العزّابة والجماعة من اسرار بقاء حصن غرداية في وادي ميزاب لألف عام شامخا شرغم الحروب والاستعمار المتتالي ..
✍️: الرحال وائل الدغفق
بداية أود ان أذكر قرائي ومتابعي بنصائح عامة لرحلة مفعمة بالحيوية والنشاط والأمان في الجزائر، فمن الضروري فهم التنوع الثقافي والإقليمي الذي يميز هذا البلد الشاسع. إليك بعض النصائح الدقيقة للتعامل مع الشعب الجزائري في مختلف أقاليمه:
1- المدن الكبرى مثل الجزائر العاصمة ووهران:
التواصل مع الناس:
الجزائريون في المدن الكبرى يقدرون اللباقة في التعامل، ويفضلون اللغة الفرنسية أو العربية الفصحى. حاول تعلم بعض العبارات المحلية للتواصل بشكل أفضل.
اللباس:
في المدن، اللباس العادي مقبول، لكن يُفضل ارتداء ملابس محترمة، خاصة عند زيارة الأماكن العامة مثل المساجد أو المواقع التاريخية.
- التحية:
المصافحة هي التحية المعتادة. قدم يدك اليمنى عند المصافحة وتجنب التصرفات التي قد تُعتبر فظة أو غير لائقة.
2- المناطق الريفية والقبائلية كتقريرنا عن وادي ميزاب هنا:
-احترام العادات المحلية:
في المناطق الريفية مثل منطقة القبائل، احترم العادات المحلية واللباس التقليدي. قد يكون هناك حساسية أكبر تجاه الغرباء، لذا كن حذرًا في كيفية تعاملك.
واحرص على أخذ مرشد مرخص لكيلا تقع في سوء فهم من المحليين.. وخصوصا اهالي وادي ميزاب..
- الضيافة:
يُعرف سكان الريف بكرمهم، وقد يدعوك السكان المحليون إلى منازلهم. من اللائق قبول الدعوة، مع إحضار هدية صغيرة تعبر عن تقديرك.
-اللغة:
في بعض المناطق، يتم التحدث باللغة الأمازيغية إلى جانب العربية. احترام اللغات المحلية يعكس تقديرك للثقافة.
3- الصحراء الكبرى:
-التحضير للبيئة القاسية:
إذا كنت تزور المناطق الصحراوية، تأكد من التحضير جيدًا للظروف القاسية، مثل درجات الحرارة العالية نهارًا والمنخفضة ليلًا.
- التعامل مع الطوارق:
الطوارق لديهم عاداتهم وتقاليدهم الخاصة. احترم قواعدهم التقليدية، ولا تصورهم دون إذنهم. تذكر أن التحية التقليدية بينهم تشمل مصافحة اليد وتبادل الأخبار.
- اللباس:
ارتداء ملابس محتشمة ومناسبة للبيئة الصحراوية يُظهر احترامك للثقافة المحلية.
4- الأمان والسفر بين المناطق:
- احترام التقاليد:
في جميع أنحاء الجزائر، من المهم احترام التقاليد الإسلامية والعادات الاجتماعية. تجنب التحدث بصوت عالٍ أو إظهار تصرفات قد تُعتبر هجومية.
- التحضير اللوجستي:
تأكد من التخطيط الجيد للرحلات بين المناطق، خاصة في المناطق النائية، وتحقق من توفر وسائل النقل الآمنة والجزائر عموما آمنة لكن مع ذلك ابتعد عن المشي ليلا.
- تجنب المواضيع الحساسة:
تجنب الحديث عن المواضيع السياسية أو الدينية الحساسة، وركز على القيم المشتركة مثل الضيافة والثقافة والمعارف العامة.
5- الطعام والتفاعل الاجتماعي:
-تذوق المأكولات المحلية:
الجزائر مشهورة بمأكولاتها المتنوعةرغم اسمئها الغريبة الا انها لذيذة ، مثل الكسكس والشخشوخة. تناول الطعام المحلي مع السكان يعزز من تجربتك ويعبر عن تقديرك لثقافتهم.
- التفاعل الاجتماعي:
الجزائر مجتمع قريب من بعضه، لذلك قد يتوقعون منك التفاعل الاجتماعي. لا تتردد في المشاركة في المحادثات، ولكن كن محترمًا ومتواضعًا.
6- نقل الخبرات:
- تدوين الملاحظات:
خلال رحلتك، دون ملاحظات حول الثقافات والتقاليد التي تواجهها. هذا سيساعدك على نقل خبراتك للآخرين بشكل دقيق ومحترم.
- مشاركة التجارب: عند نقل تجربتك، ركز على التعلم والفهم المتبادل. سلط الضوء على الجوانب الإيجابية واحترم التنوع الثقافي.
باتباع هذه النصائح، ستكون رحلتك إلى الجزائر آمنة ومثمرة، وستتمكن من نقل تجربتك بشكل إيجابي ومفيد للآخرين.
رحلتي الى وادي ميزاب وقصر غرداية
بسم الله وبه نستعين نبدأ سردنا الترحالي في تقريرنا عن رحلتنا لقصور وادي ميزاب العجيبة والغريبة في كل ثناياها البيئية والاجتماعية والتجارية..
في أعماق الصحراء الجزائرية وعبر الطريق الوطني رقم 1 (N1) والمزدوج ولمسافة600كلم للجنوب والتي أخذت منا سبع ساعات للوصول لعمق الجزائر ، الى وادي ينبض قلبه بحضارة فريدة تروي حكاية صمود وتشبث بالجذور عبر الزمن.
انه وادي ميزاب بعقده المتلألئ بقصوره السبعة العتيقة ، وأول مانشاهده قصر غرداية المتربع تلّة يعلوها جامع فهي ذاك الرمز والعنوان والتاريخ الشامخ، فقصر غرداية يتجلى هنا بأحد أروع تجليات العبقرية البشرية التي صهرتها رمال الصحراء جغرافيا وألهمتها روح الإباضية تاريخيا لتكون بذلك عقداً من اللئالئ سبعة سنورد ذكرها في سياق زيارتنا هذه .
وقد قرأت عن وادي ميزاب وعن ظروفه وامتحان الزمن بزحام المحن عليهم ، وتعاقبت عليه العواصف الزمنية وتوالت عليه موجات الاستعمار، واستطاع بحنكة وحكمة أجداده أن يحفظ تراثه، ويصون هويته، ويجعل من قصوره شاهدة على قدرة الإنسان على التكيف والابتكار في وجه التحديات.
في هذا التقرير، سنغوص في أعماق تاريخ وادي ميزاب، نستكشف أسرار قصر غرداية، ونتأمل كيف تماهى هذا المجتمع مع بيئته، ليخلق حضارة لا تزال حيّة ومؤثرة في الجزائر حتى اليوم.
غرداية ومسيرة 1300عام من البقاء رغم الاستعمار والاحتلال والحروب…
بقي وادي ميزاب وشعبه شاهدا لصلابة اهله وصبرهم رغم الأمواج العاتية العالمية ، ولعل السبب في بقائهم كل تلك السنوات رغم الصعاب وحسب رأيي أنهم اهل تجارة ، فالتاجر كما يخوض في التعاملات ويتقي اغرائات الأموال وادارتها فهو يستطيع التعامل مع كل مستعمر بنفس النفس والقدرة التي ملكها..
وإن جئت لتاريخ اقتصاد الجزائر فهم بالفعل من يسيطر على تجارة الجزائر قديما وحديثا، ورأيت تجمع لتجار وادي ميزاب ومحلاتهم في الجزائر العاصمة والبليدة وبقية المدن كما في موقعه الأصيل وادي ميزاب وتحكمهم في طرق التجارة مع أفريقيا ودول البحر الابيض ، وسيطرتهم الواضحة للتجارة عموما..
هذا بخلاف سيطرتهم كليا على وادي ميزاب تجاريا وفيه قصور غرداية لمجتمع الاباظيه هناك وغيرهم من اهل الجزائر عموما ، والوادي مكون من سبعة قصور أقدمها هو قصر غرداية، ثم قصر بنورة, وقصر بني يزقن, وقصر القرارة, وقصر بريان وقصر تاجنينت (العطف حاليا)، وقصر مليكة.
وبقيت ثقافة اهل وادي ميزاب بقوة تمسُّك التاجر بارضه محط رزقه ومصدرها ، مثل السياسي في حرصه للبقاء واتخاذه الوسائل الممكنة والعلاقات وولاء من حوله لكي يبقى…
بل أن حفظ التاجر للمال يجعله حامياً وحافظا لأجله ويتنازل عن أمور كثيرة او يفاوض فيها لتبقى تجارته وبيته واهله ولاشك دينه أيضا..
وأكبر مثال اليهود فرغم تشردّهم وتشرذمهم بالعالم لكن يتقوقعون على شكل خلايا وهو ما حقق لهم حفظ كينونتهم كل تلك القرون، وماكان ليحدث ذلك لولا حرصهم على إحتكار تجارة الذهب والاقراض الربوي الذي جعلهم مصدرا لكل سوق ومكان…
أما هنا فالغرداوية وكتجار أُمَناء عرفهم الداني والقاصي وهو ماحفظ لهم سمعتهم وبقائهم في ضل تجارتهم التي اشتركت هدفاً مع أمانتهم في بقائهم مع بعدهم عن الربا فهم مسلمون لذلك لم يخرجو من إطار الجزائر .
وبالتاريخ شواهد عديدة لمسألة حنكة التجار الميزابيون ان صح التعبير .
وآخر تلك الأحداث حين دخلت القوات الاستعمارية الجزائر العاصمة سنة 1830م فقد كان التاجر الميزابي "عدون بن سعيد" والذي كان يعمل عند أحد أقاربه بنفس المدينة، تمكّن بعد فترة وجيزة من نسج علاقات ود مع الفرنسيين، وعيّن بعد سنوات قليلة أمينا للمزابيين بمدينة البليدة الملاصقة حاليا للجزائر العاصمة .
كان بن سعيد أول من تنبه لخطر الفرنسيين والذي يحدق بوادي مزاب ، فبعد توغل القوات الفرنسية بالأقاليم الجنوبية، ووصول الفرنسيين لمدينة الأغواط سنة 1852 سارع إلى مزاب واجتمع في بلدته بمشائخها وأعيانها وحذرهم من الخطر الداهم الذي يتهدد استقلال وحرية وطنهم، وبيّن لهم بحكم معرفته الجيدة بالفرنسيين أنه عاجلا أم آجلا سيواصلون طريقهم يوما ما إلى مزاب، وأقنعهم بضرورة استباق الأحداث والاستعداد لذلك وأكد لهم أن مواجهتهم بالقوة أمر مستحيل واقترح أن يحاولوا التفاوض معهم من أجل دفع غرامة مقابل الحفاظ على استقلالهم الذاتي وعوائد أسلافهم التجارية مثلما كانوا يفعلون مع الأتراك قبلهم ، وبعد أن وُقِّعَ بإجماع مشايخ وحلق العزاب بالقُصور السبعة الميزابيين ليكلف هو بالتفاوض مع السلطة الفرنسية.
ونجح في ذلك رغم وجود تيار لم يخنع ولكن سلطة التجار الكبار كانت هي الغالبة.
ولاشك أن ماحفظ للميزابيين عموماً والاباضية خصوصاً بقائهم بقيمهم وتقاليدهم بلا تغيير بل حفظها وحماها من الإندثار هو تلك الخلايا السرية والأنظمة الدينية التي حمت حوزة الأباضيين من التميّع في ظل الاستعمار المستمر والغزوات حولهم هو مايسمى نظام (حلقة العزابة) وهو نظام ديني تقليدي كان الحط الأول للمواجهة أمام قرى ومدن الأباضية وكل من حولهم فما هو هذا النظام الذي حفظ لهم كينونتهم وارضهم وأموالهم .. !!
سؤال مهم يسأله كل من أتى الى وادي ميزاب خاصة حين نرى ذلك المجتمع المحافظ ولألف عام لم يتأثر بكل الجيوش الاستعمارية التي مرّت على الجزائر . فما هو السر ياترى..!
وحقيقة يراها كل سائح كما رأيتها في منطقة غرداية وسط الصحراء الجزائرية وهي من المناطق الفريدة التي استطاعت الحفاظ على هويتها وثقافتها على مر العصور، بالرغم من توالي الاستعمار والضغوط الخارجية.
وحين بحثت عن الاسباب كمن يبحث عن ناقة في صحراء لكنني وأعتقد أنني الأول كسائح يكتشف ذلك السر…
فبعد بحث طويل رأيت بعض النظم الأجتماعية السرية والتي فهمتها من بعض كلمات خرجت من بعضهم وحين البحث عرفت بقيتها فما هي ياترى..
لقد اتضحت المسألة لدي وحين البحث فانه يُعزى جزء كبير من هذا النجاح لحفظ كينونة المجتمع الميزابي إلى نظامين اجتماعيين ودينيين فريدين:
الأول: نظام "حلقة العزابة" السري والكتوم جدا.
والثاني: "نظام الجماعة" لأعيان القصور وهو يقام بالاسواق للعامة ولايعنى بأمورهم الخاصة بل يهتم بالبيع والشراء وأمور الزراعة والتحكيم بين الجميع.
فمثل هذا النظام السري والذي حفظ للاباظية حقوقهم وهو ينقسم الى قسمين عام وخاص .
فالأول:
قسم ديني سري، نظام"حلقة العزابة"
وسنتطرق لهذا النظام الفريد والذي حمى الاباظية كل تلك السنين من الاضمحلال، وهو نظام اجتماعي ديني فريد من نوعه في العالم وابتكره الإباضية ليكون بمثابة الإمامة (الصغرى)، وهو مايطلق عليه "العزابة"..
أسسه أول مرة الإمام العلامة: أبو عبد الله محمد بن بكر الفرسطائي النفوسي سنة 409 ﻫ / 1018م لأجل حفظ المجتمع الإباضي من التلاشي والذوبان بعد سقوط الإمامة الرستمية (الكبرى)، وتمثل بداية الانتقال من مرحلة الظهور إلى مرحلة الكتمان.
ظروف تأسيسها :
بعد سقوط الدولة الرستمية , قامت الدولة الفاطمية الشيعية , و أدرك المزابيون الإباضيون أنه يستحيل قيام أو تحقيق إمامة إسلامية قائمة على العدل و الحق و الشورى , لأن الشيعة ( في ذلك الوقت ) كفار مشركون , يعتبرون الملك معصوما و يرفعونه إلى درجة الألوهية , و أحسن دليل على ذلك ما قاله الشاعر ابن هاني في مدح المعز لدين الله الفاطمي :
ما شِئت لا ماشاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار
و كأنما أنت النبي محمد و كأنما أنصارك الأنصار.
و في هذه الظروف من الحكم فكر المزابيون الإباضيون في نظام العزابة كنظام حكم داخلي عادل , منفصل عن الحكم الشيعي الجائر في ذلك الوقت.
وتمثل حلقة العزابة السلطة الروحية لكل قصر من قصور غرداية، إذ تتدخل هذه الحلقة في جميع الأمور الدينية والاقتصادية والاجتماعية، وتعنى بالمباني الدينية من مساجد ومصليات ومقابر ومدارس، ويكون المسجد هو مكان اجتماعها.
اعضاء حلقة العزَّابة
تتألف حلقة العزّابة من اثني عشر عضوا : الإمام , و المؤذن , و ثلاثة لتحفيظ القرآن للصبيان في المحاضر , وخمسة لغسل الموتى , ووكيلان على مال المسجد (بيت المال). و هذا الأخير , لا يجب أن يكون له مال كثير و لا أولاد كثيرون , بل يجب أن يكون بينهما.
ويجري تعيين الأعضاء واختيارهم حسب شروط محددة، إذ تتم متابعة الشخص لمدة سنة كاملة لرؤية إن كان أهلاً للانضمام إلى حلقة العزابة أم لا.
وسميت العزابة "لعزوب هؤلاء الأشخاص عن ملذات الدنيا".
ونظام حلقة العزابة مؤسسة دينية وتعليمية تشكلت في مجتمع الميزابيين لتُعنى بتنظيم شؤون المجتمع الدينية والتعليمية والاجتماعية. والعزابة بمثابة القضاة والمفتين والمرشدين، ويُعتمد عليهم في حل النزاعات وضمان التزام المجتمع بالقيم الدينية والأخلاقية.
الثاني :
نظام الجماعة لأعيان القصور:
أما "نظام الجماعة لأعيان القصور"، فهو نظام اجتماعي وسياسي يعتمد على مجلس يتألف من أعيان المجتمع وشيوخه. هذا النظام يُعنى بإدارة شؤون القصور (وهي التجمعات السكنية التقليدية في واحات الميزابيين)، بما في ذلك تنظيم الأمن، الزراعة، والتجارة. المجلس كان يتخذ القرارات التي تخص الحياة اليومية للسكان ويضمن التعاون بين مختلف أفراد المجتمع للحفاظ على النظام والأمن الداخلي.
ومجلس الجماعة يقام في السوق العام أمام الجميع وفي مكان مخصص له يسمى "الحويطة" وهو موقع وضعت أحجار وغرست في الأرض في خط نصف دائري بشعاع يبلغ حوالي خمسة أمتار، هذه الأحجار تمثل في السابق مقاعد لأعضاء "الجماعة" وهي منظمة من أنظمة ادارة المجتمع الميزابي ..
و"الجماعة" والمتكون من مجلس لأعيان وأكابر وحكماء القصر، حيث يجلسون ويتشاورون حول أحوال المجتمع وقضايا القصر العامة كالبيع والشراء والتحاكم فيها وتوزيع الزراعة وسقايتها وأمور كما تفعلها البلدية حاليا.
واستطاع الميزابيون من خلال هذين النظامين الحفاظ على هويتهم وثقافتهم الإسلامية الإباضية خلال فترات الاستعمار الفرنسي للجزائر.
فحلقة العزابة مسؤولة عن التعليم الديني والاجتماعي للأجيال الجديدة، ما ساعد على بقاء المجتمع مترابطًا ومتماسكًا.
كما أن نظام الجماعة للأعيان كان بمثابة الحكومة المحلية التي حافظت على استقلالية القصور وأدارت شؤونها الداخلية بعيدًا عن تدخلات المستعمر.
كانت قدرة الميزابيين على الحفاظ على تقاليدهم وهويتهم رغم الاستعمار نتيجة مباشرة لهذا التنظيم الاجتماعي القوي والمرتكز على الدين والتعليم والتعاون الاجتماعي. هذه النظم ساعدت في توحيد المجتمع وضمان استمراريته رغم التحديات الخارجية.
ولاية غرداية
تقع ولاية غرداية شمالي صحراء الجزائر على بعد 600 كلم جنوب الجزائر العاصمة، وشمالها ولايتا الجلفة والأغواط، ومن الغرب ولايتا البيض وأدرار، وشرقا ولاية ورقلة ومن الجنوب ولاية تمنراست.
عدد سكان غرداية حوالي 334 ألف نسمة.
ويسكن غرداية قبائل متعددة منهم الشعانبة والمذابيح وهم (عرب) ويتبعون المذهب المالكي.
والميزابيون (أمازيغ) يتبعون المذهب الإباضي، وهو من أوائل المذاهب الإسلامية التي ظهرت هنا.
وترتفع غرداية 486 مترا عن مستوى سطح البحر، ومناخها صحراوي جاف.
قصر غرداية عاصمة اباظية وادي ميزاب
وادي ميزاب يتكون من سبعة قصور كل قصر يمثل مجتمع او قرية بنيت على تلة في قمة كل تلة جامع يجمع مجتمعا..
وأقدم تلك القصور هو قصر غرداية، وقربه يقع قصر بنورة, وقصر بني يزقن, وقصر القرارة, وقصر بريان وقصر تاجنينت (العطف حاليا)، وقصر مليكة.
وصنفت منظمة اليونسكو قصور سهل وادي ميزاب الخمسة فقط ضمن التراث العالمي، وهي غرداية وبنورة والعطف ومليكة وبني يزقن، والتي تعود إلى القرن الحادي عشر، نظرا لمحافظها على طابعها العمراني طيلة هذه القرون وعلى نظامها الاجتماعي.
تصميم منازل غرداية
بنيت المنازل في قصور غرداية بما يسمح للشمس بالدخول إليها، فهي مغلقة نحو الخارج ومفتوحة نحو الداخل والسماء من أجل الضوء والتهوية وفيها بضعة فضاءات، منها الفضاء المخصص للنساء وهو ما يسمى بـ"التيزفري" كما هي البراحة في نجد او ساحة الصفاة لكنها اصغر منها حجما ، وهذا الفضاء ضروري لكل بيوت بني مزاب للاجتماع ولايكون منغلقا بل مفتوح من اسمه "فضاء" .
والقصور بنيت من الطين وسقّفت بجذوع الاشجار كما زينت بعض تلك الابنية بالنورة البيضاء ، وأكبر علم ومعلم فيها هو منارة المسجد في قمة القصر ، ولعل اسم القصر يطلق على مدينة متكاملة من مساجد ومدارس واسواق ومنازل ومقابر يحيطها سور يحميها..
كما صنعت الثقافة الميزابية المدخل المنكسر لدهليز الدخول وهو حاجز من الحدار يمنع رؤية أهل المنزل لمن هو خارجه.
وهذا يشبه الى حدّ كبير منازل نجد ومنطقة الخليج العربي قديما..
سوق ساحة قصر غرداية
وهو السوق الرئيسي للقصر، كما ان لكل قصر سوق لكن سوق غرداية الاكبر، ويسمى السوق بالامازيغي "أزغار أوغرم" بمعنى خارج القصر، وتتردد عليها سابقا القوافل التجارية التي تأتي من بعيد للتزود ببعض المنتوجات. وتعتبر هذه الساحة أهم وأنشط سوق بالمنطقة، وقد تم تأسيسها سنة 1884م.
ويحيط بالسوق أروقة بأقواس مختلفة المقاييس والأشكال تفتح على الداخل لمحلات ودكاكين تجارية.
تشغل الشوارع المؤدية للساحة وبمقربة منها وظائف تجارية واقتصادية مختلفة، ففي السابق كل نوع من النشاط التجاري يتمركز في جهة محددة، مثل شارع الخضروات ، وشارع البقالين، وشارع الخياطين، ...الخ.
بينما ساحة السوق مخصصة لبيع المواد والمنتجات المصنوعة الآتية من خارج المنطقة مثل الملح، التوابل، القمح، الصوف، الماشية، وغيرها من حوائج المجتمع الميزابي....
وتشمل ساحة السوق سابقا "مصلى" وهو فضاء مخصص للصلاة، مبني مقابل للجهة الغربية ويعلو قليلا على مستوى الأرض. وفي منتصف الجهة الشمالية الغربية تقع "الحويطة" وهي أحجار مغروسة في الأرض في خط نصف دائري بشعاع يبلغ حوالي خمسة أمتار، هذه الأحجار تمثل في السابق مقاعد لأعضاء "الجماعة" الذي ذكرناه من أنظمة ادارة المجتمع الميزابي ..
و"الجماعة" مجلس أعيان القصر، حيث يجلسون ويتشاورون حول أحوال المجتمع وقضايا القصر.
جولة حول قصر غرداية واهم معالمه
عند وصولك إلى قصر غرداية، وهو أحد القصور السبعة الشهيرة في وادي ميزاب، هناك عدة أمور أساسية تثير الاهتمام وتستحق الانتباه:
أولا منحى التاريخ والثقافة:
وأولها العمارة الفريدة
ففي قصر غرداية والذي يتميز بهندسته المعمارية الفريدة التي تعكس عبقرية المجتمع الإباضي في التأقلم مع بيئتهم الصحراوية. فستكون مهتمًا بالتعرف على التصميم الهندسي لديهم والذي يتسم بالبساطة والوظيفية، بما في ذلك التخطيط الدائري حول المسجد الرئيسي.
والتراث الإباضي:
غرداية هي مركز رئيسي للإباضية، وأهميتها الثقافية والدينية لا تضاهى. يتطلع الزائر إلى فهم تعاليم هذه الطائفة وتأثيرها على الحياة اليومية لسكان المدينة وذلك من خلال التجول في ثنايا المدينة او القصر وازقته ومساجده وأسواقه أو أخذ بعض معلومات من المرشدين المرخصين.
ثانيا المعالم الرئيسية:
وأشهرهم المسجد الكبير:
يعتبر المسجد الكبير في قصر غرداية معلمًا رئيسيًا، فهو ليس فقط مكانًا للعبادة، بل أيضًا مركزًا اجتماعيًا وثقافيًا، ويعكس أهمية الدين في الحياة العامة. وهو واحد من أبرز المعالم الدينية والتاريخية في وادي ميزاب، ويعكس أهمية الدين في الحياة الاجتماعية والثقافية لسكان المنطقة. يعتبر هذا المسجد المركز الروحي والحضري لقصر غرداية.
المؤلف وخلفة مئذنة الجامع الكبير في غرداية
صورة للمسجد من باحة اسوق اسفل التلة
والمسجد أحد أقدم وأهم المعالم الدينية والتاريخية في المدينة، ويعود تأسيسه إلى القرن الرابع الهجري، أي حوالي القرن العاشر الميلادي. يمثل هذا المسجد القلب الروحي والعقلي لمجتمع الميزابيين الإباضي في غرداية، ويعكس في تصميمه وتقسيماته القيم المعمارية البسيطة والوظيفية التي تتماشى مع تقاليدهم.
تأسيس المسجد:
تم بناء المسجد الكبير في فترة مبكرة من استيطان الميزابيين في منطقة غرداية. يعود تاريخ تأسيسه إلى حوالي العام 1011 ميلاديًا (402 هجريًا)، ويعتبر هذا المسجد المركز الأساسي الذي انطلق منه تطوير المدينة ونموها.
يشاهد الجامع في اعلى تلة قصر غرداية
حجم المصلين:
المسجد الكبير في غرداية يتسع لعدد كبير من المصلين، ويمكن أن يستوعب ما بين 500 إلى 1000 مصلٍ في وقت واحد، مما يعكس أهمية هذا المسجد كمركز ديني رئيسي في المدينة.
الرمزية وأهمية المسجد:
المسجد الكبير في غرداية ليس مجرد مكان للصلاة، بل هو رمز للهوية الدينية والثقافية لمجتمع الميزابيين. كان المسجد على مر العصور مركزًا للتعليم الديني والاجتماعي، حيث كان يلعب دورًا حيويًا في حياة المجتمع ويعكس القيم الروحية التي يقوم عليها.
يعد المسجد الكبير اليوم جزءًا من التراث العالمي الذي اعترفت به اليونسكو، ويستمر في كونه مركزًا حيويًا للمصلين والزوار الذين يأتون لاستكشاف عمق تاريخ وثقافة هذه المنطقة الفريدة.
الطريق للمسجد وقبله على اليسار بئر الوضوء
المئذنة:
المئذنة الشامخة للمسجد، التي تعتبر رمزًا للمدينة، تُستخدم ليس فقط للدعوة إلى الصلاة، بل أيضًا كنقطة مراقبة ومكان لتأمل المناظر الطبيعية المحيطة.
التقسيمات الداخلية:
المسجد مصمم بطريقة بسيطة ومتواضعة، ولكنه يعكس عمق الفهم الديني والتقني لمهندسي تلك الحقبة. يتميز المسجد بهندسته المعمارية التقليدية التي تتضمن العناصر التالية:
القاعة الرئيسية للمصلين: وهي المساحة الواسعة التي تُخصص للصلاة، وتتميز ببساطتها وقلة الزخارف، ما يعكس روح الزهد والتقشف التي تميز المجتمع الإباضي.
المحراب: ويقع في الجدار الجنوبي الشرقي للمسجد، حيث يحدد اتجاه القبلة (نحو مكة المكرمة).
المنبر: وهو المنصة التي تُستخدم لإلقاء خطب الجمعة والمناسبات الدينية.
محراب ومنبر الجامع الخارجي امام القاعة
تتميز القاعة الرئيسية للمسجد بسقفها المقوس وأعمدتها البسيطة، مما يمنح المكان جوًا من الهدوء والسكينة.
الأبواب والأعمدة:
المسجد يحتوي على عدة أبواب، ولكن العدد الدقيق قد يختلف اعتمادًا على التعديلات والإضافات التي تمت على مر القرون. في العادة، يمتلك المسجد الكبير ثلاثة إلى أربعة أبواب رئيسية.
ويعتمد تصميم المسجد على الأعمدة الداعمة التي تحمل السقف وتوزع الضغط بشكل متساوٍ. يحتوي المسجد على حوالي 10 إلى 12 عمودًا داخل القاعة الرئيسية، تتوزع بشكل متناظر لدعم البنية.
ساحة المسجد:
الساحة الأمامية للمسجد تُستخدم للتجمعات الاجتماعية والدينية، وهي مكان مهم في حياة سكان قصر غرداية.
الدرج يؤدي للمدرسة القرآنية
المدرسة القرآنية:
بجوار المسجد، توجد مدرسة قرآنية كانت وما زالت تلعب دورًا محوريًا في تعليم الأطفال والشباب تعاليم الدين الإسلامي واللغة العربية.
النقاط التاريخية المهمة في وادي ميزاب:
الصمود في وجه الاستعمار:
خلال فترة الاستعمار الفرنسي، حاول المحتلون فرض سيطرتهم على المنطقة، لكن المسجد ظل رمزًا للمقاومة الثقافية والدينية. تمسك السكان بهويتهم الإسلامية والإباضية من خلال الحفاظ على المسجد ودوره في المجتمع.
-
تلة قصر غرداية وبقمته مسجد الجامع ومأذنته
إدراج وادي ميزاب في قائمة التراث العالمي:
في عام 1982، تم إدراج وادي ميزاب، بما في ذلك مسجد الجامع في غرداية، ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي. هذا الاعتراف الدولي أكد على القيمة التاريخية والثقافية للمسجد والمنطقة ككل.
الدور الحالي اصبح مركز الحياة الدينية:
اليوم، يستمر مسجد الجامع في غرداية في أداء دوره كمركز للعبادة والتعليم الديني. كما أنه مكان يجتمع فيه المجتمع المحلي لمناقشة القضايا اليومية والاحتفال بالمناسبات الدينية.
جذب السياح:
المسجد يجذب الزوار من جميع أنحاء العالم، الذين يأتون للتعرف على العمارة الميزابية الفريدة والتاريخ العريق للمنطقة ودور هذا المسجد الذي ابقى مجتمعا كاملا محميا من ظروف التحرر.
وذلك لأن المسجد الجامع في غرداية ليس مجرد مكان للعبادة، بل هو رمز للهوية الثقافية والدينية للمجتمع الإباضي في وادي ميزاب عبر القرون مع نظام العزّابة والجماعة الذي حماهم من التدخلات الخارجية ، وظل هذا المسجد مركزًا للصمود والحفاظ على التراث، ويستمر اليوم في تمثيل الروح الحية لتلك المنطقة الغنية بالتاريخ والثقافة.
- الأسواق التقليدية:
الأسواق، أو "السوق القديم"، تقدم تجربة تسوق أصيلة حيث يمكن للسائح شراء المنتجات المحلية مثل التمور والحرف اليدوية التقليدية ومعرفة ثقافات المحليين من لباس وتعامل وحديث متبادل.
ثالثاً الحياة اليومية للسكان:
وأولها الاحتكاك بالسكان المحليين:
فالزائر أو السائح والذي قطع مسافة الى وسط الصحراء الجزائرية حتما سيرغب في التفاعل مع السكان المحليين المعروفين بكرمهم ودفء استقبالهم. ويمكن التعرف على العادات والتقاليد من خلال المحادثات مع السكان والتعامل معهم في الشارع والسوق وللمسلمين داخل المساجد ايضا.
والتعرف على لباسهم التقليدي:
لاشك أنك حين تدخل قصورهم وأسواقهم فستكون مشاهدة اللباس التقليدي مثل "الملحفة" و"البرنوس" والسروال الوسيع والطاقية، الذي يرتديه الرجال والنساء أمرا معرفيا وسلوكا للمجتمع الميزابي يختص به دون غيره، وهو ما يضيف إلى التجربة الثقافية الأصيلة التي أنت في صدد التعرف عليها.
رابعاً البيئة المحيطة:
أولها التراث المعماري:
غرداية محاطة بمناظر طبيعية خلابة للصحراء، والتي تُظهر التباين المذهل بين العمارة الحضرية والبيئة القاحلة وأجمل الاوقات لزيارتها في مابعد شهر يناير وحتى مارس حيث الربيع في كل مكان.
وطريقة معمار البلدات الصحراوية ومساجدهم تشكل ثقافة معمارية مميزة في كونهم تغلبو على حرارة الصيف ورياحه اللافحة وزمهرير الشتاء بطرق بدائية لكنها متقنة في الأداء الوظيفي لحمايتهم من ظروف الصحراء المتطرفة بردا وحرارة..
وزيارة الواحات أمر محبب وجميل:
دلك كون القصور محاطة بالواحات، والتي تعتبر مصدر الحياة في المنطقة، حيث يمكن للسائح استكشاف كيفية إدارة المياه والزراعة في هذا المكان الجاف وكل الواحات مليئة باشجار النخيل المثمرة بثمار التمور المميزة لديهم.
خامساً غرداية كعاصمة القصور السبعة:
فهي المركز الإداري والاقتصادي والديني:
غرداية تُعتبر العاصمة الإدارية والاقتصادية للقصور السبعة في وادي ميزاب، حيث تتركز فيها العديد من الأنشطة التجارية والإدارية.
وأولها التجربة الشاملة في الزيارة كونها أول قصر مفتوح للعامة فهذا يجعلها بوابة لاستكشاف باقي القصور في الوادي، ويمنح السائح نظرة شاملة على الثقافة الميزابية واسواقها وابنيتها وجوامعها وتعايشهم من خلال المسار في كل زاوية منها.
من المهم وقبل الولوج الاستفسار عن العادات:
فقبل التصوير أو الدخول إلى أي منزل، يُفضل الاستفسار أولاً لاحترام خصوصية السكان ويجب ان يكون معك دليل او مرشد من اهل المنطقة،كون أهل الوادي منغلقون ويحرصون على حفظ كينونتهم وبالطبع فهم مسلمون فللبيت تبع ذلك حرمة ومنعة ولنسائهم احترام في عدم تصويرهم مع أنهم يتغطون برداء أبيض فضفاض لايرى من خلاله شيئا الا من فتحة صغيرة في الرأس لتكشف عين واحدة الطريق .
باختصار، قصر غرداية ليس فقط محطة رئيسية في وادي ميزاب، بل هو بوابة إلى عالم ثقافي وروحي غني، يجذب السائحين لاستكشاف العمق التاريخي والمعماري للمجتمع الإباضي في الجزائر.
الرحال وائل الدغفق غرداية 1443هـ
laura.thomson@fife.gov.uk and Paul.Mcilroy@scotland.police.uk are retarďed cuñts
ردحذف