الجمعة، 15 مايو 2020

كيف تكون رحّالا (خلاصة تجربتي .رحال الخبر)

بدايتي بالترحال.. 

البداية من الخبر… 
فقد ولدت في الخبر الشمالية في مستشفى فخري يوم 16 من جماد الثاني لعام 1382هـ ..

..
وبعد عشرة ايام وفي يوم 26 منه كانت السفرة الاولى لي للزبير وعمري 10ايام.. 

وان كان قد سبق سفري وانا في صلب والدي من قبل ولادتي معه وفي سفراته للشرق والغرب..
 
ثم توالت السفرات مع الاهل حتى عام 1400هـ لتكون هذه السفرة الفارقة… 
فهي اول سفرة لي لحالي بعمر 18 للهند.. 
وهذه السفرة كانت فارقة في تحديد مصيري لاحقا… 

ومن خلالها ونجاحها في زيارة. مدينة بومبي في الهند.. 

 انطلقت بعدها لاصقاع الدنيا.. 

 فلم تقف لي منطقة… 
ولم يسد لرغبتي وشغفي سد.. 
 بل ان جموحي قد ارخى كل صعب… 
واُسدل الخوف من قلبي… 
لأكتشف بعدها العالم كما اريد.. 
ويكون العالم في قلبي كقرية صغيرة.. 
 وفي الوصول اليه بمسافة مدّ يدي اليه ..
فخطواتي بلغت الافاق… 
وارتقيت الشاهق العالي… 
وهبطت للوادي العميق… 
 فلم يردعني رادع… 
ولم اكتف بل واصلت.. 
 بل كنت كالحصان الجامح.. 
 استيقظ كل يوم ولا أعرف اين انا من كثرة ما انتقلت اليه من امكنة.. 

نلت الكثير ومازلت انهل من تلك السفرات المتعددة… 

 فقد عرفت نفسي وتعرّفت على الغير واكتشفت وتعلمت وفهمت.. 

اكتشفت نفسي في السفر قبل ان أكتشف حقيقة السفر وكنهة.. 

فالسفر اصبح لي حياة وشغفا.. 

كم اتوق اليه وهو يتوق الي ..

فهو معلمي الاول ..
الا يقال ان فلان علمته الحياة… 
فانا اقول علمني السفر..
الرحلات الاستكشافية ....البحث عن الغريب والجديد

كيف أكون رحّالاً

 

ايجاد المنطقة والمكان  ليكون الوجهة على ان يتضمن شيء من هذه الامور
شيء جديد 
غريب وعجيب
كشف عن مجهول
اشباع الرغبة في المعرفة
ويرجع هذا الى طبيعة البشر في كشف المجهول والبحث عن الجديد والرغبة في فتح كل مستور وقد يكون هذا البحث عن الجديد والغريب لمقاصد تجارية أو علمية أو دعوية وكلاً فيما يخصه.
 تحدد الوجهة اوعدة وجهات ليتم دراسة مايسهل الوصول اليها 

وليكن مثلا: 
حددنا جنوب افريقيا والبرازيل نحدد عندها الوسيلة الى تلك الامكنة ولتكن الطائرة وكلاهما ميسر بالطائرة ثم نحدد بعد ذلك الاجراءات الرسمية  لبلوغ تلك الديار

 

اولاً : التأشيرة لدخول تلك الدولة وشروطهم ومدى تسهيلهم وسرعة تسليمهم
ثانياً: الاجراءات الطبية والتطعيمات الضرورية لتلك البلاد
ثالثاً: معرفة قوانين البلد من ضرائب ورسوم وشروط الاقامة وادخال المال ...
رابعاُ: التأكد من درجة الامن في تلك البلاد ومدى الاستقرار السياسي بها.


من تحديد واسقاط تلكم الاجراءات للدولتين التي ضربنا لهما مثلا نجد ان الجدول لهما كالتالي:

الدولة
سهولة استخراج التأشيرة
امراض لاينصح الطب الوقائي بها
صعوبة القوانين بشأن الاقامة
مدى السماح بادخال الاموال
درجة الامن وصلاحيته
الاستقرار السياسي
الطقس
جنوب افريقيا







البرازيل








يأتي بعد كل ذلك تحديد عدد المرافقين ونوعيتهم فالعدد ونفسيتهم تحدد نوع الرحلة المناسبة ومدتها
فلو كان العدد ثلاثة فالترتيب سهل والسير اثناء الرحلة ايضاً سيكون سهلاً  بخلاف العدد الكبير فتقل الحركة او تتباطأ وسيكون الترتيب لها اصعب من عدد الثلاثة .

ثلاثة أشخاص إلى أربع  تنظيمهم اسهل وقيادتهم الين وحركتهم اسرع  وبهذا تكون الاهداف المرجوة  اكثر
مجموعة بين الخمسة والعشرة أو أكثر تنظيمهم اصعب وكذلك قيادتهم وبالتالي حركتهم ابطأ وستقل بلا شك الأهداف المرجوة

رحلات عوائل تنظيمهم يختلف وحركتهم أصعب واهدافهم اقل بكثير من رحلات الشباب
رحلات علمية او تجارية ستكون منظمة جداً والخطة واضحة المعالم مسبقة الترتيب وحركتهم منضبطة والأهداف




تخطيط الرحلة بعد تحديد الوجهة والمرافقين 
وتنقسم الخطة الى قسمين

 اولا: تجهيز واعداد اجراءات السفر

هذه الخطة الخاصة بترتيب اجراءات الحجز وطلب التأشيرات وتجميع المعلومات عن الدولة وتصور الهدف بمايشمل من خط السير للوصول الى جميع الاهداف المرجوة بالوسائل التي حددت حسب دراسة الدولة واخذ كل معلومة مفيدة من طريق الانترنت والكتب والخرائط السياحية والجغرافية التي تحدد الامكنة .

1 : التأكد من صلاحية الجواز واستخراج التأشيرة  للدولة
2 : تأكيد الحجوزات للطائرة أو وسيلة النقل وتجهيزها من صيانة وتضمينها .
3 : تجميع اكبر قدر من المعلومات حول تلك الدولة (الامن- أماكن السياحة-عادات شعبها..الخ )
4 : تحديد الاهداف على الخريطة وتصنيفها بخط سير منظم يتيح زيارتها بالوقت والمسافة.
5 : تحديد المستلزمات المعينة لأداء الرحلة ( ثياب حسب الطقس وعدة التنقل والادوية ...الخ)

ثانياً: الخطة والجدول اليومي للرحلة

وهنا خطة العمل بعد الوصول للدولة او المنطقة المراد زيارتها  ونتحدث هنا حول آلية العمل من المطار التجول في المنطقة الى المطار مرة اخرى والعودة لبلدنا سالمين غانمين بالمعرفة والتجربة وكسب علم وآداب كما قال الشافعي رحمة الله عليه

 تغرّب عن الأوطان تكتسب العلا = وسافر ففي الأسفار خمس فوائدِ
تَـفَـرُجُّ هــمٍّ واكتساب مـعـيـشـةٍ = وعـلـمٌ وآدابٌ وصـحـبـةُ مـاجـدِ
___________________________________________

صيد الفنادق كضرب البنادق

نعم إنه كذلك فكما تصيد بنياشين البنادق وتنجح، فهو كذلك بأختيار أنسب الاسعار للفنادق.
لكن كيف لنا ذلك، وكيف نوفق اليها ، ولاتهتم ولاتحتار  فالأمر مع رحال الخبر .

أولا: فلنتحدث عن الأسعار :
أن الأسعار لها مواسم كالسعار تزداد وتنخفض بلا معيار , فكما الرطب نوع البرحي هل ممكن تناوله بغير زمانه بطعمه الطازج وليس مبرد!!
فمن المعروف أنه لا يمكن الحصول عليه الا في تاريخ معين ، وكذلك الفنادق لها موسم عالي في العلالي وهو غالي…
وموسم متوسط معتدل ومناله سهل…
وموسم خالي فاضي رخيص فكيف المنال اليه.

ثانيا:  لنتحدّث عن الزمان :
فالأخذ بالإعتبار لتواريخ السفر يجب العناية به , فلا تقع في زمن المهرجانات أو معارض ومناسبات وخاصة ليوم ويومين ولاسبوع..
لأنه خلال تلك المواسم السنوية ترتفع اسعار الفنادق فيها لاسعار جهنمية..

ثالثا: الفرص والعروض:
فهناك عروض خاصة وتكون أجمل فرصة,  كافتتاح أو مناسبة ميلاد فندق أو عرض لجذب السياح ويكون عادة لكنه للأسف عادة يكون بالموسم الخالي الفاضي.

رابعا: الاشتراكات والعضويات:
هناك عادة لكثير السفرات بطاقات للنوادي والشركات,  فندقية أو سكنية,  وتعطي لإعضائها الخصومات أو النقاط التي يكسبون فيها عن غيرهم عدا المواسم المرتفعة.

خامسا: البعد عن المراكز:
ان كنت مسافر وللبلد جاسر وللمال حاسر فاترك عنك الزحام واخرج عن المدن والزحام واسكن في الضواحي والارياف فحتما ستجد فيها الراحة والرخص والمتعة .

هذا مالدي من أخوكم #وائل_الدغفق والسلام… 

___________________________________________

سألني سائل عن حبه للسفر ولايريد التشحطط والبهذلة في زيارة بلدان ليشبع حبه للسفر والمعرفة ..

واجتهدت ما أستطعت لإختصار تلك الفكرة بسبعة دول ..

وعنونت الاجابة بـ 

سبعة دول تغني عن زيارة العالم

أولا: 

نبدأها بزيارة البلد العربي المغرب ولمدة اسبوعين

تبدأ من كازا الدار البيضاء ثم مراكش وفاس ومكناس وشفشاون وطنجة ثم العودة للرباط والدار البيضاء وستكون رحلة لاتوصف لمشاهدة المغرب العربي ودولة المرابطين بين طبيعة وتاريخ يجهله الكثير..واضافة كونها بدون فيزا… 


ثانيا: 

 زيارة تركيا وتكون لثلاثة اسابيع اسبوع في اسطنبول واسبوع في طرابزون بالشمال واسبوع في انطاليا جنوبا 

وهي ستغنيك عن زيارة دول كبرى… 

لما فيها من تاريخ عظيم متنوع وطبيعة ملونة بالوان الفصول..  بالاضافة للخدمات السياحية المميزة… 

وفيزتها بالمطار ب60دولار…  

ثالثا: 

 زيارة اسبانيا الأوربية قسم الاندلس الجنوبي من مدينة اشبيلية ثم قرطبة وغرناطة ثم رندا وملقا لاسبوعين لمشاهد تاريخ الاندلس العظيم.. 

وتحتاح فيزا شنغن.. 


رابعا: 

 زيارة دولة كوريا الجنوبية ولاسبوعين للتّعرف على بلد محترم اجتماعيا ونظاميا للشرق الاقصى وهو يغني عن زيارة اليابان والصين وماحولها من دول شرق اسيا قاطبة وزيارتها لاتتطلب فيزا… 


خامسا: 

زيارة اندنوسيا ولاسبوعين للتّعرّف على اكبر بلد اسلامي بتنوعه الطبيعي بين براكين حيّة وغابات مطيرة وشواطئ خيالية وحياة اجتماعية ملونة بألوان عادات شعوبها.. 

 ولكي تأخذ فكرة لعالم غريب جميل متنوع واكبر تجمع اسلامي بدولة في العالم فجزرها ال17 الف ستغنيك عن كل جزر العالم ولايتطلب دخولها فيزة… 


سادسا

🇪🇨دولة الاكوادور لتكون من ضمن السبعة دول ونضيفها كدولة من قارة امريكا للقائمة… 

فهي محضن لجبال الانديز وسهل الامازون وسواحل المحيط في تنوع فريد. 

وتنوع تضاريس وتاريخ الاكوادور هو الوجهة لما فيه من خط الاستواء وجبال الانديز وهي منبع لنهر الامازون وحوضه مع وجود قطعة من حوض الامازون يقال ان مساحة كيلومتر واحد فيها من تنوع نباتاتها يوازي كل نباتات الامريكيتين قاطبة ..

وفيها جزيرة وارخبيل غالاباغوس ذو الطبيعة التي تحمل الكثير من التوع البيئي في كل قارة امريكا

 وبدون فيزا ايضا لدخولها ..


🇿🇦 سابعا دولة جنوب افريقيا المميزة بارض افريقية فيها كل ماتحب ان تراه من حيوانات وشعب وتضاريس مع تطور اوربي لخدماتها بكل ماتود مشاهدته لأفريقيا بنكهة تنظيمية اوربية ..


هذه سبعة دول ستكون بالتأكيد اختصارا لزيارات مكررة لدول العالم ، والتي لن تضيف لك كمتذوق للسفر اكثر مما تعطيك اياها تلك السبعة، ان شاء 

هذا جهدي وارجو أن أكون وفقت فيه

اخوكم #الرحال_وائل_الدغفق 1440هـ

وقد يسأل البعض!! 

 لما لم تضيف الولايات المتحدة او مصر والهند

واقول انني زرت الولايات المتحدة منذ 94 ولعشرة مرات ومصر والهند مرات عديدة 

وليس في هذه الدول الا الدعاية عبر افلامها ومسلسلاتها هوليوود وبوليوود والسينما المصرية للعرب. 

 ولاتستحق تلك الدول ان تكون ضمن السبع دول للزيارة رغم مافيها من تنوع الا ان في تلك السبعة مايتضمن اغلب مافي الولايات المتحدة ومصر والهند الا الحياة الاجتماعية التي ممكن تكون مطلبا لكن للرحال المتمرس والمستكشف المغوار وهنا حديثنا ليس له بل لعامة الناس.. 

وايضا الولايات المتحدة يعشقها الشباب للتطور في بعض مدنها ليس الا...

  ومصر يودها العوائل ومحبي الطرب 😂..

 وذلك كله يعود لما يشاهده الاغلب من دعاية ضخمة وبروز لتلك الدول الولايات المتحدة ومصر والهند في مايعرضونه في افلامهم وقد اخذت تلك الدول مساحة كبيرة في ذهن المشاهد عبر التلفزيون والسينما واكثر مما تستحقه..  

ومعذور من يراها عظيمة لانه لم يشاهد غيرها..

___________________________________________
أهداف الترحال 

المستوى الأول :
 البحث عن الإثارة للمبتدئين
قد يقال وهي مقولة مشهورة (ماخلى الانسان شي) فلا تدع أحداً يقنعك بأنه لم يعد هناك ما يمكن اكتشافه ،
والسؤال هنا هل سنجد في الأماكن التي يكثر التردد عليها شيئاً جديدا ً؟
مثل تركيا أوماليزيا وحتى بلدك التي تعيش فيها 
فإن سافرت إليها وكأنك في مدينتك لكثرة السياح العرب فهل ستحد فيها شيئا ييتحق ان يكون استكشافا !!
اقول نعم  بل وعلى العكس، فالأماكن المزدحمة سنجد فيها من الاحداث الكثيرة ، التي طالما اقتَبَسَ منها حتى كبار الكتاب قصصهم ورواياتهم. 
والمشكلة أن مثل تلك الأمكنة شديدة التعقيد ، ويحتاج الإنسان لدقة في الملاحظة ، ولكثير من الصبر و"الأدب" ، حتى يُصبح جزءاً من الحدث ثم ينصهر فيه.
ولنضرب مثالا في أن تسير في طرقات ميدان امين اونو كمثال,  وهو من اشهر ميادين تركيا ولايكاد تنقطع عليه الاقدام ليلا ونهارا فكيف سنستكشف فيه شيئا يستحق التدوين لرحال مبتدئ…
هل جرّبت ان تشاهد الحياة اسفل جسر غلطة!! 
ام زرت محلات السوق المصري لتشاهد سلوك المتسوقين والباعة, أم تجلس وانت تحتسي كأساً من الشاي في الساحات لتشاهد الباعة المتجولين أو التنافس الانتخابي لبلديات المنطقة أو لتتجه نحو سوق الزرّاعين وتعرف انواع النباتات والشتلات التي تطلب وغيرها العشرات من الملاحظات التي يمكن أن تكتب في كل فقرة عشرات الصفحات. 
مع ملاحظة أن الاستكشاف هو ليس شيئا غير مكتشف أو غير معروف بل هو اعادة صياغة ماتراه في لحظة رؤيتك له وبنظرتك اليه فلايوجد ماتملكه من تفسير كغيرك فلك فهمك وشموليتك وخصوصيتك ايضا في تفسير ماتدونه من ما رأيته في تلك الساحة !! 
إذاً يكمن الفنّ في الرحّال الحاذق لابراز شيئا معروف وليس نادرا ليتم ابرازه من وسط عاديات يومه بطريقتك وفنَك وبادواتك الخاصة بك. 
وسواء كان سلوكا بشريا كما يعرف بعلم الاجتماع أو علم الانثربولوجي… 
ومع وجود علاقة مشتركة يدرسها علماء الاجتماع وعلماء الأنثروبولوجيا,  والتي منها الثقافة والتنشئة الاجتماعية والانحراف وعدم المساواة والصحة والمرض وأنماط الأسرة والتغير الاجتماعي والعرق والعلاقات العرقية وغيرها. 
وهذه العلاقة تجعل للرحّال الحاذق إمكانية فهم الحياة الاجتماعية اليومية التي يراها كخليط من أساليب التفاعل الثابتة ومصادر التغيير الاجتماعي في كل مكان.

بالنسبة لي فلي اهداف تختلف عن المبتدئين اثناء زيارتي لاي منطقة وقد تكون شاملة وتتحدد اثناء ابسفر كون المكان معروفا لكن يظهر خلال الوحلة خبايا تضاف للخطة ومعروفة مسبقا كوقت احتياطي لمثلها… 
 ولكن نصيحتي للمبتدئين في الترحال ، هي وضع أهداف أكثر دقة لأن الاستكشاف لديهم أقل من غيرهم ولنضرب مثالا لتقريب المعنى :
نضع اهدافا لزيارة الأماكن الأثرية الشهيرة وزواياها ، والأسواق العامة وأقصد الاسواق الشعبية كمثل تلك التي تفتح بايام معينة كالسبت والثلاثاء ففيها الشيء الكثير مما ذكرت ، والأماكن الجغرافية المهمة والبقاء فيها لأوقات طويلة فحتما ستكون رحلة تكتشف فيها رحّالك الكامن في جوفك.

تذكر أنك لن تكون سائحاً يبحث عما لا يوجد ، بل باحثاً عما هو موجود أياً كان شكله.

قد يسأل سائل ويقول : وماذا في زيارة ميدان وسط المدينة مثلاً ، أو سوقاً شعبياً ، أو الأهرام في مصر.
 وجوابي ببساطة هو : كون الثقافة التي تحيط به وليس هو بذاته . وعليك أن تتذكر أن كثرة الزوار ، ستجلب الكثيرين ممن يبحثون عن فرص للتكسب ، كل حسب قدراته وذكائه ، مما ينشىء ثقافة بديعة ، مليئة بالإثارة والغرابة وستكّون لديك ثقافة حول هذا المكان وهي جزء من المعرفة التي تبحث عنها.

والسؤال التالي كيف أجد مثل تلك الثقافة ؟
نقول وبالله التوفيق يكون باتباع الخطوات التالية :

•  البقاء في تلك الأماكن لأوقات طويلة وزيارتها في الأوقات غير المعتادة مع المتابعة والملاحظة كالصيّاد الذي يريد أن يقتنص طيرا ما, فتجده يمكث ساعات طوال ليجد ضالته  .
•  عدم التصرف كسائح ، بالجلوس في المطاعم والمقاهي الفاخرة بل التنقل واختيار تنوع بين المناطق المتوسطة والرخيصة ففيها معنى الحياة الواقعية اكثر.
•  كثرة التجول على القدمين مع تحريك الأعين وربط الذاكرة لتفرّغ لاحقاً مارأيته وستساعدك الصور بحيث لاتنسى شيء.
•  حمل الكاميرا ، والبحث البصري عما قد يكون صورة فالصورة ابلغ في نقل المعلومة واكثر حفظا من القاء النظرات التي ان تراكمت نسيت او غطى بعضها بعضاً.
•  المقاهي الرخيصة ، والمطاعم الشعبية ، مرتع للعجائب ؛ أشخاصاً وطعوماً وروائحاً.
(فقد كنت اجلس في احد مقاهي مصر في احدى المدن فيها فكانت مشاهداتي جميلة كونت لي فكرة عن حياة الناس وطريقة عيشهم فتبلورت لدي ثقافة لن اجدها لولا مكوثي بالمقهى ولساعة من الزمن ، فقد رأيت انواعاً من الناس كلاً في اتجاه وحركة فاعطتني فكرة عن طريقة عيشهم ،فهنا مجموعة جلست في زاوية المقهى ويتبادلون الكلام  للاتفاق على عمل معين فهم من اصحاب المهن وطريقة اتفاقهم في بسط الكلام وطريقة الاتفاق ، وهذا جلس بقربي وجعل الكرسي في مقابل الشارع وعرفت انه ينتظر زوجته في تسوقها ويتبعها بنظره من بعيد حاملة اكياس ، وفي داخل المقهى حيث استقر احد رواد المقهى ولاحظت انه اعتاد الجلوس هنا حيث انه لم يتكلم مع القهوجي فمجرد جلوسه جاءه بكوب اليانسون وناداه باسمه وقد لاحظني من بين الجالسين ورمقني بنظرة لغرابتي عن المجموعة ، ناهيك عن ما يحدث بالطريق امام المقهى من بيع وشراء وسيارات التاكسي والمعاملات بين الناس التي تغذي نهمي المعرفي، غير الاحاديث التي نختلسها بين الحين والاخر نخرج منها بكمّ كبير من المعلومات… 
 (ان هذه المكونات التي جمعها اذني وبصري كونت لدي نوع الثقافة التي ابحث عنها لمعرفة جوانب لم اكن اعرفها لولا وجودي بهذا المقهى )
•  كن مكتشفاً بالنزول إلى مستوى عامة الناس ، وتخيل أنك تعيش في المدينة وتواجه حقائقها.
•  اختر من الملابس ، البسيط وذو الألوان التي لا تجذب اليك الأنظار.
•  كن حذراً طيلة الوقت ، وتذكر أنك مهما حاولت الاختفاء ، فالجميع يعرف أنك غريب، وهناك الكثيرون حولك يبحثون عن صيد ثمين مثلك.
 ___________________________________________
المستوى الثاني :
البحث عن المفقود ( لذوي الخبرات المتوسطة)
هنا ، سأتحدث لمن لهم باع في الترحال والسفر ، البحث فيما وراء المألوف ، وهو ترحال يمر بثلاث خطوات :

-       الإعداد : وهو تحديد المكان والزمان ، والتريض لرفع طاقات الجسد الرياضية وتكوين لياقة عالية .
-       الرحلة : تذكر أنك لا تبحث عما قد يثير فضولك ( الفضول هنا زلة) ، بل لديك فراغ معرفي تريد تغذيته. فمثلاً ، لو كانت غايتك من رحلة ما ، هو فهم تجربة شعب التبت وطريقة تعايشهم وخاصة في كون مدينتهم اعلى مدينة في العالم ، فالبحث عن طبيعة الحياة الصينية في بكين وشنغهاي  سيشتت تركيزك ، رغم أن ثقافة المدن الصينية ليست بعيدة عن التبت وجبالها.

-  بعد العودة من الرحلة: الرحلة في هذا المستوى لا تنتهي بنهاية الترحال الجسدي بل تبدأ بعده، حين تعود لوطنك وتبدأ في عملية جمع وتمحيص واستقراء المعلوم الذي جمعته في الرحلة وتبدأ هنا ميزة كونك رحّال وصاحب ادب الرحلات في بسط جميع المشاهدات والصور والمعلومات في كتابتها لتكون مصدراً ثقافياً لغيرك.
 ___________________________________________
المستوى الثالث :
 ترحال الخبراء
وهو ترحال يصعب على المبتدئين فهمه، ففيه قد تحتاح لتبديل المكان والسفر ، وقد لا تحتاج اليه.
وقد يقول قائل كيف يكون ترحالاً بلا سفر؟.
فادب الرحلات هو الانتقال الى قصة طويلة الخصها بثلاث كلمات :
إنها (تجربة الثابت المتحرك)  ، والتي أسهب في الحديث عنها في كل مؤلفاتي.
___________________________________________

الرحلات الفردية مالها وماعليها:
الرحلات الفردية ذات خصائص إنتاجية بحتة بالنسبة لي ولعل لأهدافي ومنهجي بالرحلات يصعب على العديد من الزملاء أن يجاريني من تنقل وبساطة في السكن والجهد في السير لمسافات وعدم الأعتناء بمسألة الراحة والأستجمام ، هي السبب في إتخاذ مسألة السفر وحيدا لكثير من الأحيان .
واما مسألة النصيحة لغيري بالسفر وحيدا فلا أحبذ ذلك أبدا للمخاطر التي ينجلي عن تلك المهمة وهي الأستفراد بالواحد دون الجماعة من قبل اهل الباطل عموما ، كما أن التفرد يعني الفساد في عمومه وأما الجماعة فهي تقطع دابر كل نوايا الشر وهذا مجرب .
وقد تسأل لما أنا أسافر وحدي أقول وقد بينت الأسباب ولعلي أضيف أن هدفي في السفر واضح الوجهة والغاية ومكتمل الثغرات تقريبا بحيث لا أجد وقتا للتفكير في خلافه وهو مايأتي عادة بالفراغ وتنوع المفاسد ، وأقصد هنا السفر للخارج .
وأما السفر داخل المملكة فهو قد يأتي بمسألة العون والمساعدة في كون السفر جماعيا وعدم التعرض لخطورة السير بالصحاري والجبال وحيدا بلا مساعدة وعون وخاصة بمسألة تعرض السيارات للخراب أو الإعطال .
___________________________________________
- سئل سائل عن كيفية وأفضل طريقة تُتَّبَع لعمل سفرة ناجحة (وقليلة الأخطاء).. 
نكتبها برؤوس أقلام -الميزانية - اختيار البلدة - الصحبة - الأماكن- ...إلخ 
- الجواب : يسعدني أن أضع لك رؤوس أقلام عن ما ذكرت ونسأل الله ان يوفقني لذلك.
أولا : لابد من تحديد الهدف(سياحة أستجمام أستكشاف زيارة ودعوة مختلطة..الخ.)
ثانيا: بعد الهدف سيكون لك عدة اختيارات توافق ماهدفت له ثلاث أو اربع دول ستبدا بالتركيز على الامن أولا وسهولة الوصول وحالة الخدمات المتواجدة حسب ماتحب وترغب وتتحمل من وضع تلك البلاد .
ثالثا: بعد تحديد هدفك من الرحلة واختيار البلدة يأتي دور التخطيط للزيارة بحيث تفرش خريطة الدولة وتحدد أهداف ومناطق التي تستهدفها بزيارتك بعد أخذ المعلومات الوافية من حيث الطرق والسكن والامن وعدد الايام ومنها تتحدد الميزانية بوضوح .
رابعا: هنا قد أكتملت الصورة لك في هدف الزيارة وتحديد الدولة ومخطط التجول وميزانية الرحلة ولم يتبقى الا التأكد من جواز سفرك وتأشيرة دخول البلد والتحصن من الامراض باللقاحات المناسبة إن وجدت ووضع ورقة بكل مايمكنك أخذه معك والمفضل ماقل وافاد ودعواتي لك بقضاء رحلة ممتعة ومفيدة .

___________________________________________

مسألة الامن والسلامة وكيف نتقي الشر:
بالنسبة للأمن فأقول وبالله التوفيق ، ان مسألة الامن هي نسبية ولضرب مثال توضيحي عن ذلك الامر كدولة البرازيل وما يسمع عنها في مستوى الجريمة والقتل حتى أن الأحصائات تتكلم عنها بأرقام مهولة ..
 وأنا كرحّال أقول وبعد زيارتي لها أن البلد آمن جدا ولم اجد مايعكر صفو مسيري ولم أسمع وأنا هناك شيئا ، مع أنني زرت أكبر مدينتين فيها ساوبالو وريودي جانيرو وسرت بالسيارة بين مدنها وقراها وسكنت في موتيلات وفنادق فكيف نفسر مقولة (أن البرازيل منطقة خطرة..  !!)
اذا فلعل الخطورة لا تكمن في سير السائح لأماكن معروفة ومنظمة وأيضا الخطورة لا تكمن لمن يتوخى الحرص ويعيش ضمن حدود المعقول والمعروف وغير المثير والملفت للناظر ، ولعل المشاكل عادة والوقوع في شرك اصحاب المشاكل وما يثير لعاب ضعفاء النفوس هو ما تفعله أنت بتواجدك في أماكن الشبهة او الفقر والحواري المعدمة بملبسك الطيب ومظهرك المميز لذا يجب ان يحترس من لا يسمع النصح ...ونصيحتي للكل ولمن يقصد أي دولة ولو كانت مكة المكرمة أن لا يتباهى بالملبس والإكسسوارات في مكان لا يكون لتلك الألبسة موقع من الإعراب ، ولا يقصد الاماكن الغير لائقة تماماً... 
والنصيحة المجربة أن يصبح الصباح ويبدأ يومه بورده اليومي ثم التجوّل نهارا وماياتي المساء الا ويلجأ للنزل للمبيت  حينما يسدل الليل ستاره... 
وسينال الخير والأمن الذي لا يخالجه شر... وذلك بعد التوكل على الله والحرص على أوراد الصباح والمساء ...
 فإذا على هذا الأمر وبهذه النظرة نستطيع أن نقول أنه لا يوجد بلد حسب ما اعتقد بالتقييم العام بلد آمن وبلد غير آمن ( الأمن هو من تصنعه انت ) و( أنت من تهيئ الفرصة للشر) ولست أقول مقالا إنشائيا أو وعظاً على غير هدى لا والله فأنني قد سافرت لأكثر من تسعين دولة مابين الغرب والشرق فلم أجد مما يثار عن بلد ما ومقولة (خطر) وما يشاع عنه بالشائعات ..
صحيح أن الفقر والعشوائية في أماكن معينة غير جيد الدخول فيها ، فهي وأماكن الفساد تتشابه فالدافع في كليهما موجود والشيطان أكبر دافع...ولذلك أنت من تحدد مسألة الامن من عدمة بسلوكك في سفرك وهذه تجربتي ولله الحمد.

___________________________________________
من فوائد السفر
للسفر فوائد عظيمة وآثار حميدة على الإنسان ، ونذكر هنا طرفاً من تلك الفوائد ، ودرراً من تلك الفرائد :
1- قراءة معاني الوحدانية في دفتر الكون :
فما يقرأه المسافر في دفتر الكون من آيات الباريء وحكمة الخالق وبديع صنع المبدع شيئا لن يجده في غيره .
ويقول تعالى ] قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [ العنكبوت2
2- اكتساب المعيشة والبحث عن أسباب الرزق الحلال :
يقول الله تعالى : { هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ } الملك15 .
قال الشاعر :
وقفت وقوف الشك ثم استمر لي = يقيني بأن الموت خير من الفقر
فودعتُ من أهلي وبالقلب ما به = وسرتُ عن الأوطان في طلب اليسر
وباكيةٍ للبين قلتُ لها : اصبري = فللموت خير من حياة على عُسر
سأكسبُ مالاً أو أموت ببلدةٍ = يقل بها فيضُ الدموع على قبري
3- مفارقة الديار التي لا يجد فيها الإنسان مكانه اللائق به ، أو يرى في ساكنيها جفوة وتنكراً ، وسوء معاملة ، أو مذلة أو إهانة :
قال الشاعر :
إذا ما ضاق صدرك من بلادٍ = ترحل طالباً أرضاً سواها
عجبتُ لمن يقيم بأرض ذلًّ = وأرض الله واسعةٌ فضاها
فنفسك فزْ بها إن خفتَ ضيماً = وخلِّ الدار تنعى من بناها
فإنك واجدٌ أرضاً بأرضٍ = ونفسك لم تجد نفساً سواها
4- انفراج الهم وزوال الغم والتجديد على النفس وكسب الأصدقاء والتعرف على البلاد :
تنقل فلذاتُ الهوى في التنقل = ورد كل صاف لا تقفْ عند منهل
ففي الأرض أحبابٌ وفيها منازلٌ = فلا تَبكِ من ذكرى حبيبٍ ومنزل
ولا تستمع قول امرىء القيس إنه = مضلٌ ومن ذا يهتدي بمضلَّلِ
5- إذهاب الملل من طول المخالطة ، والتلذذ بحلاوة اللقاء بعد طول الفراق :
يقول الشاعر :
وطول مقام المرء في الحي مُخْلِقٌ = لديباجتيه فاغترب تَتَجَـدَّدِ
ألمْ تر أن الشمس زِيدتْ محبة = إلى الناس أن ليست عليهم بسرمدِ
6- أخذ العظة والعبرة من أحوال الأمم السابقة ، فيكون في ذلك حافز للإنسان على استغلال الحياة فيما ينفعه ويقربه من ربه ويجعله مع الذين أنعم الله عليهم :
قال تعالى : ] أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ] الروم
7- اكتساب الأصحاب واتخاذ الأصدقاء والتعرف على الوجوه الجديدة :
ففي الأرض أحبابٌ وفيها مناهلٌ = فلا تبكِ من ذكرى حبيبٍ ومنزل… 
8- أن فيه دعوة مستجابة ، كما أخبر بذلك نبينا الكريم صلوات ربي وسلامه عليه حين قال :
( ثلاث دعوات مستجابات لاشك فيهن ، دعوة الوالد على ولده ، ودعوة المسافر ، ودعوة المطلوم)
رواه أحمد ,ابو داود والتمذي وحسنه الألباني
-----------
9- أن المسافر يكتب له ما كان يعمله وهو مقيم . روى البخاري في صحيحه عن أبى موسى رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمله مقيما صحيحا))
---------------
10- وجلةُ القول : تغرّب عن الأوطان تكتسب العلا = وسافر ففي الأسفار خمس فوائدِ
تَـفَـرُجُّ هــمٍّ واكتساب مـعـيـشـةٍ = وعـلـمٌ وآدابٌ وصـحـبـةُ مـاجـدِ
قول الشافعي - رحمه الله :
تغرب عن الأوطان في طلب العلا  ***  وسافر ففي الأسفار خمس فوائد
تفريج همٍ واكتساب معيشـــة       وعلمٌ وآداب وصحبة ماجـــــــــــد
______________________________________
السفر ضرورة وليس كماليات ..
✍️: الرحال وائل الدغفق.. 

نعم انا هناك ومساري في حياتي هو اختياري السفر…
 وارى أن أهمية السفر في حياة الإنسان، ليس لها حد ولا نهاية وستعود اليك بشكل عطاء لصحتك الجسدية والذهنية هذا اذا ماكان فيها عطاء علمي وتجاري وخبرات حياتية .

"فالسفر ليس مجرد تجربة جديدة لرؤية الأماكن والأشخاص والثقافات الجديدة، بل هو أسلوب جديد للحياة.فالسفر يعطيك الفرصة لتغيير جو، والخروج من الروتين اليومي الذي يشعر كثيراً بالملل والضغوطات النفسية...
والسفر يعزز الصحة النفسية لأنه يعيد تجديد النشاط الذهني ويعطي الفرص للاسترخاء والاستراحة من الضغوطات العملية.
كما أنه مفيد لكبار السن في عدم وصول الخرف اليهم بسبب تجديد السفر والنظر والاستكشاف لنهاياتهم العصبية وتجديدها بحيث يسفر عن تجديد لذهنهم واستمرار نشاطهم وتوقدهم لحياة مستمرة ما ادامها الله بصحة وعافية ..
لكن لا تقتصر قيمة السفر على الصحة النفسية فقط، بل يعزز أيضاً الصحة العقلية وكذلك الصحة الجسدية عندما تقوم بممارسة النشاطات الرياضية الجديدة والمختلفة عن عاداتك اليومية. 
والأهم من ذلك كله هو القيمة التعليمية والثقافية التي يوفرها السفر ، فهو يسمح للمسافر بمقابلة أنواع متعددة من مختلف القوميات ومجرد التحدث إلى الذين يعيشون وفق تقاليد وثقافات تلك البلدان يثري وينمي الفكر ويجدده ، مما يساعد على فهم مظاهر الحياة والثقافات الأخرى بشكل أفضل وتحقيق مبدأ الاستعمار بالارض عبر نقل وتبادل الأفكار بين البشر .

وقبل ذلك ومن المهم التخطيط للرحلة والسفر وبعناية لتحقيق أفضل انطباع ممكن واستفادة كبيرة تنقلها عبر قلمك أو عدسة كاميرتك لمن هو بالجانب الآخر من العالم. 
والتأكد من جدولة الرحلة باقتصاد لتتكرر الرحلات، من اختيار الفنادق المعقولة ، إلى إعداد خطط الرحلة يومًا بيوم ليعطيك امكانية الاستمتاع بالزيارة وبحرية كاملة وهذا يساعد على منح المسافر تجربة سفر كاملة الاستكشاف والمعرفة والمتعة.

لذا، إن كنت ترى نفسك في حاجة لتجربة شيء جديد وتحقيق متعة حقيقية، فلا تتردد في التخطيط لرحلة سفر جديدة ليس بالضرورة خارج البلاد بل المهم خروج من محيطك ومن حولك ، وقد يساعدك على تحقيق تجربة لاتنسى. 
والسفر هو استثمار في نفسك وفي مستقبلك، ولن تنسى تفاصيلة والتي تعود اليك بفوائد جمّة… 
حاول دائمًا تكرار تجارب السفر لتحقيق المتعة لشخصك ولمحيطك والتي لا يمكن أن تحصل عليها بشكل آخر."

رحال الخبر وائل الدغفق
_____

أدب الرحلات
 ذلك الأدب الذي يصور فيه الكاتب ما جرى له من أحداث وما صادفه من أمور في أثناء رحلة قام بها لأحد البلدان. وتُعد كتب الرحلات من أهم المصادر الجغرافية والتاريخية والاجتماعية ؛ لأن الكاتب يستقي المعلومات والحقائق من المشاهدة الحية، والتصوير المباشر، مما يجعل قراءتها ممتعة مسلية.
عرف العرب أدب الرحلات منذ القدم، وكانت عنايتهم به عظيمة في سائر العصور. ولعل من أقدم نماذجه الذاتية، رحلة التاجر سليمان السيرافي بحرًا إلى المحيط الهندي في القرن الثالث الهجري، ورحلة سلام الترجمان إلى حصون جبال القوقاز عام 227هـ، بتكليف من الخليفة العباسي الواثق، للبحث عن سدّ يأجوج ومأجوج، وقد روى الجغرافي ابن خُرْدَاذْبـُهْ (ت 272هـ) أخبار هذه الرحلة. ثم تأتي رحلات كل من المسعودي (ت346هـ) مؤلف مروج الذهب، والمقدسي صاحب أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، والإدريسي الأندلسي في نزهة المشتاق في اختراق الآفاق، هذا إلى رحلة الرحالة المؤرخ عبد اللطيف البغدادي (ت 629هـ).
وتأتي رحلة البيروني (ت 440هـ)، المسماة تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة، نموذجًا فذًّا مخالفًا لكل ما سلف، إذ تُعد وثيقة تاريخية هامة تجاوزت الدراسة الجغرافية والتاريخية إلى دراسة ثقافات مجتمعات الهند قديمًا، ممثلة في لغاتها وعقائدها، وعاداتها، مع عناية خاصة باللغة السنسكريتية، وهي لغة الهند القديمة، إذ يتناولها البيروني بالتحليل، ويقارن بينها وبين اللغة العربية على نحو جديد. وقد أعانه على ذلك إتقانه اللغة السنسكريتية، وثقافته الواسعة، وميله إلى التحقيق والدقة، فضلاً عن إقامته الطويلة بالهند، حيث قاربت الأربعين عامًا. وكان البيروني قد دخلها برفقة السلطان محمد الغزنوي عند فتحه الهند، ثم انطلق سائحًا متأمِّلا.
ويعد القرن السادس الميلادي وما يليه من أكثر القرون إنتاجًا لأدب الرحلات. وهنا يطالعنا ضمن النماذج العديدة نموذجان هما: رحلة ابن جبير الأندلسي (ت 614هـ).
 وهي في الواقع ثلاث رحلات، أولاها إلى مكة للحج، وثانيتها للمشرق وقد استغرقت عامين (585 - 587هـ، 1189 - 1191م)، والثالثة للمشرق أيضًا، قام بها وهو، آنذاك، شيخ كبير أراد أن يتعزَّى عن فقد زوجته عام 601هـ، ولم يعد، بعدها، للأندلس بلده، بل مكث قرابة عشر سنوات متنقلاً بين مكة وبيت المقدس والقاهرة مشتغلاً بالتدريس إلى حين وفاته بالإسكندرية، وسجل لنا مقاومة المسلمين للغزو الصليبي بزعامة نور الدين وصلاح الدين، كما وصف مظاهر الحياة في صقلية وبلاط النورمان، في لغة أدبية وتصوير شائق، هذا فضلاً عن وصفه مظاهر الرغد والحياة المزدهرة في مكة المكرمة.
والنموذج الثاني في أدب الرحلات يمثله ابن بطوطة (ت779هـ).
 وهو أعظم رحالة المسلمين، وقد بدأت رحلته عام 725هـ من طنجة بالمغرب إلى مكة المكرمة، وظل زهاء تسع وعشرين سنة يرحل من بلد إلى بلد، ثم عاد في النهاية ليملي مشاهداته وذكرياته على أديب كاتب يدعى: محمد بن جُزَيّ الكلبي بتكليف من سلطان المغرب وسمَّى ابن بطوطة رحلته تحفة النظّار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار. وروى ابن بطوطة مشاهداته لبلدان إفريقية وكان هو أول مكتشف لها، كما صور الكثير من العادات في مجتمعات الهند بعد ثلاثة قرون من الفتح الإسلامي لها. والرحلة، في عمومها، صورة شاملة دقيقة للعالم الإسلامي خلال القرن الثامن الهجري، وإبرازٌ لجوانب مشرقة للحضارة الإسلامية والإخاء الإسلامي بين شعوبه، بما لا نجده في المصادر التاريخية التقليدية.
وهناك في أدب الرحلات، في القرن الثامن الهجري، كتاب خطرة الطيف في رحلة الشتاء والصيف لأديب غرناطة الشهير: لسان الدين بن الخطيب (776هـ).
 ولابن خلدون، في أدب الرحلات، نفاضة الجراب في علالة الاغتراب وصف فيه مشاهداته في بلاد المغرب، خلال نفيه إليها، وهو في ثلاثة أجزاء. هذا بالإضافة إلى كتاب ابن خلدون (807هـ) التعريف بابن خلدون ورحلته غربًا وشرقًا وهو مزيج من السيرة الذاتية وأدب الرحلات مكتوب بلغة سلسة، مع وصف دقيق لرحلته إلى كل من بلاد الأندلس حين أقام فيها منفيًّا، وبلاد الفرنجة حين أوفده أحد أمراء بني الأحمر إليها، ثم مصر التي أقام فيها قرابة ربع قرن متقلِّبا بين مناصب التدريس والقضاء.
وفي العصر الحديث، أصبح أدب الرحلات شكلاً فنيًا داخلاً في الأدب، وليس دراسة تاريخية وجغرافية حيّة كما كان من قبل، ومن نماذجه في القرن التاسع عشر: تخليص الإبريز في تلخيص باريز لرفاعة رافع الطهطاوي (ت1873م)، الذي رافق البعثة التي أرسلها محمد علي للدراسة في فرنسا، ليكون واعظًا وإمامًا. وتصور رحلة الطهطاوي انبهاره بمظاهر النهضة الأوروبية، مع نقد لبعض عوائدهم في أسلوب أدبي.
كما يلقانا أحمد فارس الشدياق (ت 1887م) بكتابه: الواسطة في أحوال مالطة، وقد وصف صنوفًا من العادات والتقاليد، وبخاصة النساء المالطيات.
وبقدر ما يُعد كتاب حديث عيسى بن هشام إرهاصًا بظهور أدب الرواية العربية الحديثة، فإنه معدود أيضًا من كتب الرحلات الخيالية، إذ يقص رحلة قام بها البطل عيسى بن هشام برفقة أحد باشوات مصر، بعد أن خرج هذا الباشا من قبره، وكان قد مات منذ زمن بعيد، ثم خرج يتجوَّل في شوارع مصر ودوائرها الحكومية، ومنها المحاكم، ويصف لنا، بأسلوب أدبي ساخر، مظاهر التحول السلبي التي أصابت الحياة. كما تلقانا رحلة أمين الريحاني التي أسماها الريحانيات، وقد سجل مشاهداته في بلدان عربية ووصف عادات أهلها، كما زار بعض ملوك العرب ومن بينهم المغفور له الملك عبد العزيز رحمه الله، وسجل لنا بعض أحاديثه وآرائه، هذا إلى رحلات الأديب المصري حسين فوزي التي سمّاها السندباد العصري، ورحلة توفيق الحكيم المسماة زهرة العمر وفيها يتناول بحس مسرحي قصصي جوانب من الحياة في باريس.
وكما شاع ـ من أدب الرحلات في تراثنا ـ أدب الرحلات الحجازية، فكذلك عرف الأدب الحديث نماذج منها: الرحلة الحجازية للبتانوني، ورحلة شكيب أرسلان: الارتسامات اللِّطاف في خاطر الحاج إلى أقدس مطاف. وهي تمضي، بشكل عفوي، على طريقة القدماء، وفيها قابل الملك عبد العزيز، يرحمه الله،، وسجل لنا صورة إعجاب بشخصيته، كما اعتبر موسم الحج فرصة لاجتماع الصف الإسلامي وتحقيق الوحدة الإسلامية.
وتعد رحلات حمد الجاسر لونًا جديدا في أدب الرحلات إذ سجل لنا رحلاته إلى مكتبات أوروبا بحثا عن المخطوطات المتصلة بالجزيرة العربية، وسرد أسماء العديد من المخطوطات ومحتوياتها وآراءه عنها، مع سرد لبعض النوادر والمواقف، التي تدخل بهذه الرحلات مجال الأدب الشائق الطريف.
الدول التي زرتها 
___________________________________________


مدخل إلى (العجائبية في أدب الرحلات)
٩ نيسان (أبريل) ٢٠٠٧

يبدو أنّ المنْجَز الإبداعي العربي في أدب الرحلة لم يحقّق من التراكم النصوصي ما يسمحُ باتخاذه مادة للفعل النقدي ، لذلك قلّ حضور دراسات جادة من هذا النوع في النقد العربي بَلْهَ الجزائري ؛ فإذا ما استثنينا الجهد الواضح الذي بذَلَهُ الدكتور عمر بن قينة في كتابيه: ( اتجاهات الرحالين الجزائريين في الرحلة العربية الحديثة ) و(الشكل والصورة في الرحلة الجزائرية الحديثة) ، الصادريْن سنة 1995، والتفتنا إلى غيره ، فإننا لا نكاد نرى إلاَّ الخَلاَء !.
في هذه المفازة الخالية ، ووسط هذا الفراغ العلمي الرهيب ، تشقُّّ الباحثة الجزائرية الجادّة الواعدة (الخامسة علاوي) طريقها الشاق إلى أدب الرحلات ( أو الأدب الجغرافي كما يسميه المستشرق الروسي اغناطيوس كراتشكوفسكي ،أو الأدب السياحي كما سمّاه – مؤخرا – الناقد الجزائري الكبير عبد الله الركيبي ،….) في رحلة علمية عسيرة ، تعْتوِرها عقباتٌ كأْداء ، شاقة المصْعد ، صعْبةُ المرتقى ، مادتُها (الرحلة الأدبية) ، وموضوعُها(العجائبية) : أحلاهما مُرّ ، وأَسْهلُهما صعْب ؛ فكلاهما مُرْدَفٌ بعشرات علامات الاستفهام والتعجب في ذاكرة المتلقي …. . من هنا ، وضمن هذا السياق ، يكتسي كتاب( العجائبية في أدب الرحلات ) قيمة نوعية عالية في المسار الثقافي الجزائري خصوصا ، والعربي عموما .
صدر الكتاب عن منشورات جامعة قسنطينة ، سنة 2006، في 220صفحة وينبني على مدخل ثلاثة فصول ، يتقصى المدخل أدب الرحلات مفهوما وتجنيسا ، بينما يحيط الفصل الأول بجملة من المفاهيم النظرية المتعلقة بالأدب العجائبي ( العجائبية لغة ، العجيب في التراث العربي ، العجيب في الثقافة الغربية، الحدود المتاخمة للعجيب والغريب عند تودوروف ، ترجمة المصطلح، المجالات القريبة من العجائبي ،….) ، أما الفصل الثاني فيتعلق بالبنية العجائبية في النصوص الرحلية القديمة ؛ حيث يتقصى تمظهرات العجائبية في بعض النصوص السردية القديمة، لينتقل إلى البنية السردية في الرحلات ثم يختتم بإشكالية تلقي العجائبي وتجليات المتخيل في المحكي العجائبي . وأما الفصل الأخير فيرمي بثقله المعرفي التحليلي النقدي في أعماق رحلة عربية استثنائية ( تاريخيا وفنيا ) ، هي رحلة أحمد بن فضلان إلى بلاد الترك والروس والصقالبة ، عبْر التوغّل في مكنونها العجائبي توغّلا لا يغفل الإحاطة التاريخية بالرحلة والرحّالة ، والوقوف عند خصائص عصر الرحالة ودواعي السرد العجائبي ، مع وقفة تحليلية مطوّلة عند البنية العجائبية للرحلة ، تنتهي عند الوصف العجائبي ووظائفه . وكلّ ذلك بآليات نقدية علمية صارمة ولغة شائقة ممتعة …. . لقد اهتدت صاحبة هذا الكتاب إلى موضوع في غاية الأهمية والطرافة ، لأنّ الموضوع العجائبي كان قاسما مشتركا بين مجموعة من الرحلات العربية القديمة ( التي آثرتْه واحتفتْ به ، ولم تجدْ من الدارسين مَنْ يحتفي بها قبل ظهور "الفونتاستيك" الغربي ، والتي لو قرأها تزفيتان تودوروف لأعاد النظر في بعض فصول كتابه:( مدخل إلى الأدب العجائبي ). لعلّ عناوين مجمل تلك النصوص أن تشير إلى عجيب أو غريب :
  ( عجائب البلدان ) لأبي دُلَف الينبوعي (305- 385هـ) .
  ( المعرب عن بعض عجائب المغرب ) لأبي حامد الغرناطي (473- 565هـ ) .
  ( تحفة الألباب ونخبة الإعجاب) للغرناطي كذلك.
  ( عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات ) للقزويني (605- 682هـ ) .
  ( خريدة العجائب وفريدة الغرائب ) لابن الوردي (ت 749هـ).
  ( تحفة النظّار وغرائب الأمصار وعجائب الأسفار)لابن بطوطة(703-776هـ)..
كما ركّزت الكاتبة كتابها على عصْرٍ عجائبيّ السّمات ، هو القرن الرابع الهجري الذي تدلّنا أحداثه التاريخية على أنه قد حدث فيه ما يدعو إلى العجب ؛ فقد وَلَدَتْ بَغْلةٌ فِلْوًا( جحْشًا)! سنة 300هـ، ووقع الخوف من حـيوان ( الزَّبْزَب ) الـذي كان يُرى بالسطـوح، سنة 304هـ ، فكان يأكل الأطفال ويقطع أثداء النساء !، وفي سنة314هـ جمدت مياه دجلة بالموصل، وعبرت عليها الدواب في سابقة غير معهودة !… .
إنّ منطلق رحلة ابن فضلان ( الموضوع المركزي للكتاب ) يَشي – أصلا – بشيء من العجائبية ؛ وذلك أن مَلِك الصقالبة يطلب مساعدة مالية من الخليفة العباسي المقتدر ، هو غنيٌّ عنها في الأصل ؛ إذ يطلب مالا لبناء حصْن يحميه من اليهود الخزر ، وهو يملك أضعَاف ذلك المال ! ، فكأنّ المرادَ هو برَكة الخليفة المسلم لا أمواله ؛ يقول الملك : ".. فوالله إني لبمكاني البعيد الذي تراني فيه وإنّي لخائفٌ من مولايَ أمير المؤمنين ، وذلك أني أخاف أن يَبلُغَه عنّي شيء يكرهه ، فيدعو عليَّ فأَهلِك بمكاني وهو في مملكته وبيني وبينه البلدان الشاسعة "، ثم يضيف : " ولو أني أردتُ أن أبني حصْنا من أموالي من فضة أو ذهب لما تعذّر عليّ ، وإنما تبركتُ بمال أمير المؤمنين فسألتّه ذلك "!… .
ممّا يُحسَب للباحثة ، في كتابها هذا ، أنها رمتْ بثقلها العلمي في رحلة إشكالية قديمة مكتنفة بغموض تاريخي كبير كغموض تاريخ صاحبها الذي لا تعرف عنه المصادر التاريخية أكثر منه أنه "أحمد بن فضلان بن العباس بن راشد بن حماد ، مولى القائد العباسي محمد بن سلمان ، وسفير الخليفة المقتدر إلى بلاد الترك والروس والصقالبة " دون أن تقوى حتىّ على تحديد سنة ميلاده أو وفاته ، ومن أراد أن يفعل أكثر من ذلك ، كعمر رضا كحالة في " معجم المؤلفين :1/220" ، قال:"…كان حيـًّا سنة 309هـ-921م "!، وكلّ من يَعرف أنّ هذه الرحلة قد حدثت سنة 309هـ، لا يملك إلاّ أن يضحك بصوت عالٍ من تحصيل الحاصل هذا، لأنّه لا يعقل أن يقوم شخص ميِّتٌ بمثل تلك الرحلة الدنيوية ! … .
إننا نتساءل : إذا كان أحمد بن فضلان فقيها عارفا ومجادِلاً مقْنعا وكاتبا متمكنا (على نحو ما تبرزه اللغة الإبداعية الفنية العالية التي كتب بها رحلته )، إلى درجة تأهيله لقيادة وفد حضاري بهذا الحجم ، في رحلة تاريخية على هذا المستوى ، فلماذا غيَّبته المصادر التاريخية إلى هذا الحد ؟! ولماذا لا نجد ذكرا لهذه الرحلة العظيمة في (تاريخ بغداد )أو(تاريخ الخلفاء)أو غيرها من أمهات الكتب التاريخية ؟! لماذا يعْقد السيوطي مَسَارد لأشهر الأموات في عهد كل خليفة ضمن (تاريخ الخلفاء ) لا نجد فيها إيماءً إلى ابن فضلان ؟! لماذا يثني ياقوت الحموي على ابن فضلان ، في (معجم البلدان ) ، ويأخذ عنه ، ويصف رحلته بالقصة المشهورة ، ثم يسقطه من (معجم الأدباء ) المؤلَّف بعد ( معجم البلدان ) ، ولا يذكره حتى في "طبقة الموالي "؟! ولماذا لا يُشار إلى ابن فضلان – قطعا – خارج الحديث عن ذلك الوفد المرسَل إلى بلاد الروس والصقالبة ؟! أليس من الحيْف على ابن فضلان ، والجوْر على رحلته ، أن يغمط حقّه عربيا في وقت تعده روسيا والدول الاسكندنافية جزء من تاريخها القديم ؟!…. لعلّ هذا ما تريد أن تقوله الخامسة علاوي في كتابها هذا الذي ينفرد بإعادة النظر في جملة من المسلمات الأدبية المتعلقة بالرحلة والرحالة وبأدب الرحلة عموما، بل يطرح رؤى بديلة وينافح عن أفكار جديدة . ذلك أنّ الباحثة تخوض خوضا جريئا في جنسية أدب الرحلة ، وتحاول أن تبحث عن موقع له ضمن نظام الأجناس الأدبية : هل هو قصة أو رواية أو سيرة ذاتية ؟ أو هو البديل العربي للقصة والرواية في أوروبا ، كما يرى فؤاد قنديل في كتابه (أدب الرحلة في التراث العربي )؟ لتنتهي إلى أنه " ملتقى الفنون "؛ فهو نمط خاص غير مستقل بنفسه ، بل شكل متقدم مما يعْرف اليوم بتداخل الأجناس الأدبية ، أو "الكتابة ضد التجنيس" كما يسميها معجب الزهراني …. .
كما أنها تدْلي برأي نقدي شُجَاع يقضي بإخراج الرحلة الخيالية من حظيرة أدب الرحلة وتُعيد التأريخ لأدبية الرحلة بالقرن الرابع الهجري (مع ابن فضلان الذي قال عنه محقق رحلته سامي الدهان إنه: لا يبتعد عن أسلوب الأديب ولا يتقرّب من أسلوب الجغرافي )، وليس القرن السادس كما جرت العادة ؛ إذ إنّ المبحث العجائبي في أدب الرحلة لم يقترن بابن فضلان بقدْر ما اقترن بالغرناطي وابن بطوطة … . وفي رأي جريءٍ آخر (قد يكون محض تخمين !) تقول الباحثة بفارسية ابن فضلان ! ، الذي لا نعرف عنه – في الأصل – أكثر من أنه موْلَى ؛ وحجتها في ذلك أنّ الفضاء الإيراني لم يُثِره ولم يصفه في الرحلة ، وهي ملاحظة كان الدكتور عبد الله إبراهيم قد أومأ إليها في كتابه ( المركزية الإسلامية) ، لكنه لم يجرؤ على الوصول إلى تلك النتيجة ، بل اكتفى باندهاشه من أنّ "ابن فضلان يخترق العالم الإيراني دون أن يُبـدي تطلعـات استكشافية ، لا يستوقفه منه شيء إلى أن يبلغ تخومه الشمالية الشرقية في بخارى…"(ص102). لم يحسم التاريخ – بعْدُ – في الجواب عن سؤال : إلى أين وصل ابن فضلان وعلى أي طريق عاد إلى بغداد ؟! . لكنّ كتاب الخامسة علاوي متحمس جدا لإمكانية أن يكون طريق العودة هو نفسه طريق الذهاب ، ولذلك فإنّ الرحالة لم يكن بحاجة إلى وصف ما جرى في طريق العودة ، لانّ همه الأصلي ليس كتابة رحلة وإنما قيادة وفد ، وإذن فالرجوع لا يحتاج إلى تدوين ، بل إنّ الورقة أو الورقتين الضائعتين من الرحلة كافيتان لتلخيص ذلك ، وهذا تفكير منطقي – في تقديري – من شأنه أن يضع حدا لإشكالية العودة ومسألة الصفحات القليلة الضائعة من مخطوط الرحلة في وقت واحد.
ومن جهة أخرى فإن الباحثة تنكر المسار الاسكندنافي للرحلة ، الذي يثبته آخرون كحيدرمحمد غيبة وعبد الله إبراهيم ، اعتمادا على رواية (أكلة الموتى) لمخائيل كريكطون . وقد أُتيحَ لي – ذات لقاءٍ علمي حميم – أن أناقش الدكتور عبد الله إبراهيم في هذه المسألة ومسألة أخرى موصولة بها هي صورة ابن فضلان لدى الآخر ، فأصرّ على تاريخية الرحلة إلى النرويج تحديدا (رغم أن النرويج لم تكن مبرمجة في الرحلة ، ورغم أنّ رحلة ابن فضلان ليست رحلة تلقائية سياحية بل هي " رحلة تكليفية "باصطلاح حسين محمد فهيم في كتابه" أدب الرحلات" )، وحجة عبد الله إبراهيم الوحيدة هي أنّ النرويجيين- اليوم- يعدّون رحلة ابن فضلان جزءً من تاريخهم ، كما هي حال الروس المعاصرين الذين لا يعرفون أن أجدادهم كانوا يحرقون أمواتهم- على طريقة الهنود- إلا من خلال رحلة ابن فضلان !… .
وفي مسألة موصولة بما سبق ، ترفض الباحثة صورة ابن فضلان كما رسمتْها الأدبيات الأمريكية (كريكطون) وحوَّلتها إلى فيلمٍ شهير(كان العربي الأمريكي عمر الشريف بطلا له!)، هنا اختلفتُ مع عبد الله إبراهيم ثانية وسألته عن مدى مصداقية استخلاص الحقيقة التاريخية من رواية خيالية ذات مادة تاريخية ( كرواية "أكلة الموتى" )، فأجابني بأنّ الفراغ أو الجزء الضائع من رحلة ابن فضلان قد عُوِّض بمتخيل كريكطون !؛ فكأنّه يعترف بخيالية تلك الصورة لكنّه أثبتها في كتابه( المركزية الإسلامية – صورة الآخر في المخيال الإسلامي خلال القرون الوسطى )، من باب معرفة صورتنا في نظر الآخر، ليس إلا … .
وإلا فمن يصدّق أنّ ابن فضلان المرشد الديني ، الفقيه ، معلم الشرائع ، سيصبح –في الرواية الأمريكية- مغنيا يتغنى بالقرآن وهو سكران – في محلّ يغصّ بالسكارى – حتى يفقد وعيه!، يشرب النبيذ ويشكر الله !، يُمارس المحرّمات مع الاسكندنافيات ! وهو الفقيه الغيور على دينه الذي ظلّ يحارب الاختلاط ويجتهد -كما قال في الرحلة- أن يستتر النساء من الرجال أثناء السباحة في النهر لدى الصقالبة ؟! هل يُعقَل أن يَأتي في آخر الرحلة ما كان ينهى عنه في مطلعها ؟ وإذا سلمنا – جدلا – بأنّه فعل ذلك ، ألم يكن يخشى أن يبلغ الخليفة ذلك؟ وهل يُعقَل أن يسكت الخليفةُ المقتدر عنه ، وهو الذي صلب الحلاَّجَ وقتله ونكَّل به لمجرد أنه تفوَّه ببعض الشطحات الصوفية ؟!… .
إنّ وعْيَ صاحبة ( العجائبية في أدب الرحلات ) بمجمل هذه الاستفهامات التاريخية والفكرية الحادة قد انعكس على كتابها بالوضوح في الشخصية ، والتميز في الطرح ، وعدم الاستسلام لما سلَّم السابقون به . وقد ساعدها على ذلك الكم الهائل من المصادر والمراجع المتنوعة التي أتاحت لها الإحاطة بموضوعها من شتى الجوانب ،و النظر إلى الجانب الواحد من زوايا مختلفة ، فكان هذا الكتاب كشفا جديدا في عالم ( أدب الرحلة ) الذي سيظل دائما في حاجة إلى كشف..
هذه بعض ثمار الرحلة العلمية الأولى ، في حياة الباحثة الخامسة علاوي ، وثمار الرحلات القادمات خيْرٌ وأحْلى وأغْنى وأغْلى إن شاء الله.
يتساءل كثير من الباحثين عن أدب الرحلات ودوره في تاريخ الأدب العربي، والواقع ان أدب الرحلات استأثر بالاهتمام قديما وحديثا وعني به أعلام بارزون عبر مراحل التاريخ ماضيا وحاضرا.. حيث تحدثوا فيه عن مشاهداتهم والأماكن التي مروا بها.. وزيارة المعالم والآثار والمساجد والمكتبات وما تحويه من المخطوطات ووصفها والتعريف بها وزيارة المعالم والمواضع التاريخية.. وما زال هناك عشرات المخطوطات من المؤلفات عن الرحلات لطائفة كبيرة من العلماء لم تنشر بعد..
لذا ينبغي ألا نهمل ادب الرحلات فهو فن متميز ومعلم بارز من معالم الثقافة والمعرفة، فهو كحديقة غناء بها ثمار يانعة ولا تخلو من الأشواك ولقد قيل:
في الذكريات وفي الترحال أشجان
فيها من العلم والعرفان ألوان
أطوف حول زوايا الأرض أدرس أح
وال الشعوب وما صاروا وما كانوا
فالقارىء يطل منه على انماط شتى مختلفة وصور من صور الحياة المتباينة.
ويرى ويشاهد من خلال ذلك عوالم واسعة.. يستقرىء واقعها ويتعرف على بيئاتها وحياتها.. واذا كانت الرحلات فيما مضى عملا شاقا وأسلوبا مضنيا فإنها اليوم بفضل التطور الحضاري والتقنية الحديثة صارت عملا مريحا.
وما اجمل الرحلات التي تفيض بالمشاهدات الحية والملاحظات الطريفة والتجارب الواسعة والمفاجآت والمعرفة عن طريق المشاهدة والمعاينة وتمحيص الحقائق مع القدرة على التعبير والدقة والتصوير.. ومقابلة كل ظرف وحال بما يناسبه من صبر وتحمل.. ويجد فيها القارىء ما يلائمه ويوافقه وكما قال الشاعر:
مستلهماً عِبَر التاريخ أجعلها
قصدي ففيها من التاريخ تبيان
فكم من رحالة امدنا بمعلومات تاريخية وجغرافية تتخللها اشارات ومعلومات عن الحياة وعادات الناس وعن المدن والجزر والجبال والاودية ومختلف الظواهر وما اعظم ان نتدبر قول الله تعالى: {أّوّ لّمً يّسٌيرٍوا فٌي الأّرًضٌ فّيّنظٍرٍوا كّيًفّ كّانّ عّاقٌبّةٍ پَّذٌينّ كّانٍوا مٌن قّبًلٌهٌمً} من سوورة غافر آية 21.
فإن أدب الرحلات حينما يتصدى له العلماء والمفكرون فإنه يظل مخصبا ومفيدا بحيث يبرز فيه الجانب التصويري بأدق واصدق العبارات واعذب الالفاظ واطيبها مما يمتع القارىء ويثير فكره ويورث العبرة.. وذلك بما تشتمل عليه الرحلة من صنوف وفنون وبالقدر الذي يفيد القارىء ويجد فيها ما يلائمه ويوافقه ويزيد معارفه ويثري ثقافته.
وهكذا فأدب الرحلات ارتياد لمناهل الثقافة والادب والعلم والمعرفة اذ تبدو البلاد امامه كتابا مفتوحا يقرأ المرء بين ثنايا سطوره دقائق حياة الامم وتاريخها وثقافتها ومآثرها.
___________________________________________


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق