرهم.
ومن ذلك الحين، أُدخلت تغييرات جوهرية لإجراءات العمل، وأصبح شعار
(السلامة اولا) جزءًا محوريًا من طبيعة وثقافة العمل اليومية، وتم توظيف اول متخصص للسلامة في منشآت ارامكو بعد الحادثة بأشهر وكان ذلك في عام 1940م.
حيث التحق أندي أنديرسن، أول مهندس سلامة، بالشركة في عام 1940. واشتهر باستخدام تقنيات مبتكرة لتعزيز السلامة، بما في ذلك إنتاج الأفلام.
وبعد مرور أربعة أعوام ، أصبح تشارلز هوموود كبير مهندسي السلامة، وكان قد عمل كمشغل لاسلكي منذ أيام التنقيب الأولى وأصبح بعد ذلك مهندس كهرباء. وابتكر هوموود طرقًا جديدة للتوعية بالسلامة على مدى ثلاثة عقود. وأسهم في تعزيز استخدام الملصقات، والفنون والصور التوضيحية حسبما هو موثق في الكتاب الصادر عن أرامكو السعودية بعنوان "فن السلامة."
ومنذُ ذلك التاريخ أضحت ادارة تعني بالسلامة في شركة ارامكو اطلق عليها "ادارة منع الخسائر" وجعلت من شعار السلامة اولا شعارها وعلامة فارقة لتفوقها في ادارة العمل لسلامة العاملين لديها..
واحتفت دائرة "منع الخسائر"، مؤخرًا، بمرور 40 عامًا على نشر الطبعة الأولى من مجلة بانوراما في العام 1982م، فيما أصدرت بعد عامين من ذلك النسخة العربية منها تحت اسم «أضواء على السلامة»، لتعطي رؤية أوسع للسلامة.
وتطورت السلامة في أرامكو لتعني بسلامة تنقل العمال وسلامة الطرق وانتقلت لسلامة المنازل والحياة عامة حتى وصلت لثقافة اوسع وبث تطبيق "الحياة الآمنة" "SafeLife" والذي أطلقته الشركة في عام 2018 للموظفين لتوثيق المخاوف المتعلقة بالسلامة وتصعيد أي قضايا ملحة إذا لزم الأمر. ويجري تطوير تطبيق آخر لتتبع تنقلات الموظفين وإرسال تنبيهات لموظفي الطوارئ إذا تعرض الموظف للضياع أو إذا عَلِق في مكان صعب التضاريس..
وما تزال الشركة مستمرة في النهوض بثقافة السلامة اولا منذ البداية وحتى وقتنا الحاضر.
#الرحال_وائل_الدغفق #رحال_الخبر #رودRK
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق