لنبدأ القصص بشعار (السلامة اولا) ( Safety First) في ارامكو وسبب نشأته.
"بعد اول واكبر حادثة مصيرية في الظهران عام 1939م"
اعدها وجمع تفاصيلها الرحال وائل الدغفق..
حدثت قصتنا في 8 يوليو 1939م، وبعد شهرين تمامًا من مغادرة أول ناقلة للنفط الخام السعودي من رأس تنورة، كانت الروح المعنوية في أوجها لدى أفراد الحي السكني في الظهران.
عمل السعوديون والأمريكيون جنبًا إلى جنب، وهم مقبلون على تطوير أكثر مواقع استكشاف النفط حيوية على وجه الأرض.
وكان الحي السكني الذي انشأ قبل اعوام قد بلغ حسن التنظيم أن اجتذب عددًا كبيرًا من أُسر الموظفين الأمريكيين للسُكنى فيه على مدى عامين قبل ذلك التاريخ.
وجرى توظيف مئات السعوديين ، وانتعش الاقتصاد المحلي نتيجة النمو الهائل في اكتشاف البترول وتدفقه ،فقد كان كل شيء يبدو مشرقًا.
وفي ظهيرة أحد أيام الصيف، شهد البئر-12 انفجارًا لم يعلم أحد أسبابه تمامًا، في حادثة مأساوية أدَّت إلى وفاة أربعة رجال على الفور، في حين جُرح رجلان آخران جروحًا مميتة.
كان الفريق يُعِدُّ جهاز الثقب الاختباري عندما حدث انفجار كبير دوَّى صوته في كافة أرجاء الحي السكني. وما هي إلا لحظات حتى تطاولت ألسنة النيران إلى ارتفاع 200 قدم في الهواء. كان النفط في أسفل البئر يغذي الحريق بمعدل(8000) برميل يوميًا. وفي غضون ساعة واحدة، انصهر بُرج الحفر هاويًا في جحيم النيران.
وأدرك المدير المقيم بالوكالة أن الحريق قد يتسبب في انخفاض الضغط في كافة حقول النفط، وتوجيه الماء إلى المنطقة النفطية، مما قد يشكِّل كارثة مالية.
وكان الاحتمال الأسوء هو أن تقذف البئر بالنفط المحترق نتيجة الضغط، ليدمر الحي السكني برمته.
وفي مواجهة هذا الخطر الداهم، لم يكن هناك رجال إطفاء خُبراء يُلجَأ إليهم..
طلب المساعدة من البحرين
طلبت الشركة دروعًا وبدلات حماية مصنَّعة من مادة الأسبستوس من الشركة الشقيقة في البحرين، وتم تنظيم فريقين للإطفاء اقتحما بشجاعة لا تُوصف قلب الحريق، فيما كانت خراطيم الماء ترش من فوقهم.
وعلى مدى سبعة أيام أعقبت الانفجار، ارتجل الفريقان سلسلة محاولات لمعالجة الوضع، كانت تُسهم كل مرة في تحجيم ألسنة النيران لبعض الوقت.
وفي أثناء ذلك، أعلن رجل الإطفاء المعروف عالميًا، "مايرون كينلي" من ولاية تكساس الأمريكية، أنه يستعد للطيران فوق المحيط الأطلسي، في خطوة كانت تنطوي على شيء من المخاطرة آنذاك، وذلك بهدف المساعدة في إخماد الحريق المستعر في الظهران.
وفي الوقت الذي كان فيه رجال النجدة الخبراء يُعدون أنفسهم لتقديم العون، كان فريق العمل الأقل خبرة يجرِّبون حيلتهم الأخيرة في الميدان عبر ربط وصلة على خط التحويل الفرعي، في محاولة لإدخال الطين إلى البئر ومنع تدفق النفط. كانت الأعين القلقة تراقب المثقاب وهو يشق طريقه عبر الأنبوب، وسُرعان ما اختفى الحريق!
البرقية التي أُرسلت إلى مركز الشركة الرئيس في كاليفورنيا كانت في غاية الوضوح والاختصار:
"أُخمد الحريق. حفرة البئر ممتلئة طينًا، ولا حاجة إلى رجال إطفاء محترفين".
انقضت أيام الجحيم العشرة، وأدَّت الشجاعة التي تفوق التصور، والإبداع الإستثنائي السعودي الامريكي إلى إنقاذ حقل النفط.
عمَّت الفرحة الصاخبة الحي السكني عندما أُخمد الحريق أخيرًا، وكانت تلك اللحظة دون أدنى شك لحظة فارقة في فجر تاريخ الشركة.
نشاة فكر وثقافة السلامة أولا
كانت الكارثة بمثابة صدمة لدى جميع الموظفين وأفراد أُسرهم.
ومن ذلك الحين، أُدخلت تغييرات جوهرية لإجراءات العمل، وأصبح شعار
(السلامة اولا) جزءًا محوريًا من طبيعة وثقافة العمل اليومية، وتم توظيف اول متخصص للسلامة في منشآت ارامكو بعد الحادثة بأشهر وكان ذلك في عام 1940م.
حيث التحق أندي أنديرسن، أول مهندس سلامة، بالشركة في عام 1940. واشتهر باستخدام تقنيات مبتكرة لتعزيز السلامة، بما في ذلك إنتاج الأفلام.
وبعد مرور أربعة أعوام ، أصبح تشارلز هوموود كبير مهندسي السلامة، وكان قد عمل كمشغل لاسلكي منذ أيام التنقيب الأولى وأصبح بعد ذلك مهندس كهرباء. وابتكر هوموود طرقًا جديدة للتوعية بالسلامة على مدى ثلاثة عقود. وأسهم في تعزيز استخدام الملصقات، والفنون والصور التوضيحية حسبما هو موثق في الكتاب الصادر عن أرامكو السعودية بعنوان "فن السلامة."
ومنذُ ذلك التاريخ أضحت ادارة تعني بالسلامة في شركة ارامكو اطلق عليها "ادارة منع الخسائر" وجعلت من شعار السلامة اولا شعارها وعلامة فارقة لتفوقها في ادارة العمل لسلامة العاملين لديها..
واحتفت دائرة "منع الخسائر"، مؤخرًا، بمرور 40 عامًا على نشر الطبعة الأولى من مجلة بانوراما في العام 1982م، فيما أصدرت بعد عامين من ذلك النسخة العربية منها تحت اسم «أضواء على السلامة»، لتعطي رؤية أوسع للسلامة.
وتطورت السلامة في أرامكو لتعني بسلامة تنقل العمال وسلامة الطرق وانتقلت لسلامة المنازل والحياة عامة حتى وصلت لثقافة اوسع وبث تطبيق "الحياة الآمنة" "SafeLife" والذي أطلقته الشركة في عام 2018 للموظفين لتوثيق المخاوف المتعلقة بالسلامة وتصعيد أي قضايا ملحة إذا لزم الأمر. ويجري تطوير تطبيق آخر لتتبع تنقلات الموظفين وإرسال تنبيهات لموظفي الطوارئ إذا تعرض الموظف للضياع أو إذا عَلِق في مكان صعب التضاريس..
وما تزال الشركة مستمرة في النهوض بثقافة السلامة اولا منذ البداية وحتى وقتنا الحاضر.
قصة تيم وعطر شارع الملك خالد بالخبر 1950م
"عطر الذكريات: أيام الزمن الجميل"
رواية
"عطر من زمن آخر وخمسينيات القرن الماضي"
حكاية حقيقية فيها وصف لحالة الخبر وخصوصا شارع الملك خالد ، يرويها فتى امريكي يدعى "تيم" احد ابناء العوائل العاملة بدايات نشأة ارامكو ، وفي جولته لشارع الملك خالد بالخبر بصحبة عائلته لشراء هدايا الميلاد لابيه .
وحكايته كانت الأساس لهذه الرواية بتصرف مني لتكون جميلة بالنص العربي..
يقحكي "تيم" جولته ذلك اليوم بقوله:
"كان الهواء في شارع الملك خالد بالخبر ذلك اليوم يحمل عبق الماضي ومذاق الحاضر، رائحة التوابل والبخور تختلط بزحام الباعة والمشترين، بينما كنت أتجول بين الدكاكين الصغيرة، كل منها يروي حكاية مختلفة. دخلت ذلك المحل العتيق الذي يلوح في زاويته رفوف مليئة بقوارير العطور البراقة، وكأنها قطع من الكنوز المنسية"

.
"هل لديك شيء آخر؟" سألتُ البائع، وهو رجل وسيم يرتدي جلبابًا أبيض نظيفًا، عيناه تلمعان بالذكاء وخبرة السنين.
"دعني أرى... نعم، هذا زجاجة اقتصادية جدًا!" قال وهو يمد يده ليُحضر زجاجة أرجوانية كبيرة عليها ملصق فضي. "هذا العطر يُسمى 'منتصف الليل في بور سعيد'، مصنوع في القاهرة، ثمنه ريالان فقط."
مدّ لي العينة، وما إن اقتربت منها حتى انكمشت، فالرائحة كانت مألوفة جدًا، كتلك المعطّرات التي تملأ حمامات شركة أرامكو. لم أكن بحاجة حتى لهز رأسي بالرفض. ابتسم سليم، وكأنه يقدّر ذوقي المرهف.
"أتفق معك، يا سيد تيم. جرب هذا بدلًا منه." ثم أخرج زجاجة أخرى تشبه الأولى إلى حدّ مدهش، بل تكاد تكون نسخة طبق الأصل. "هذا عطر رفيع من بلغاريا، اسمه '1174'."
لم تكن رائحته جذابة كسابقه، لكن ربما كان السمع مغريًا. "كم سعره؟"
"عشرة ريالات، لكن من أجلك... سأبيعه بستة."
كان هذا كل ما أملك، لكني تعلمت فن المساومة جيدًا. "أربعة ريالات."
تظاهر بالحزن وقال بنبرة درامية: "يا سيد تيم، لقد جعلت السعر زهيدًا جدًا! إذا بعته بأقل من هذا... فلن أجد ما أطعم به أطفالي الليلة!" لكن تجاعيد الضحك حول عينيه فضحته. ثم أضاف مازحًا: "مع ذلك، يمكنني بيعه بخمسة ريالات، ربما تكفيني لشراء رغيف خبز لعائلتي."
أدركت أنه يمزح، لكني كنت عازمًا على إتمام الصفقة بسرعة. "أربعة ريالات وثمانية قروش."
"كنت أعلم أنك ستقتنع! اُتفق." صافحني، ثم أدار ظهره وهو يلف العطر بورق ذهبي لامع. بعد دقائق، سلّمني العلبة الصغيرة الملفوفة بإتقان. دفعته المبلغ، فودعني بابتسامة: "عيد ميلاد مجيد، يا سيد تيم."
خرجت من المحل إلى شارع الملك خالد، حيث كانت الحياة تدبّ كالعادة، وكأن الزمن يتوقف لحظة ليروي قصة عطر اشتراه شاب في يوم من أيام الخبر عام 1951.
"عطر الذكريات: الخبر في أيام الزمن الجميل"
الفصل الأول: البحث عن الهدايا
في صباح عشية عيد الميلاد عام 1951، انطلق تيم الصغير ذو الثمانية أعوام من مخيم أرامكو نحو الخبر، حاملاً في جيبه ستة ريالات، عازماً على شراء هدايا لعائلته. بدأ رحلته في الكانتين الأخضر " متجر العلم الاخضر" المجاور لمركز البريد، حيث وجد هدايا لأخوته بسهولة، لكنه عجز عن إيجاد شيء يليق بوالديه.
بعد شراء عطر لوالدته من متجر "العلم الأخضر" لدى السيد سليم، بقي معه ريالان فقط، ووقتٌ ضيقٌ قبل مغادرة الحافلة. عاد مسرعاً إلى شارع الملك خالد، عيناه تبحثان عن هدية لوالده.
الفصل الثاني: وصف لشارع الملك خالد
كان شارع الملك خالد في منتصف الخمسينيات لوحةً حيةً تزخر بالتناقضات الساحرة: باعةٌ فارسيون بعمائم زاهية يعرضون طيور الكناري بأقفاص من الخيزران، ويمنيون يسيرون بقردة على الأكتاف، بينما تختلط روائح التوابل والديزل مع أصوات الباعة والمشترين من كل حدبٍ وصوب. سعوديون، مصريون، هنود، عُمانيون، صوماليون، وحتى أمريكيون قليلون، كلهم اجتمعوا هنا حيث الحياة تغلي بالفرص.
لم تكن المدينة تمتد أكثر من نصف ميل من الشاطئ، حيث كان ميناء الخبر الشهير يمتدّ كجسرٍ فوق مياه الخليج، محاطاً بالسفن الشراعية والقوارب المُتهالكة التي يقودها صيادون وحمّالون من كل الجنسيات. أما شارع الملك خالد، والذي كان يبتعد بلكين غربا عن الفرضة ، كان شرياناً حيوياً تُزيّنه متاجر لا حصر لها: من محال لبيع أجهزة الراديو الفاخرة إلى محال الخردوات لبيع السكاكين المزخرفة التي تخطف أنفاس طفلٍ مثله.
الى محلات الاقمشة والأدوات المنزلية وألعاب الاطفال ومحلات الهدايا والصرافة ايضا..
كانت الخبر مكتدة لمدن الشرقية بطرق متقطّعة رملية واسفلتية الى الشمال للدمام والقطيف ورحيمة والجبيل والى الجنوب للهفوف وابقيق، وكانت عربات الحمير تنافس سيارات الفورد وتتسابق الحمير الحساوية مع سيارات البويك في طرقات تفوز فيها عربات الحمير الخفيفة وذات المحور الواحد بعجلات من نوع البالون تسابق الحداثة الامريكية.
توقف تيم أمام واجهة عرض تلمع فيها خناجر وسكاكين جيب، منها واحدة بمقبض عظمي مُزخرف بشارة "حبار شيطاني" يلفّ مخالبه حول النصل. لكن سعرها - خمسون ريالاً - جعله يبتعد بأسى.
ثم خطرت له فكرة: ولماذا لا يشتري لوالده قدّاحة؟
عند نهاية الشارع، وجد بائع سجائر عجوزاً يبيع علباً مهربة بذكاء، إلى جانب علب كبريت وقدّاحات رخيصة من النوع المقلّد. اختار واحدة عليها صورة الملك سعود، وحاول المساومة، لكن العجوز أصرّ على ثلاثة ريالات. وبعد محاولة فاشلة، انسحب تيم خائباً نحو الحافلة، لكنه توقف فجأة حين رأى أخته "مولي" تقترب. اختبأ حتى رحلت، ثم أسرع إلى الحافلة وهو يفكر في حيرة: ماذا سيهدي لوالده بريالين فقط؟
تهريب منظم للسجائر في بسطات شارع الملك خالد.
من خلال منضدة محل "زين للمجوهرات" ، كنت أراقب مجموعة من بسطات بيع السجائر أثناء عملهم.
حيث يقترب زبون ويأخذ علبة سجائر من نوع الجمل. ثم يقوم البائع بإخراج علبة "سجائر الجمل" مفتوحة ولكنها سليمة. وهو يقصد البحث في داخل العلبة ليخرج طابعًا وهو علامة كون الضريبة المدفوعة لتلك العلبة، ويسلم العلبة للزبون الذي يدفع ريال قيمته، ثم يعيد الطابع المدفوع لعلبة السجائر إلى العلبة السليمة الأخرى.
وهذه العملية كونهم يبيعون سجائر مهربة. فلديهم علبة سجائر قانونية من كل علامة تجارية لابرازها في البسطة ووجود عدد مطلوب من طوابع الضرائب، ثم يبيعون كميات هائلة من السجائر غير الخاضعة للضريبة وبلا طوابع. وما بدا من مواقع عشوائية على طول شارع الملك خالد كانت في الواقع مواقع رئيسية، تخضع لحراسة مشددة من البلدية.
وايضا لرقابة بين التجار لئلا يقعون فريسة للمراقبين.
الفصل الثالث: العودة إلى كامب الظهران
في كانتين أرامكو، بحث يائساً بين شفرات الحلاقة، عبوة تبغ، وشريط "خيط أسنان"، قبل أن يجد ضالته: عبوة أقراص "ألكا-سيلتزر" المُعدة للمعدة المتوعكة!
في المنزل، لفّ الهدايا بقصدية طفلٍ متحمس، باستخدام ورق القصدير الممزق وأشرطة لاصقة بكميات فوضوية، حتى بدت كأنها "قنابل بدائية"! بينما كانت العائلة تحتفل بعشاء الميلاد، كان تيم يراقب بقلقٍ شديد لحظة تلقّي والده هديته. حين فتح الأب العبوة، ترددت لحظة صمتٍ محرجة قبل أن يبتسم ويقول: "شكراً يا تيم، سأحتاجها بالتأكيد!" بينما انفجر الضيوف في الضحك.
الفصل الرابع: الذكريات التي لا تموت
بعد ثلاثين عاماً، اجتمع الإخوة في منزل والدهم المتوفى في سان دييغو لفرز الذكريات. بين الأوراق والصور القديمة، عثر تيم على صندوق سيجار يحوي جواز سفرٍ من 1938، بوصلة جيولوجي، و... نفس عبوة الألكا-سيلتزر التي لم تُفتح أبداً!
لكن العبوة اختفت لاحقاً بين أكياس القمامة التي أعدتها أخواته. وقف تيم في غرفة والده عند الغروب، مدركاً أن الرسالة وصلت رغم ذلك: حبٌ طفولي نقي، حفظه الزمن في عبوة دواء.
الخاتمة: رسالة في زجاجة
لم تكن العبوة مجرد دواء، بل كانت شهادة على براءة الطفولة وصدق المشاعر. في شارع الملك خالد، حيث تختلط الروائح والأصوات والثقافات، كان تيم الصغير يبحث عن أكثر من هدية... كان يبحث عن ذكريات ستبقى للأبد.
"ففي النهاية، ليست الهدايا هي التي تهم، بل الحب الذي يحملها."
قصة حلم قلم باركر 75 عام 1975م
من القصص الحقيقية لمدينة عريقة تراثية تحمل في طياتها عبر ايمانية لبلدة الخبر الساحلية ينقل اسطرها التاريخية اليكم
الخبر خمسينات القرن الماضي شارع الملك خالد التجاري
✍🏻:الرحال وائل الدغفق
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين والحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله صلى عليه وسلم...
ثم اما بعد...
لدينا اليوم قصة من عبق التاريخ قد سبق لي قراءة فصولها المتسلسلة الجميلة لأحد زائري مدينة الخبر قديما…
شارع الملك سعود بالخبر وهو اول شارع تجاري من بداية الاربعينات وحتى الخمسينات من القرن الماضي لينتقل السوق لشارع الملك خالد
ولما فيها من جمال وعبق التراث ومعاني الدعاء واستجابة الرحمن له ، وماسمعته من قصة الدكتور جمال العقاد الذي كتبها في أحد المواقع.
ولما احمله من وفاء لمدينتي الخبر ولأهلها ، وماحصل بالقصة من نقل اثار في شجوني شيئا من التاريخ والايمان بدعوات ذلك الزائر العقاد وذكرياته الجميلة…
شارع الملك خالد في الستينات والسبعينات من القرن الماضي وقوس الترحيب بالملك فيصل رحمه الله زائرا لها..
وسأنقلها اليكم كما سمعت لنستفيد من شذراتها التاريخية والتراثية وبِكَمٍّ إيماني جميل، كان المحفز لي لنشرها..
ونستأذن دكتورنا جمال بنقل القصة بتصرف كون خبرها متعدي من المصلحة الخاصة للمصلحة العامة وايضا قصّة تهم كل محب لمدينتي الخبر.
وسأنقل ماسمعته من د.جمال العقاد نفسه..
وحيث يذكر أن ما حدث في تفاصيل تلك القصة والتي كانت قبل45 عام ، وحينما كان في زيارة للخبر وبالطبع لابد له أن يتجه لاشهر شارع تجاري فيها آنذاك وهو شارع الملك خالد ، الشارع الذي كان يمتلأ بالزوار من المواطنين والاجانب من كل شركات البترول التي تقطن حول الخبر كونها الوجهة التجارية الحضارية بالمنطقة الشرقية وهي كذلك بعد اكتشاف البترول عام 1938م وبكميات تجارية لتصبح الخبر المركز الاقتصادي لكل العمال والموظفون وعوائلهم لتكون الخبر المدينة التجارية لهم وموئل جولاتهم وشراء احتياجاتهم وقد اقبل المستثمرون التجار من البحرين ومن الحجاز ومن الزبير لفتح محال تجارية وفنادق حضارية تستقطب ذلك الكم الكبير من الحركة الصناعية فمحلات وفنادق لعوايل كالمطلوب من ينبع والخاجة من البحرين والمشيري والشكري وغيرهم وهم من اهل مناطق الخليج من البحرين وقطر وبلاد فارس ايضا ، ومحلات وفنادق ومستشفيات من عوائل كالقصيبي والخليوي والنصار والمانع من بلدة الزبير ومحلات من اهل حضرموت كالحداد وبامعروف والعمودي وبامردوف وباطرفي وبغلف وبايوني ومن الحجاز كالتاجر "زينل وكعكي وصدقة ومن الشام مصر واليمن اطباء ومهندسين ومعلمين وبنائين وغيرهم…
كانت عوائل تجارية ساهمت بشكل او بآخر في دفع الاقتصاد المتسارع للخبر..
ونكمل ما وقفنا عليه لصديقنا العقاد حينما كان ذاهبا يتجول في شارع الملك خالد وتوقف عن أحد المحال وهو محل الشكري والذي يعد أحد أوائل المحال التجارية بشارع الملك خالد بعد انتقال السوق من شارع الملك سعود الى شارع الملك خالد الأجد عام 1950م.
الاستاذ ابوابراهيم الشكري مع ابناءه بداية عمله بالمحل في شارع الملك خالد بالخمسينات من القرن الماضي
والمحل يبيع الساعات والأقلام الشهيرة كسيكو واورينت واقلام الباركر والشيفر الأمريكية مع النظارات وغيرها..
ودكتورنا بطل القصّة يزور المحل كثيرا في تلك الايام ، حيث كان يقف عند طقم (باركر75) والذي كان يحلم بإقتنائه...
صورة للطقم الحلم الذي كان يتمنى العقاد اقتنائه
وكان يدعو الله ليحصل على قيمته العالية آنذاك وليتمكن من شرائه والسبب كونه يتمنى ذلك بسبب غلاء الطقم اولاً وثم صغر سنه فلم يكن يعمل وقتها ليتحصل على قيمته، فكان من شبه المستحيل حصوله على ذلك الحلم..
ثم مرت الأعوام وشاء الله له المرور وقبل أيام للخبر ولشارع الملك خالد وبعد مرور 45 عاما من امنيته وهو يحلم في ذلك الطقم…
وقف اليوم وهو يتذكر كم كانت أمنيته ليمتلك ذلك الطقم الحلم وهو اليوم وكما وصف نفسه أمام المحل نفسه والحلم ماثل أمامه…
وكما يصف شعوره حيث كان وقت زيارته وقبل نصف قرن تقريباً ، كان محلا كبيرا بفتحتين وبأنواره المشعّة والفترينة (العرض) أمام الشارع تبرق برقاً بكل تلك الأقلام اللامعة والمتلألئة جمالا وزهواً…
كما أن صاحب المحل الاستاذ عبدالكريم الشكري الشاب السعودي الممتلئ حيوية وحياء ويقف عند بابه يستقبل زواره بمايفخر مما يملك من بضاعة مزجاة من كل انحاء العالم..
واليوم بعد مرور نصف قرن تتغيّر الأحوال مع بقاء كل شيئ الا في ذلك المحل في عيني الدكتور ينقلب الكبير الى صغير بهد مرور العمر، فما كان كبيرا قبل 45 عام اليوم يصغر لخمس وأربعون مرة عن تلك النظرة الاولى، كما ويشاهد ذلك التاجر هو هو نفسه لكن قد أخذ الزمن منه عمراً وشكلا فما كان في ريعان الشباب فاليوم هو ابن تسعين عاما...
اخذت له صورة لتكون ذكرى لهذا الرجل الذي يمثل أحد تجار الخبر القدامى..
صورة لي عام1441هـ مع ابوابراهيم في محله
ونكمل قصة دكتورنا العقاد وهو يدلف الى داخل المحل وهو يهرول مسرعا للزاوية الحلم التي كان قد شاهد زاوية الفترينة التي تحمل الطقم اول مرّة ، وكان يحلم في اقتناء أجمل مافيها من تلك الأقلام الباركر طقم75…
فاذا هي هي لم تتحرك من مكانها وطلبها من صاحب المحل بثمنها ولم يفاصل بالسعر…
وتفاجأ صاحبنا جمال بابتسامة من ابوابراهيم الشكري صاحب الدكان وهو يقول له إن هذا الطقم مكانه منذ(45)عام وكثير من الناس تتفحصه ولم يشتريه أحد وكأنه حكر لك ...!!
صورة لابوابراهيم الشكري اخذتها له في محله بشارع الملك خالد في رجب 1441هـ
يقول الدكتور جمال كانت لحظة ذات وقع مؤثر جدا في نفسه وكأن الله استجاب دعائه طوال تلك السنوات ليكون ذلك الطقم له وليس لأحد غيره...
ويعلق الدكتور جمال أن استجابة الله للدعاء مع صغر سنّه، فلاتعرف مقاييس عند الله ومقامات بل الدعاء هو الدعاء من صغير أو كبير واستجلب الآية (ادعوني استجب لكم ) ويقول :أنا دعوته فاستجاب لي وايقنت بالاستجابة...
فسبحان الله ومن عجيب امره مع عباده فهو الآمر الناهي المعطي المانع المحيي والمميت بيده الأمر وهو على كل شيء قدير...
فمن يدعو الله فليوقن بالإستحابة أما وقت تحقيقها فهي لله فالوقت له سبحانه ، ولايسقط الدعاء بل يخزن الله للعبد وكما في الآثر أن الدعاء له ثلاثة نهايات..
الأول الاستجابة حالا
والثاني يؤخره لأجل
والثالث يدفع به شرا عن عبده.
وهذه القصة الممتعة فيها من الفوائد الجمّة...
تراثية وجلب شيئاً من عبق الخبر و تاريخها الجميل.
و ايمانية في اثر الدعاء للعبد واستجابة الله له..
نقلها لكم
رحال الخبر ومن الخبر
الرحال وائل الدغفق 1442هـ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق