الاثنين، 2 يونيو 2025

رحلة من مدن الخليج الساحلية الى قلب نجد العذية ومنها لعبق الأماكن التاريخية حيث دفء القلوب الندية

رحلة من مدن الخليج الساحلية الى قلب نجد العذية ومنها لعبق الأماكن التاريخية حيث دفء القلوب الندية
فبين الثالث والعشرين والثامن والعشرين من شعبان لعام 1446هـ، الموافق 22 إلى 29 فبراير 2025م، انطلقت في رحلة من الخبر الى ربيع الشمال متوجها الى نجد العذية ، وكان مروري عبر عاصمة الربيع "النعيرية" وأرخت مرساتي في أحد مزارع  "القرية العليا" حتى حين الانطلاق الى "حفر الباطن" وكل تلك الرحلة انما كانت بحثًا عن الجمال في تفاصيل الأرض وربيعها ودفء اللقاء في صدور الرجال ومن مررت بهم.

 إنطلقت من الخبر، قاصدًا النعيرية والقرية العليا، لأحلّ ضيفًا على أخي الكريم، أبو يوسف مازن الحمودي، في مزرعته البهية، 

حيث احتواني بجود مضافته وسخاء روحه. قضيت ليلةً من أجمل ليالي رحلتي وسفرتي الربيعية وقبيل رمضان لهذا العام ، وقضيتها بين نسائم الطبيعة وكرم الضيافة، قبل أن أتابع المسير صوب الصداوي، ومعرج السوبان… 

 هناك كان لي وقفة لمنظر أسرني واضطرني للوقوف بلا خطة ولا نيّة وكل ذلك بسبب كمية الجمال في ما رأيته بذاك الحقل الزاهي والذي حوى من الورود الوان واشكال ، هناك حيث تفتحت الأرض عن بساط أحمر قانٍ من زهور الديدحان، يغازل لون العشق الوردي لبعضها اعيننا، في مشهد يأسر القلوب.

وكل ذلك في المنتزه البري الواقع في مدخل الصداوي ليكون أجمل أستقبال واروع كلمات تستقبلك كباقة مزهرة ..
فما اروعها من بلدة وما اجمل زهورها الربيعية المورقة البهيّة.


حفر الباطن.. حيث لكل شاي حكاية

بعد القرية العليا والصداوي ، يمّمت وجهي صوب حفر الباطن، ومررت قبلها بالقيصومة وهي احدى المدن التي انبثقت من مشروع التبلاين وليس قبله وفيها المطار لحفر الباطن ، وتعتبر مدخلا للحفر من الجهة الشرقية تبعد عن الحفر 20 كيلا فقط ، ثم دخلت حفر الباطن. 


 وهي بلدة تاريخية ترجع للصحابي الجليل أبو موسى الأشعري، والذي أسسها عام ١٧هـ حين حفر أول بئر من آبارها ليجعل منها أهم محطة على طريق الحجاج القادمين من العراق في الدرب المشهور( درب الحاج البصري) ، ومن أسمائها في كتب التاريخ "حفر أبي موسى"، "حفر بني العنبر".
 وواديها البديع، مستكشفًا عبق المكان، ومستمتعًا بأقداح الشاي التي تحكي قصصًا من أصقاع الأرض.

 كانت محطتي الأولى "بيت الشاي" لأبي سلمان الشمري، حيث تذوقت شاي "النهرين" الشهير، برائحته الزكية ونكهته العميقة، إلى جانب أنواع نادرة تجسد ثقافات الشعوب. ولم يكتمل شغفي إلا بزيارة "شاهي 78"، ذاك المقهى الذي يعيدك إلى سبعينيات القرن الماضي، بتصميمه العتيق ونكهاته الأصيلة. 
والمحل له فرعين وشايه يضرب المخيخ الاعلى ومن المعروف أن ذائقة اهل حفر الباطن واهل حايل للشاي عالية الطلب ، ولا عجب ان يجمعوا أفضله وأجمله .
واكملت جولتي عبر أزقة السوق القديم، استرجعت ذكريات الأمس، قبل أن أكون ضيفًا على أبي سعود نواف الفضلي، بحضور والده الكريم، في لقاء عامر بالودّ والكرم.
ثم بعد قضاء يوم في الحفر اتجهت على طريق الرياض جنوبا متجها للزلفي مرورا بمدينة الملك خالد العسكرية والبطيحانية وام الجماجم وام طليحة والارطاوية لاتجه غربا عبر روضة السبلة ومن المطل الشرقي من طويق اذ ترحّب بي مدينة الزلفي البديعة.. 

رحلة لواحات الزلفي بين نفوذها وعقلها. 

دخلتها من مطلاتها الفريدة، فأطلّلت عليها آتيا من الشرق عبر "مطل طويق الشرقي"، حيث رحبّت بي المدينة المتجددة، والمتطورة دوما ومن الغرب الى "مطل الثويرات الرملي"، حيث النفود تحتضن الأفق. احتسيت هناك شاي "وجار" الشاي الزلفاوي" الأصيل، قبل أن أتجول بين "عِقَلِها" -جمع "عقلة" - وهي اماكن سكنى أهل الزلفي قديما أتخذو واحات من النخيل بديعة لسكناهم ، وحيث تبدو الرمال كأكاليل من زهور الزمن. 
وقفت عند أحدها وهي "عقلة المر"، موطن جدي لأبي إبراهيم الدغفق، حيث تلتقي جذور العائلة برمال الصحراء، في مشهد يبعث الدهشة. بتّ هناك، رغم البرد القارس الذي لامس ثلاث درجات مئوية،
عقلة المر موطن جدي ابراهيم الدغفق

 وقرب عقلة المر هناك منظرا يحج اليه محبو غرائب الامور واعجبها متمثلا بطريق مسفلت ومعتنى به وكانه يؤدي الى مدينة حديثة وانت في مساره وفجأة اذ بك تصطدم بكثيب رملي يقطع عليك هواجيسك وجمال واناقة الطريق لتدخل الى عالم آخر من عوالم الرمال والصحاري ورمال الثويرات البديعة.. 

 ثم أكملت رحلتي مع بزوغ الفجر متجها لأحدى مدن الوسم العريقة لأحط رحالي هناك.

عنيزة ثم أشيقر.. حيث الأصالة والهدوء

مررت عنيزة، وزرت منتزه "الطويريب"، لكنه لم يكن على مستوى التوقعات، فاكتفيت بجولة قصيرة، فعنيزة زرتها مرارا واردت اختصار الوقت للذهاب وإكتشاف الجديد ، لأتابع نحو أشيقر، تلك البلدة التراثية المتجددة حيث وجدت المكان ينبض بالتطوير والتاريخ معا
ورغم أنه لا يفتح أبوابه إلا في مواسم محددة ، فقد سعدت باكتشاف مكان جميل أسمه "منتجع جدي حمد"، ذلك البيت الذي تحيطه النخيل، ويقدم وجباته في أجواء تراثية آسرة وحولة دور وشيجر ومزارعه وارفة الخضرة باسقة بنخيلها الشامخة 
ومن هناك، انطلقت عبر "مسار تاريخي لتجار نجد"، وهو درب هايكنج بطول سبعة كيلومترات، يمر بقرية الفرعة إلى مدينة "شقراء" ، حيث تتعانق الهضاب مع التاريخ. ووصلت قرية شقراء التاريخية وزرت "قصر السبيعي" وسوق "حليوة" التراثي، قبل أن أواصل المسير شرقًا، نحو بلدة القصب، مرورا بثرمدا ومرات ولم اتوقف متجها للقصب حيث تنتظرني مفاجآت الملح والتاريخ هناك.

 مملحة القصب.. كنز الملح المدفون

رحلتي إلى مملحة القصب حينما يتحدث الملح بلغة الأرض وزمانه. 
حين اقتربت من مملحة القصب، كان المشهد أمامي أشبه بلوحة بيضاء رسمتها الشمس والرياح عبر العصور. مدّ البصرُ بحرٌ من البرك اللامعة، تتلألأ تحت أشعة الشمس وكأنها مرآة تعكس نقاء الملح وصفاء الأرض. هنا، حيث تلتقي الجيولوجيا بالصبر، وحيث لا يزال الإنسان يخوض صراعًا هادئًا مع الطبيعة لاستخراج كنزها الأبيض.

سلكت دربًا ترابيًا متعرجًا، تحفّه كُثبان الملح المتراكمة، حتى وصلت إلى قلب المملحة، حيث يقف العمال بملابسهم البسيطة وأيديهم التي أكلتها الشمس، منهمكين في مراقبة المياه المتبخرة وترسب الملح في البرك. على بعد خطوات، رأيت جفرًا عميقًا يحاكي الآبار التقليدية، لكنه لا يبحث عن الماء العذب، بل عن ماء مشبع بالملح، تُسحَب منه المياه إلى البرك المجاورة، حيث تبدأ عملية التبخير تحت أشعة الشمس اللاهبة.

جلست على صخرة قريبة، أراقب كيف يتحول السائل إلى بلورات صلبة، وكيف يأخذ الملح شكل الحياة التي منحته إياها الأرض، فإما أن يُجمع يدويًا بمجاريف خشبية كما كان يُفعل منذ قرون، أو يُضخ إلى خزانات الطين، ليبدأ رحلته نحو المعالجة والتعبئة.

أحد كبار الملّاحين هناك، بوجهه الذي نقشته السنون وابتسامته التي تعكس فخره بما يصنع، اقترب مني وقال: *"نحن لا نحصد الملح فقط، بل نحصد إرثًا عمره قرون… هذه الأرض تعطي لمن يصبر عليها، وهذا الملح، رغم بياضه الناصع، هو نتاج تعبٍ طويل وصبرٍ كبير."*

أخبرني عن تطور المهنة، كيف كانت قديماً تُعتمد فقط على الطبيعة، وكيف توسعت البرك وزادت الطاقة الإنتاجية، حتى أصبحت جفار القصب تنتج ثلث احتياج المملكة من الملح. نظرت إلى الأفق، حيث كانت أكياس الملح مكدسة بانتظار رحلتها إلى الأسواق، وتساءلت كيف أن هذه الحبيبات الصغيرة، التي لا يخلو منها بيت، تحمل في داخلها قصة طويلة من الكفاح والتاريخ.

وتحتاج برك الملح من شهرين إلى 3 أشهر لإنتاج حوالي 100 ألف كيس من الملح (5 كيلو للكيس).
وللعلم فان إنتاج الملح العالمي يبلغ (273.8 مليون طن) في 2023، كما ارتفع إنتاج السعودية من الملح إلى (2.5 مليون طن) وتحمل المملكة المرتبة 36 بين دول العالم ملحيا. 

مملحة ومنتجع المقحم النموذجية

زرت منتجع المقحم الملحي الجميل والأول على مستوى الخليج العربي حيث استغل أحدى الجفر "حفرة الملح" لتكون موقعا للإستجمام للزوار واماكن استراحة بين ثنايا البركة المتسعة وقد بنيت امواخ من القصب مرتفعة ليتخذ الزوار البركة ممشى ومسارا يخوضون بأقدامهم الملح الطبيعي ومافيه من علاج من اليود والأملاح المعدنية المتنوعة

والمكان مخدوم بالطرق والمرافق ووسائل الراحة ورايت زوار من المملكة والأجانب يفدون اليه لجمال تصميمه وروعة فكرته الاستجمامية النادرة ..
فشكرا للمقحم اضافة هذا الموقع الفريد ضمن مواقع الجذب السياحي بالمملكة ، مع مافي القصب من مواقع تاريخية مميزة أخرى سنتحدّث عنها تفصيليا. 

أول مسجد ملحي تحت الارض بالمملكة وربما بالعالم

في أحد أركان منتجع مملحة المقحم النموذجية ، وقفت أمام "المسجد الملحي"، وهو أول مسجد في العالم يُبنى بجدران من الملح، يشع بلونه العاجي، وكأنه منحوت من ضوء القمر. تذكرت خلال جولتي غرف "الساونا الملحية" في أوروبا، حيث يُستخدم الملح لعلاج الجهاز التنفسي، وأدركت أن لهذه البلورات سرًا لم يُكشف بعد. 

ومن المسجد خرجت من المملحة وأنا أحمل في ذاكرتي مشهدًا لا يُنسى… مئات البرك اللامعة، صفاء البلورات البيضاء، ورائحة الأرض الممزوجة بالملح… إنها ليست مجرد صناعة، بل حكاية صبرٍ وحكمة، تمتزج فيها الطبيعة بالإنسان في رقصةٍ أزلية لا تنتهي.
بلدة القصب التاريخية.. حين يحتضنك المكان وأهله

مدينة القصب والمعروفة بأنها مدينة «الرمال اللامعة» تقع على بعد 160 كيلومترًا شمال غرب العاصمة الرياض. وتتبع محافظة شقراء التابعة لمنطقة الرياض وتتجاوز مساحتها 1365 كيلومترًا مربعًا ويتجاوز عدد سكانها سبعة آلاف نسمة ، وتنتج الملح المستخرج من جوف الأرض الذي يغطي ثلث احتياجات المملكة من الملح
القصب مدينة الملح والتاريخ والكرم الذي يأسر القلوب

عندما غادرت مملحة القصب، كنت أظن أن رحلتي نحو هذه البلدة التاريخية ستكون زيارة عابرة، لا تتجاوز النظرة الخاطفة على تراثها وأزقتها، لكن للقصب سحرًا لا يُرى بالعين وحدها، بل يُشعر بالقلب، وكأن الأرض ذاتها تُصر على إبقاء زائريها بين أحضانها أطول مما خططوا له.
ما إن وصلت إلى مدخل البلدة حتى لمحت لوحة القرية التراثية، وكانت تعج بالحياة، السيارات مصطفة، والزوار يملأون المكان، فقررت العودة أدراجي تجنبًا للزحام. لكن أحد المنظمين، بعفويته وإصراره الجميل، أوقفني بلطف وأكد لي أنني لن أندم على الدخول، وأن القصب ستأسرني بجمالها وأهلها. لم أستطع إلا أن أستجيب لهذه الدعوة الصادقة، وكم كان محقًا! فقد كنت أنوي قضاء نصف ساعة فقط، لكنني مكثت أكثر من ست ساعات، بل كدت أبقى ليلتي هناك لولا التزاماتي اللاحقة.
كرم أهل القصب بأبهى صوره

استُقبلت بحفاوة مدهشة، رجالًا ونساءً، شبابًا وكبارًا، جميعهم يبثون في المكان دفئًا خاصًا. وما إن خطوت في أزقتها حتى أسرني *"أبو نورة، ناصر الغانم"* ، الذي لم يتركني إلا بعد أن أخذني في جولة شاملة داخل القصب، وختمها بعشاء كريم ودعني به وكأنني فرد من عائلته، بل كاد يقنعني بالمبيت في منزله!

أخذتني جولتي بين أحياء البلدة وأسواقها القديمة، وكانت البداية من بيت شيخ القصب عبدالله بن عبدالوهاب بن زاحم، الذي وافته المنية عام 1374هـ وهو من رجالات الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه ورحمهم الله جميعا. حفيده كان هناك، يشرح للزوار كيف تحول هذا البيت العريق إلى محكمة في حقبة من الزمن. من هناك، تابعنا نحو قصر إبراهيم الراشد، ثم عبرنا منعطفات القصص التاريخية التي تشكلت بين جدران البلدة العتيقة.

مررنا بإحدى أبرز ديوانيات القصب، ديوانية المنيع من آل عاصم من قحطان، التي تفتح أبوابها طوال العام، ثم وصلنا إلى بيوت السويد والجريان، حيث كان الجميع متواجدين، كبارهم وصغارهم، في استقبال الضيوف، مقدمين العود والقهوة والتمر مع ابتسامات صادقة تعكس أصالة أهل القصب.

ما لفت انتباهي هو ذلك الترابط الاجتماعي القوي، وكأن الجميع يعرف بعضهم بعضًا، فلا تمر برجل أو امرأة إلا ويكون له صلة قرابة أو معرفة بأحد أبناء البلدة. كان أبو عبدالله، أو كما يحب أن يُدعى أبو نورة ناصر الغانم، يعرف كل شخص التقينا به، وكل واحد منهم لديه قصة، جارة الأم، صديق الطفولة، ابن الجار القديم، وهكذا… هذا التداخل الجميل جعلني أشعر وكأنني بينهم منذ سنوات، وليس مجرد زائر عابر.

كان من الملفت أيضًا رؤية رئيس مركز القصب، الأستاذ سعد بن إبراهيم القاسم، وهو يتجول بين الناس، يتفقد الزوار والمشاركين في الموسم، ما يعكس روح الاهتمام بالمكان وزواره. ومن هناك توجهنا إلى دار الحمد (الداغر)، حيث استقبلني أحد أبناء العائلة بجولة داخل المنزل العامر، ثم أهداني رمزًا للقصب: علبة شفافة تحتوي على ملح، مع فنجال صغير يرمز إلى مكانة الملح في حياتهم.

ثم انتقلنا إلى ركن مختلف من القصب، حيث التقينا بالفنان التشكيلي عبدالرحمن بن زاحم، الذي أبدع بتشكيلات خشبية ساحرة تعكس لمسات فنية ذات طابع سريالي. وبعد ذلك مررنا على منزل الشعلان والمحارب والفضل "الفضلي"، ثم المساجد القديمة في البلدة، مثل مسجد لبدة، مسجد الشعبة، والمسجد الجامع (جامع القصر)، وهو الأكبر في القصب.

عبق الماضي ونكهات التراث في اسواق القصب. 

لم تكتمل الجولة دون زيارة الأسواق التقليدية، حيث تجولت في سوق العبيدي، مرورًا بأجنحة الطعام في الموسم، التي قدمت أشهى المأكولات الشعبية مثل المرقوق، الجريش، الكليجة القصبية الأصيلة المقرمشة، وقرص عمر، ذلك الخبز المميز المصنوع من القمح والسكر مع لمسة من الكركم والملح.

أما المطاعم الحديثة فقد أضافت لمسة عصرية للمكان، ومن أبرزها مطعم "كبوتيك BK"، الذي صُمم ليكون من أجمل الساحات القصب، إضافة إلى مشاركة مطاعم "ماما نورة" و"سولت (Salt)"، التي بدأت رحلتها من الخبر ثم جابت العالم لتجد لنفسها مكانًا هنا في القصب، في قلب موسمها الفريد.

القصب مدينة حفرت تاريخها وعمّرت دورها من الأرض ومنها.

ما يميز القصب هو وجود (نقر) وهي "حفر" منتشرة في أنحائها، وهي حفر قديمة اُستخدمت لاستخراج الطين لبناء المنازل، وقد مررت على ثلاث منها، حيث شعرت أنني أمام شاهد حي على تقاليد البناء النجدية العريقة. 
كما تمتلك القصب ثلاث بوابات تاريخية:

البوابة الغربية (باب الحوطة).

البوابة الشرقية (باب المجيبيب)، تصغيرًا للمجبب كونه مسقوفًا.

البوابة الشمالية (باب البرج الشمالي)

وبني سور حولها على طريقة العقادة وهي صب كمية من الطين الممزوج بالتبن المخمّر لايام ، وعلى طول إمتداد السور في اول الامر ، ثم إكمال العقادة وسميت عقادة تشبيها بالعقد المحيط بالرقبة وهو كعقد من الطين فوق العقد الاول ، وحتى نهاية بناء  السور ، وهي ميّزة بناء تقوي السور من الهجمات وتمنع تسلل المياه لأساساته عن الطريقة العادية وهي البناء باللبن الطيني. 

بلدة القصب التاريخية

تقع بلدة القصب وسط نجد، وتتميز بمبانيها الطينية التي شُيّدت وفق أسلوب معماري يعكس بيئتها، حيث استخدمت الطين المتوفر محليًا، بينما كان الحجر نادرًا ويُجلب من مناطق بعيدة، مما جعله عنصرًا محدود الاستخدام في البناء. اعتمدت أسقف المنازل على خشب الأثل وجريد النخل وجذوعها، مما منحها قوةً واستدامة طويلة. أما الأبواب، فقد صُنعت من جذوع النخل المنشورة، وشُدّت بألواح خشبية ومسامير طويلة، مما جعلها قوية متينة.

تضم منازل القصب عدة أقسام، منها المضافة وتسمى "القهوة" أو "الروشن"، وهو المجلس المخصص للرجال، ويكون أحيانًا في الدور العلوي بمدخل منفصل. كما تحتوي المنازل على "الصفة"، وهي غرفة تخزين المؤن، و"بيت الحطب"، و"بيت الخلاء"، الذي أحيانًا يُبنى كبرج متصل بالأرض لتنظيفه. تتميز المنازل بنوافذ مثلثة ونقوش زخرفية تزين واجهاتها، وقد بُنيت بمهارة مكتسبة عبر الأجيال دون تدخل مهندسين.

أما شوارع القصب القديمة، فهي ضيقة، تتراوح بين مترين وثلاثة أمتار، صُممت لمرور الناس والدواب، وليس السيارات. كما تضم القصب "الأبراج" الدفاعية، وهي هياكل مرتفعة لحماية البلدة، و"المجباب" أو "الصاباط"، وهو ممر مسقوف تعلوه غرفة سكنية. وعلى تل شرق البلدة، يوجد "المرقب"، وهو برج مراقبة يُشرف عليه "الرقيبة"، وهو رجل ذو نظر ثاقب يراقب الطرق المحيطة بالقصب.

في المقابل، تحمل القصب الحديثة طابعًا عمرانيًا حديثًا، حيث شُيدت بالمباني المسلحة، وسُفلتت شوارعها، وأُنشئت فيها الحدائق والخدمات الحكومية والمدارس الحديثة، مما يجعلها مزيجًا متناغمًا بين الأصالة والتطور.

الرحيل بصعوبة… والعودة حتمية

حين دقت الساعة التاسعة مساءً، ومع اشتداد البرد، كنت قد اتخذت قراري بالخروج، لكن لم يكن سهلاً انتزاع نفسي من هذا الدفء الإنساني والكرم الذي شعرت به طوال اليوم. بعد جهد طويل في توديع من تعرفت عليهم، انطلقت نحو الرياض، لكن إرهاقي من الرحلة جعلني أتوقف عند مدخل ثادق، في منتزه عبيثران، حيث وجدت مسجدًا صغيرًا، جزى الله من بناه خيرًا، فكان ملاذًا لأخذ قسط من النوم، إذ كانت درجة الحرارة قد وصلت إلى 4°.

استيقظت مع ساعات الفجر الأولى، وأكملت رحلتي نحو الرياض، لكنني كنت أعلم أن هذه ليست الزيارة الأخيرة… فالقصب لم تكن مجرد محطة عابرة، بل قصة جميلة، وموعدٌ مؤجلٌ للعودة.

الرحال وائل الدغفق 1446هـ
رحال الخبر - القصب.

الخميس، 29 مايو 2025

عبر بوابة الجحيم إلى مهد العلماء مرو مرورا بصحاري الغضا من تركستان الرحال يحييكم.

"عبر بوابة الجحيم إلى مهد العلماء مرو مرورا بصحاري الغضا الرحالة يقدّم بعضا من وجهات تركمانستان"

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ها أنا أكتب إليكم من قلب آسيا الوسطى، من الأرض التي ما تزال تختبئ خلف ستار النسيان، الدولة الغائبة عن خرائط المسافرين وقوائم الرحالة، بسبب قوانينها غير المنفتحة تماماً للسياحة: تركمانستان، البلاد التي تبدو وكأنها توقفت عند لحظة تاريخية لا يشبهها سواها.
ما زلت أتجول بين أروقة التاريخ وجغرافيا العزلة، في بلاد العلم والعلماء، ومهبط أسماء عظيمة في تراثنا الإسلامي، كالإمام أحمد بن حنبل، والنسائي، والبيهقي، والسرخسي. وطئت قدماي أرض مرو، المدينة التي عُرفت حديثاً باسم "ماري"، وكانت يوماً ما منارات الحضارة ومراكز المعرفة في الخريطة الإسلامية الكبرى.
انطلقت من العاصمة عشق آباد، المدينة الغريبة بتصاميمها البيضاء، التي تختلط فيها الحداثة بالصرامة، ثم واصلت رحلتي إلى أعماق صحراء قرة قوم، تلك الصحراء الممتدة بجلال مهيب، حيث زرت "بوابة الجحيم" أو كما يسميها السكان المحليون "دَروازة"، واسميها "دحل جهنم" وهذه الفوهة الغازية تشتعل نيرانها منذ عقود دون انقطاع، في مشهد سريالي كأنما خرج من سفر من أسفار الأساطير.
ويوجد فوهتان أخريتان احداهما فيها ماء والغاز يخرج على شكل فقاعات والأخيرة فوهة فارغة.. 
وفي قلب هذه الصحراء نفسها تقع أكبر محمية طبيعية لنبات "الغَضى"، أو كما يسمى في اللهجة المحلية "أوجار"، وتغطي هذه المحمية مساحة شاسعة تُقدّر بألف كيلومتر طولاً وخمسمائة كيلومتر عرضاً، في مشهد نباتي فريد يثير دهشة الناظر ويستفز خيال المستكشف.

كما رأيت الجمل التركماني قصير القامة، الذي يحمل ملامح التكيف الصحراوي العجيب، ووقفت أمام الخيول الأسطورية من سلالة أخال تيكي، التي تباهي بألوانها اللامعة بين اللؤلؤي والذهبي، وتحظى بعناية خاصة من الدولة وتُعد رمزاً وطنياً لتراثها العريق.
أما الحدود، فهي تحكي قصة العزلة والانفتاح معاً: شمالاً تجاور أوزبكستان، وجنوباً تمتد صحارى خراسان ونيسابور على مشارف إيران، في تداخلٍ جغرافي يحمل عبق التاريخ وسكون السياسة.
ما زال في جعبتي الكثير عن هذه الأرض، التي تتراقص فيها الظلال بين الجمال الغريب والانغلاق البديع.
انتظروني، ففي قادم ماساكتبه عنها وبمشاركتكم تقريري الشامل لرحلتي لهذا ااباد الجميل.. 
 وساروي تفاصيل رحلتي إلى هذه الدولة المنسية، علّه يعيدها إلى ذاكرة المسافرين، ويمنحها مكانها اللائق على خارطة العجائب.
وائل الدغفق الاول من ذي الحجة. 1446هـ 
ابو ابراهيم رحال الخبر مايو 2025.

لكل عشق بداية وفي عشق اباد كانت البداية

من هعاصمة المرمر الابيض ببياض الثلج وطات اقدامنا لقلب آسيا الوسطى، حيث تعانق رياح الصحراء جبال الكبرياء، هنا يقف الشعب التركماني على أطلال قبائل عريقة، يحفظ ذاكرة الرمل والحرير، ويعجن أيامه بعجين التقاليد المتجذرة. تتشابك خيوط السجاد في منازله، لا لتدفئة الأرض فحسب، بل لتروي تاريخاً من الألوان والنقوش التي تنطق بلهجات القبائل المختلفة:
" تيكه، يموت، إرساري " وغيرها، كأنها قصائد منقوشة على صوف الزمن.

التركماني لا يستقبل الضيف، بل يفتح له القلب قبل الدار ويضع الخبز والملح أمامه كأنها عهد وفاء. في أعراسه، تمتزج الطبول بخيول أخال تيكي الأصيلة، وتتناثر ضفائر العرائس المطرزة كزينة لليالي السمر.
هنا، للإسلام الحنفي ظلالٌ خفيفة تسكن العادات، وللنوروز إشراقة ربيعية تشعل الميادين بالغناء والرقص والأكلات الشعبية.
تعيش الروح التركمانية بين الصوف والمعدن، بين الخيل والسجاد، بين قبائل لم تنسَ أسماءها ولا حكاياتها، وإن مرّت عليها رياح التغيير.

تركمانستان من عشق اباد الناصعة البياض الى مرو وتاريخ واصول الى دروازة الحمراء الملتهبة .

تركمانستان بين الجغرافيا والاقتصاد

تركمانستان جغرافيا :تتوسط جمهورية تركمانستان آسيا الوسطى، تحدها أوزبكستان وكازاخستان شمالا ، وإيران جنوباً، وأفغانستان جنوب شرق، وبحر قزوين غرباً.
مساحتها 491,000 كم²، بطول 1100 كم من الغرب إلى الشرق، و650 كم من الجنوب إلى الشمال.
المناطق الجبلية 
الاكبر (جبال جوبيداغ kopetdag) وارتفاعها حول 3000 متر عن سطح البحر جنوب عشق اباد .
وثانيها (جبال جويتنداغ koytendag) تقع شرق تركمان اباد،  
والثالثة (جبال بلقان balkandag ) تقع شمال تركمان باشي من جهة بحر قزوين. 
الصحاري: 
وتشكل صحراء قره قوم نحو 80% من أراضيها، وتُعد من أكبر الصحارى الرملية في العالم. من أبرز معالمها أيضاً طريق الحرير القديم الذي كان يمر من الصين إلى سواحل البحر المتوسط.
وفيها نباتات رعوية وبعضها كحطب مثل "الغضا" والذي يسمى محليا "اوجار" والنبات الاكثر شيوعا ايضا "يانتاق" وهو رعوي وكذلك "سوسن" وهو رعوي ايضا. 
والبلاد تقع في منطقة زلزالية نشطة، ويغلب عليها مناخ صحراوي شبه مداري شديد الحرارة صيفاً بارد قارس شتاء.
سكان تركمانستان عام 2024 قرابة 6.5 ملايين نسمة، حسب تقديرات الأمم المتحدة.

الطرق
الدولة فقيرة بالطرق ولعل الطريق الوحيد والمنشأ حسب النظام العالمي للطرق وبلا اي عوائق بين الولايات التركمانية هو طريق العاصمة "عشق آباد ومرو" ذو الـ350كلم والمزدوج وفيه استراحات ومحطات وقود ممتازة لخدمة المسافرين. 
اما الطرق الاخرى فاقل مايقال فيها أنها طرق صحراوية ذات اسفلت منذ العهد السوفييتي مشققة وذات حفر ولو استغنو عنها بالطرق الترابية لكان أفضل منها.

العاصمة واهم المدن: عشق آباد، حيث شهدت العاصمة عمليات تطوير وتحديث عمراني واسعة لتجميل المدينة، حيث دخلت موسوعة غينيس كأكثر مدينة تحتوي على مبانٍ من الرخام الأبيض. ومن أبرز المدن الأخرى: تركمانباشي (ميناء على بحر قزوين)، وماري التاريخية، وبلقان أباد وهناك قرى متعددة في الصحاري بنيت من الشينكو (صفيح) وبعض القرى الزراعية وذات انتاج زراعي كقرية  ومن القرى الجميلة حول عشق اباد "نوخور" وتعني تسعة قرود وتقع للغرب من عشق اباد. 
  وقرية "جوه تبة" وتعني التلال الزرقاء وتقع جنوب العاصمة عشق آباد .

وهنا قائمة بأهم المدن الإسلامية والتاريخية في تركمانستان.. 

 اسمها الاعجمي مرو الشاهجان"مرو"
الاسم الحديث: Mary (ماري)
كانت عاصمة خراسان الكبرى، مدينة علم وجهاد، دُفن فيها عدد من الصحابة وخرج منها كبار المحدثين والفقهاء ودمرت بالغزو المغولي لجنكيز خان عام.

وقبل فهم المكانة. التاريخية لمرو دعونا ناخذ السجل الزمني لتعاقب الخكم والتأثيرات السياسية في وسط اسيا وماتسمى تركستان ومنها تركمانستان… 

🕰️ التسلسل الزمني لحكم وسط آسيا (تركستان) منذ الفتح الإسلامي وحتى العصر الحديث

🕌 الفتح الإسلامي لتركستان – قتيبة بن مسلم الباهلي
المدة: 87هـ – 96هـ / 705م – 715م
الدولة: الخلافة الأموية
القائد: قتيبة بن مسلم، والٍ على خراسان
أهم الأحداث: فتح سمرقند، بخارى، فرغانة، كاشغر.
التأثير: ترسيخ الوجود الإسلامي في أعماق آسيا الوسطى، وبدء التعريب والأسلمة.

🏛️ الحكم العباسي المباشر وغير المباشر
المدة: 132هـ – 232هـ / 750م – 847م تقريبًا
الدولة: الخلافة العباسية
العاصمة: بغداد
النفوذ: إداري ورمزي عبر الولاة وموالي الترك في سمرقند وبخارى
أهم الأحداث: توطيد الإسلام الفقهي، ظهور المذاهب الفقهية، وازدهار علم الحديث.

🏵️ الدولة الطاهرية (في خراسان وشرق ما وراء النهر)
المدة: 205هـ – 259هـ / 821م – 873م
المؤسس: طاهر بن الحسين
العاصمة: نيسابور
نهايتها: سقطت على يد الصفاريين
الأثر: تمهيد الطريق لاستقلال القوى المحلية عن الخلافة.

👑 الدولة السامانية
المدة: 261هـ – 389هـ / 874م – 999م
المؤسس: نصر بن أحمد الساماني
العاصمة: بخارى
السبب في النهاية: سقطت على يد الأتراك الغزنويين
أهم الأحداث:
نهضة أدبية ولغوية فارسية وإسلامية
دعم العلماء كالبيروني وابن سينا
الاستقلال الثقافي عن الخلافة العباسية.

🛡️ الدولة الغزنوية
المدة: 351هـ – 582هـ / 962م – 1186م
المؤسس: ألب تكين، وأشهر سلاطينها محمود الغزنوي
العاصمة: غزنة (أفغانستان)
أهم الأحداث:
توغل في الهند
نشر الإسلام في البنجاب
صراع مع السلاجقة في خراسان
نهايتها : على يد السلاجقة والغوريين.

⚔️ الدولة السلجوقية [نفوذ ممتد]
المدة: 429هـ – 590هـ / 1037م – 1194م
المؤسس: طغرل بك
العاصمة: نيسابور ثم الري ثم أصفهان
النفوذ في تركستان:
توسعوا في خراسان ،وخاضوا معركة دندانقان ضد الغزنويين ، ثم مدّوا نفوذهم الفكري والإداري إلى حدود تركستان
أشهر الأحداث:
إنشاء المدارس النظامية
معركة ملاذكرد
إدارة الخلافة العباسية عمليًا.

🏰 الدولة الخوارزمية
المدة: 470هـ – 628هـ / 1077م – 1231م
المؤسس: أنوش تكين، وأشهر سلاطينها علاء الدين محمد
العاصمة: جرجانية (خيوة الحالية في أوزبكستان)
أشهر الأحداث:
توسع كبير في بلاد ما وراء النهر وإيران
اصطدامهم بالمغول بعد مذبحة تجارهم
نهايتها : بغزو المغول بقيادة جنكيز خان.

🐎 الغزو المغولي – حكم الإمبراطورية المغولية ثم الشاغاتاي
المدة: 616هـ – 771هـ / 1220م – 1370م
النفوذ المباشر:
غزو مدمر بقيادة جنكيز خان
تقسيم البلاد بين أولاده، خاصة خانية الشاغاتاي في تركستان
العاصمة: ألماليك – كاشغر
أشهر الأحداث:
تدمير سمرقند وبخارى
تراجع الحضارة الإسلامية، ثم عودة تدريجية عبر التتار المسلمين.

🏛️ الدولة التيمورية
المدة: 771هـ – 913هـ / 1370م – 1507م
المؤسس: تيمورلنك
العاصمة: سمرقند
أشهر الأحداث:
إعادة إعمار سمرقند وحملات عسكرية ضخمة في الهند والشام وقتل شبيه بالمغول.. 
رعاية الفن والعمارة في سمرقند على حساب بقية. مدن العالم. 
نهايتها : على يد الشيبانيين الأوزبك.

⚔️ الدولة الشيبانية (الأوزبك)
المدة: 907هـ – 1007هـ / 1500م – 1599م
المؤسس: محمد الشيباني
العاصمة: بخارى
أشهر الأحداث:
إنهاء حكم التيموريين ومقاومة الصفويين.. 

نهايتها : بتحول النفوذ إلى خانات مستقلة (خانية بخارى وخيوة وخوقند).

🌸 الصفويون [نفوذ جزئي وصراع مذهبي]
المدة: 907هـ – 1148هـ / 1501م – 1736م
المؤسس: إسماعيل الصفوي
العاصمة: تبريز → قزوين → أصفهان
النفوذ في تركستان:
صدامات مع الشيبانيين
نشر التشيع في خراسان
معارك مذهبية على تخوم ما وراء النهر

🏹 الخانات التركستانية (خانية بخارى وخيوة وخوقند)
المدة: 1007هـ – 1295هـ / 1599م – 1878م تقريبًا
الحكم: خانات محلية تركية
العواصم: بخارى، خيوة، خوقند
أشهر الأحداث:
حروب مستمرة فيما بينها واضطراب إداري
مع مقاومة التمدد الروسي.. 

⚔️ الغزو الروسي والقياصرة
المدة: 1280هـ – 1336هـ / 1863م – 1917م
الدولة: الإمبراطورية الروسية

الأحداث:
احتلال تركستان
ضمها إلى تركستان الروسية
قمع الحركات الإسلامية (مثل ثورة البسمجي)

🏴 الاتحاد السوفيتي – الشيوعية
المدة: 1339هـ – 1411هـ / 1920م – 1991م
الدولة: الاتحاد السوفيتي
الأحداث:
تأسيس جمهوريات آسيا الوسطى
قمع الدين واللغة العربية
إحياء القومية الطاجيكية والأوزبكية

🕌 النفوذ العثماني الرمزي
المدة: 699هـ – 1342هـ / 1299م – 1924م
العاصمة: إسطنبول
النفوذ في تركستان:
علاقات رمزية كخلافة إسلامية
دعم الحركات الإسلامية
ارتباط شعبي وثقافي بدولة الخلافة
نهايتها
بإلغاء الخلافة رسميًا عام 1342هـ / 1924م


🟩 الاستقلال بعد سقوط الاتحاد السوفيتي
المدة: منذ 1412هـ / 1991م
الدول: أوزبكستان، كازاخستان، تركمانستان، طاجيكستان، قيرغيزستان

الأحداث:
إحياء اللغة والدين
علاقات متباينة مع تركيا، إيران، روسيا
صعود الإسلام المعتدل
توجه اقتصادي وسياحي


📌 ملاحظة ختامية:

> بعض الدول كالسلاجقة، الأيوبيين، العثمانيين، والصفويين لم تكن "حكامًا مباشرين" لتركستان، لكنهم مارسوا تأثيرًا سياسيًا أو مذهبيًا أو ثقافيًا في بعض المراحل، ويجب التمييز بين الحكم الفعلي المحلي والنفوذ الإمبراطوري العابر، وقد تمت إضافتهم ضمن هذا السياق لإعطاء نظرة تاريخية شاملة متوازنة.


📜 التسلسل الزمني لمدينة مرو (Merv):

🏛️ القرن الخامس قبل الميلاد (~500 ق.م)

  • تأسست قلعة "أرك" في مرو، وتعد من أقدم القلاع في المنطقة، بنيت على مساحة 20 هكتار، وما تزال جدرانها (بارتفاع 25 مترًا) صامدة حتى اليوم.

🛤️ القرون الأولى قبل الميلاد وبعده

  • ازدهرت مرو بسبب موقعها على طريق الحرير، فأصبحت مركزًا تجاريًا وثقافيًا تتلاقى فيه حضارات متعددة وديانات متنوعة، كما تُظهر الآثار المكتشفة في قلعة "غاور" المجاورة.

🏰 القرن السادس الميلادي

  • بُنيت قلاع "الفتاة الكبيرة" و"الفتاة الصغيرة" بالطوب اللبن، وتُعتبر من معالم مرو المعمارية التي لا تزال قائمة بفضل جودة بنائها.

🌙 عهد الخليفة عثمان بن عفان (24-35 هـ / 644-656 م)

  • دخل الإسلام إلى مرو، وأصبحت لاحقًا عاصمة لإقليم خراسان في عهد الدولة الأموية (41–132 هـ / 661–750 م).

⚔️ عام 129 هـ / 747 م

  • أعلن أبو مسلم الخراساني قيام الدولة العباسية من مرو، واتخذها قاعدة انطلاق للثورة ضد الأمويين، وأعاد إعمارها وتنظيمها إداريًا وعسكريًا.

🏙️ العصر العباسي (750–1258 م)

  • بعد انتقال مركز الدولة إلى بغداد، بقيت مرو مركزًا مهمًا في شرق الدولة، وظل أبو مسلم حاكمًا عليها بشكل شبه مستقل حتى اغتياله عام 137 هـ / 755 م.

🕌 القرن الحادي عشر الميلادي

  • شهدت مرو نهضة عمرانية كبيرة في عهد السلاجقة، خاصة في عهد السلطان ملك شاه السلجوقي الذي بنى قلعة كبرى وأطلق على مدخلها الشرقي اسم "باب الألوية" تكريمًا للصحابي بريدة بن الحُصيب.

🪦 مراقد الصحابة والعلماء

  • دفن في مرو الصحابيان الحكم بن عمرو الغفاري وبريدة بن الحُصيب الأسلمي، وتعد أضرحتهم من أكثر المواقع اهمية بالمدينة .
  • كما تحتضن المدينة ضريح العالم الصوفي يوسف الهمداني، ويعد مسجده احد المراكز المهمة كتاريخ لمرو.

ملخص تاريخ مرو

مرو مدينة عريقة في جنوب تركمانستان، نشأت قبل الميلاد وازدهرت على طريق الحرير. دخلها الإسلام في القرن السابع الميلادي، وأصبحت عاصمة لخراسان تحت الأمويين، ثم مركزًا لانطلاق الثورة العباسية. ازدهرت مجددًا تحت حكم السلاجقة، واحتفظت بمكانتها الحضارية حتى اليوم، محتضنةً قلاعًا وأضرحة بارزة تعكس عراقة تاريخها الإسلامي والثقافي.

نســا
الاسم الحديث: Nisa (أو Old Nisa، قرب Ashgabat)
وهي مدينة الإمام النسائي، أحد كبار علماء الحديث، وهي اليوم موقع أثري مسجل في قائمة اليونسكو.
سرخس
الاسم الحديث: Serakhs
تقع على الحدود بين تركمانستان وإيران، بلد الإمام السرخسي صاحب "المبسوط".
 بيهق
الاسم الحديث: قرب Sabzevar في إيران (كانت ضمن خراسان)
وهي مدينة الإمام البيهقي، صاحب كتاب "السنن الكبرى" في الحديث.
 آمُل جيحون
الاسم الحديث: Amul، قرب مدينة Türkmenabat
كانت تطل على نهر جيحون (أموداريا)، ومركزًا مهمًا للعلماء والرواة.
شهرِستان
و"ي حاليا أنقاض قرب عشق آباد
وهي بلد الشهرستاني صاحب "الملل والنحل"، ازدهرت بالفكر والكلام.

العملة: المانات التركماني الجديد (TMT)، ويبلغ سعر الصرف الرسمي نحو 3.5 مانات مقابل الدولار الواحد، واسعار السوق السوداء كل 15 مانات دولار واحد (2024).
تركمانستان مسلمة كاملة عدا جزء ضئيل من بقايا الاتحاد السوفيتي الروس نصارى وقدزبنيت لهم كنائس في عهد الشيوعية التي منعت الاسلام واحيت النصرانية عكس مايدعون.. 
ودخل الاسلام القرن الأول الهجري عبر قتيبة بن مسلم الباهلي. وبرز منها علماء مثل النسائي، والبيهقي، وسفيان الثوري. معظم السكان اليوم من المسلمين السنة على المذهب الحنفي.

اما الاقتصاد: يعتمد بشكل أساسي على تصدير الغاز الطبيعي والنفط. تمتلك البلاد رابع أكبر احتياطي مثبت للغاز الطبيعي في العالم.
كما دشنت تركمانستان مشاريع عملاقة لمد أنابيب الغاز نحو الصين والهند وباكستان ضمن مشروع TAPI، لتعزيز صادرات الغاز.

 كما تصدر القطن والمنسوجات والسجاد والكهرباء. ومن الصناعات المهمة: إنتاج المنسوجات، الزراعة (خصوصاً القطن)، صيد الأسماك، وتربية الحيوانات (ضأن القركول، الخيل، الإبل).
ونستورد المكائن، والأغذية، والمواد البلاستيكية والمطاطية. 

المياه والزراعة:
تعتمد البلاد على خمسة أنهار رئيسية، اغلبها ناشف ، ومن أهمها أموداريا (جيحون قديماً) الذي ينبع من طاجيكستان. كما تعتمد على قناة قراقوم التي بُنيت إبان الحقبة السوفيتية لري أكثر من مليون هكتار من الأراضي الزراعية وتوفير مياه الشرب .
ومن الممكن حصر المناطق ذات المحصولات الزراعية في تركمانستان في اربع ولايات فقط وهي "ولاية مري" الاكبر في الجنوب الشرقي مع "ولاية تركمان آباد" بالشمال الشرقي وهما الاكبر كمحاصيل زراعية.. 
ويليهما "ولاية عشق آباد" العاصمة و "ولاية داشغوز" شمال البلاد.  

والدولة مع استمرار نهج الحياد السياسي على الساحة الدولية، مع تعزيز العلاقات الاقتصادية مع الصين وروسيا وتركيا.
وبدات في السنوات الاخيرة في استقبال السياح، لكن بقوانين تلزمهم بعدم التحرك الا من خلال المرشدين النظاميين فلاحرية للحركة الا من خلالهم خوفا من التاثير العالمي لتقاليد شعب التركمان. 
أخال تيكي: الحصان الذهبي الذي أبهر العالم

في قلب صحراء آسيا وُلدت إحدى أندر سلالات الخيول في العالم: أخال تيكي، أو كما يسميه عشاق الفروسية: "الكنز الذهبي لتركمانستان". سلالة تعود جذورها إلى أكثر من 3000 عام، وتُجسد في جمالها قوة الصحراء وأناقة وتناغم الجسد .

ما الذي يميز هذا الحصان الفريد؟
لاشك ان ما اكتسى به من لون معدني خلاب يلمع وكأنه مخلوق من الذهب أو البرونز، ويتدرج لونه من الذهبي الفاتح إلى الأسود اللامع، في مشهد يخطف الأنظار.

رشاقة في الحركة: يسير بخفة وأناقة في رقص على الرمال، وانسجام تام بين الفخر والرشاقة.
تحمل أسطوري كالحصان العربي فهو يُقاوم الحرارة والعطش والصعاب، مما جعله رفيقًا مثاليًا للبدو عبر العصور.
ذكاء وولاء نادران حيث يُبني معه رابط فريد من الثقة، فيصبح صديقًا قبل أن يكون مركوبًا.
وهو لاشك رمز وطني وثقافي في تركمانستان، فلا يُعتبر أخال تيكي مجرد حصان، بل هو رمز للهوية الوطنية، يحتفل به الشعب في المهرجانات والأشعار واللوحات الفنية. كما يُشارك في مسابقات الفروسية العالمية التي تُبرز جَماله وخفته.
أغلى حصان اسيوي خلاف العربي في سوق الخيول 
ففي عام 2006، بيع أحد أفحل هذه السلالة المذهلة في مزاد بروسيا بمبلغ 1.25 مليون دولار، وكان يُلقب بـ "أخال تيكي العالم"، لما يحمله من صفات استثنائية جعلت سعره يحطم الأرقام القياسية.
وقمت برحلة إلى عالم هذا الأسطورة وزيارة مزارع تربية هذا الخيل "أخال تيكي" وركوبه في جولات عبر الطبيعة التركمانية، حيث عشت تجربة فريدة تجمع بين الأصالة والجمال والأسطورة.
وبالنهاية فإن أخال تيكي ليس مجرد حصان... بل هو مزيج من فخامة خيل قد اكتسى  جلد من الذهب ، يتراقص على صحراء الزمن، في قرة كوم وتُجسد ارتباط شعب تركمانستان بالحصان كرفيق الفتوحات ومُلهم الفاتحين .

نظرة شاملة وموجزة عن تركمانستان بعد جولتي لها في ذي الحجة 1446هـ ، مع دقة المعلومات المقدمة.. 

🇹🇲 تركمانستان: لمحات من رحلة الذاكرة

1. القوانين والإجراءات السياحية

لا يُسمح للسائحين بالتنقل خارج العاصمة عشق آباد إلا بمرافقة مرشد سياحي مرخص من الدولة، وذلك ضمن سياسة رقابة صارمة على الزوار الأجانب. 

2. شبكة القطارات

تخدم القطارات جميع ولايات تركمانستان، إلا أنها بطيئة نسبيًا، حيث تستغرق الرحلة من تركمان أباد إلى عشق آباد حوالي 14 إلى 17 ساعة. 

3. المساجد والمظاهر الدينية

سمعنا صوت الأذان فقط في مدينة مرو، مما يدل على قلة المساجد في البلاد.

تُعد مساجد العاصمة عشق آباد قليلة، ومن أبرزها مسجد "تركمان باشي روحي" الواقع في قرية قيبجق، والذي بُني بأمر من الرئيس السابق صابر مراد نيازوف، ويُعد من أكبر المساجد في آسيا الوسطى.

تميز هذا المسجد بدمج مقاطع من كتاب "روح نامة" في جدرانه، وهو كتاب ألفه نيازوف وادعى أن من يقرأه يدخل الجنة، مما أثار جدلاً واسعًا.

4. التركيبة السكانية والدينية

يشكل أفراد قبيلة "تيك" حوالي 90% من سكان تركمانستان، وهم من أصول تركية ويتبعون المذهب الحنفي مع بعض الممارسات الصوفية.

5. الخيول التركمانية

تُعتبر خيول "آخال تيكه" من أندر وأجمل سلالات الخيول في آسيا، وتتميز بجمالها الفريد ولونها اللامع.

رغم أن سرعتها أقل من الخيول العربية، إلا أنها تُظهر تفوقًا في المسافات الطويلة.

6. العمارة والبنية التحتية

تتميز العاصمة عشق آباد بمبانيها الحكومية والفنادق والمساكن متعددة الطوابق المغطاة بالرخام الأبيض، مما منحها لقب "عاصمة الرخام" وفقًا لموسوعة غينيس للأرقام القياسية. 

7. العلاقات الثقافية والدينية

يُعرف الشعب التركماني بلطفه وحبه للعرب، ويعتبرونهم من نسل الصحابة، مما يعزز الروابط الثقافية والدينية بين الشعبين.

تقدم تركيا دعمًا كبيرًا لتركمانستان في مجالات متعددة، بما في ذلك بناء المساجد والحفاظ على التراث الثقافي، نظرًا للعلاقات القومية والدينية المشتركة.

8. الطرق والمواصلات

تعاني معظم الطرق في تركمانستان من تدهور شديد، باستثناء الطريق السريع بين عشق آباد ومرو، الذي يتميز بجودة عالية.

تجري حاليًا أعمال إنشاء طريق سريع جديد يربط بين مرو وتركمان أباد في الشمال، بالقرب من بخارى الأوزبكية.

9. المدن التاريخية

تضم تركمانستان عدة مدن تاريخية مهمة في بداية انتشار الإسلام، وأبرزها: مرو، سرخس، نسا، وبيهق.

10. قناة قره قوم

بدأ بناء قناة قره قوم عام 1954، وامتدت على مسافة 1375 كيلومترًا، لتصبح من أكبر قنوات الري في العالم.

ساهمت القناة في تحويل مساحات شاسعة إلى أراضٍ زراعية، خاصة لزراعة القطن، لكنها أدت أيضًا إلى تقليل تدفق المياه إلى بحر آرال، مما تسبب في كارثة بيئية.

11. الخدمات الأساسية

منذ عام 1993 وحتى 2019، قدمت الحكومة التركمانية الكهرباء والماء والغاز مجانًا للمواطنين.

بعد عام 2019، بدأت الحكومة في فرض رسوم رمزية على هذه الخدمات، مع تقديم أسعار تفضيلية للمواطنين. 

12. الفساد والشرطة

تُعد تركمانستان من بين أكثر الدول فسادًا، حيث تحتل المرتبة 14 عالميًا في مؤشر مدركات الفساد لعام 2024.

تُشير التقارير إلى أن شرطة المرور كثيرًا ما تطلب رشاوى من السائقين، بغض النظر عن التزامهم بالقوانين.

الأربعاء، 19 مارس 2025

حينما هتف الزمن لأول مرة حينها كان الجوال هو الحياة.

خاطرة جالت في ذاكرتي اللينة الحيّة ، ولتبقى باقية لابد الاستعانة بالذاكرة الصلبة الميتة.. 
فهل سانجح في هذه المهمة..

 خاطرة بين زمنين.. وشهادة جيل عبر التحولات التقنية

كنا هناك، في زمن لم يعرف سوى الورق والحبر، حيث كانت الرسائل تُكتب بخط اليد وتُسلم بعد أيام وربما أسابيع. كنا ننتظر أصوات المذياع تنقل الأخبار، ونضبط هوائيات التلفاز الأبيض والأسود بحثًا عن بث صافٍ. كنا نحفظ الأرقام في دفاتر صغيرة، ونُراسل أصدقاءنا بخطابات طويلة تحمل رائحة الحبر ودفء المشاعر. لم يكن ثمة زر "إرسال"، بل كان هناك ساعي بريد ووقت انتظار قد يمتد لأيام.

ثم جاءت الموجة الأولى من التقنية، كزائر متردد يطرق الأبواب. رأينا الحواسيب الكبيرة في الدوائر الحكومية، ثم صخر والماكنتوش وأجهزة أتاري وما تبعها. دخل الهاتف المحمول بحجمه الضخم أول الأمر، حتى بات صغيرًا بين أيدينا، يحمل صوت أحبائنا دون الحاجة للانتظار. دخل الإنترنت إلى بيوتنا، وتسلل البريد الإلكتروني ليزيح الرسائل الورقية، ثم جاء "المسنجر"، فأصبح بإمكاننا الحديث مع شخص في الطرف الآخر من العالم بضغطة زر.

وفي غمضة عين، تبدلت العوالم. رأينا "فيسبوك" يجمع الأصدقاء، و"تويتر" يحول الجميع إلى صناع رأي، و"يوتيوب" يجعل المشاهد العادي مخرجًا ومذيعًا. ثم جاءت الهواتف الذكية، تحمل كل شيء في جيب واحد، من الكتب إلى الأخبار إلى الخرائط، حتى صارت جزءًا من ذواتنا. جيلنا عايش كل ذلك—نحن الذين ولدنا بين الخمسينيات والسبعينيات، رأينا العالَم يتحول من ورق ومداد إلى شاشات ولمسات، من الانتظار الطويل إلى اللحظة الفورية.

لكننا لم نكن مجرد متفرجين. خضنا غمار هذه التحولات، اجتزنا الامتحان. تعلمنا كيف ننتقل من الكتابة الورقية إلى الطباعة، من الهاتف الأرضي إلى المحمول، من المكتبات إلى البحث الرقمي، من الاجتماع العائلي حول وجبة العشاء إلى المحادثات المتفرقة عبر تطبيقات الرسائل. وما بين هذه النقلة الهائلة، خسرنا الكثير من الدفء الاجتماعي، لكننا نحمل على عاتقنا رسالة الوصل بين الأجيال.

أبناؤنا لا يدركون كيف كان العالم قبل الإنترنت، كيف كان شعور أن تفقد رقم صديق لأن دفتر العناوين ضاع، أو أن تنتظر رسالة بريدية بشوق لأيام طويلة. وآباؤنا لم يتخيلوا أننا سنحمل مكتبة كاملة داخل جهاز صغير، أو نتحادث بالصوت والصورة مع شخص في قارة أخرى في ثوانٍ معدودة. نحن جسر بين زمنين، نحمل ذاكرة الماضي ونعيش حاضره، ونحاول—ما استطعنا—أن نزرع في أحفادنا قيمة ما كنا عليه، ليعرفوا أن السرعة التي بين أيديهم اليوم بُنيت على سنوات من الصبر والاجتهاد.

فهل سننجح في هذه المهمة؟ نسأل الله أن يعيننا ويسدد خطانا، لنحفظ ما تبقى من إرث الأجداد ونورثه لمن بعدنا، قبل أن تبتلعنا الشاشة ويطوينا الزمن.

 التواصل الاجتماعي يغزو التواصل الاسري

 نعم من بزاية غزو أوائل أنظمة التواصل الاجتماعي التي دخلت الى السعودية تدريجيًا بعد انتشار الإنترنت، بدا انحسار التواصل الاسري تدريجيا ، وكان ترتيب دخولها للمجتمع  كالتالي:

اولا:  
المنتديات والبريد الإلكتروني (قبل ظهور السوشيال ميديا التقليدية):
ومن المنتديات العربية  (الساحات، أقلاع سوفت، بوابة العرب، العرب المسافرون، منتديات الهوامير) وبدأت بالانتشار بين 1999 و2002 وكانت الشكل الأولي للتواصل الرقمي في السعودية.

ثانيا: 
خدمات الدردشة مثل (MSN Messenger, Yahoo Messenger, ) وكانت شائعة بين 1999 و2005، حيث استخدمها الكثير من الشباب السعوديين.

ثالثا:
*الجيل الأول من مواقع التواصل الاجتماعي:*

1- "ماي سبيس" (MySpace) ظهرت في السعودية بين 2004 و2006 لكنها لم تستمر طويلًا.

2- البرنامج الأشهر "فيسبوك" (Facebook) تأسس في 2004 لكنه دخل السعودية بشكل واسع بعد فتحه للعامة في 2006-2007.

3- "يوتيوب" (YouTube) دخل السعودية بعد إطلاقه عالميًا في 2005 وأصبح شائعًا بين 2007 و2008.

4- "تويتر" (Twitter) – أُطلق في 2006 لكنه لم يكتسب شعبية في السعودية إلا بعد 2009-2010، وأصبح من أهم المنصات في المملكة.

*رابعا:*
*الجيل الثاني من مواقع التواصل الاجتماعي:*

1- "إنستجرام" (Instagram) أُطلق في 2010 ودخل السعودية في 2011-2012، وانتشر بسرعة مع انتشار الهواتف الذكية.

2- "سناب شات" (Snapchat) دخل السعودية في 2014 وأصبح من أكثر التطبيقات استخدامًا بين الشباب.

3- "تيك توك" (TikTok) – دخل السعودية بعد إطلاقه عالميًا في 2018، وشهد انتشارًا واسعًا بين 2019 و2020.

رحال بين الازمان والأخبار والمكان.. 

الرحال وائل الدغفق ابن الخبر1446هـ


رواية عايشتها لاتنسى ابدأها بقول : 
"حينما هتف الزمن لأول مرة"

كان ذلك في منتصف التسعينيات الهجرية، حين كنت في بدايات عملي كمعلم، متنقلًا بين متوسطة المغيرة بن شعبة ومتوسطة الزبير بن العوام بالتحديد عام 1994م 1414هـ ، وفي زمنٍ كانت فيه وسائل الاتصال أشبه بالأساطير. لم يكن أحدٌ منا يتخيل أن يملك هاتفًا محمولًا، فكنا نظن ذلك محض خيالٍ، حتى ونحن على مشارف القرن التاسع عشر، في وقتٍ سبقتنا إليه دول مجاورة، بينما كنا نرزح تحت وطأة ذلك الجهاز العجيب المسمى بـ"البيجر".
وقد انطلقت خدمة البيجر في السعودية عام 1412هـ ووصلت أسعاره لأرقام عالية .


آهٍ من البيجر! كم عانينا منه، وكم كنا نهرع إلى أقرب بقالة أو مكتب اتصالات فور سماع الكلمة المرهقة: "بيجرني!"، فنجتاز الإشارات الحمراء، ونتحدى زحام الطرق، لنصل مذعورين إلى الهاتف، فقط لنكتشف أن أم العيال تطلب "شدة كراث" أو "جالون لبن المطرود" او من صديق قديم يسأل "من زمان عنك وش اخبارك!"
حينها، كانت الهواتف المحمولة حكرًا على علية القوم، محشورة في سيارات التجار ككنزٍ لا يطاله الفقراء. 

أما نحن، فغامرنا قبل الجوال باقتناء جهاز "سيناو"، ذلك القادم من المجهول، والذي بالكاد تصل موجته إلى خمسة كيلومترات. وحين لم يرضنا ذلك، تسابقنا لجلب المقويات علّها تمد الموجة إلى عشرة، وربما عشرين كيلومترًا، وكأننا نخوض سباقًا مع الزمن لنسبق المستقبل.
في أوائل التسعينيات الميلادية، بدأت الهمسات عن جوالٍ قادم. لم تكن إشاعاتٍ عابرة، بل حلمٌ بدأ يلوح في الأفق. تجار الشنطة تسللوا بخفة، يحملون في جعبتهم أجهزة "إريكسون "، تلك الهواتف الضخمة ذات الإطار الحديدي، حتى قيل مازحين: "إن ضربت به كافرًا أسلم!"

لم نكن نريد تفويت الفرصة، وحين فُتحت أبواب التسجيل، كان السباق شرسًا. خرجت من مدرستي متوسطة الزبير بن العوام، في حي الصبيخة، مع أول خيوط الصباح، تمام الساعة السابعة والنصف. توجهت نحو مصرف الراجحي عند الشارع الأول في الخبر الشمالية، حيث تقاطع طريق الأمير ناصر غرب طريق الملك خالد، وهناك، كانت الطوابير تمتد كأنها لا نهاية لها.

كلٌ منا كان يحمل في قلبه أمنية: أن يكون من المحظوظين الذين يدفعون العشرة آلاف ريال، ليحصلوا على ورقةٍ صغيرة، تمنحهم حق امتلاك شريحة الجوال. كنا ندفع أموالنا مقدمًا لشبكةً لم تكن موجودة بعد! 
ومع الورقة، انطلقنا إلى مكاتب تجار الشنطة، نحجز أجهزتنا قبل أن تعمل الشبكة أصلاً!
أذكر أنني اشتريت أول جوال دخل السعودية، كان إريكسون، دفعت ثمنه بـ 2600 ريال. 
سمعنا انه وفي أول ساعتين فقط، انضم 95 ألف شخص إلى قافلة الحالمين بالجوال، مقدمين عشرة آلاف ريال كلهم، في مشهدٍ لم يكن يخطر ببال أشد الحالمين.

وزارة البرق والبريد والهاتف كانت تدير هذا العهد الجديد، حيث كان الحجز يتم قبل تفعيل الخطوط بعامٍ كامل! دفعنا المبلغ عبر مصرف الراجحي، واستلمنا ورقة السداد، ثم بدأ الانتظار الطويل. ومع تصاعد الطلب، طُرحت 100 ألف شريحة إضافية، ثم نصف مليون أخرى. لم يدم الأمر طويلًا حتى انخفضت رسوم التأسيس من عشرة آلاف إلى 3500 ريال، ثم 1500، وصولًا إلى 50 ريالًا فقط. وحينها، قررت الشركة تعويضنا نحن "الرواد الأوائل"، بمبلغ 3500 ريال، كأنها تخفف عنا وطأة المغامرة الأولى والمبلغ لدفع الفواتير فقط.
الجوالات التي رافقت ولادة هذا العصر لم تكن مجرد أجهزة، بل كانت رموزًا لمرحلة كاملة. سيمنس، إريكسون، نوكيا، موتورولا… أسماءٌ حفرت في ذاكرة جيلٍ كامل. ورغم أن أسعارها لم تقل عن 3500 ريال، إلا أن استخدامها ظل مقتصرًا على استقبال المكالمات وإرسال الرسائل النصية التي لم تكن تصل كاملة، بل تُبتر لمحدودية عدد الكلمات، تاركةً أصحابها في حيرةٍ بين جملةٍ ناقصة وكلمة ضائعة.

وكان وقتها سعر الدقيقة اتصال 1.60 ريال وكنا نحسب كل ثانيةٍ منه وكأنها لؤلؤةٌ نفيسة. 
أذكر أول هاتف محمول دخل الأسواق، ذلك "الكاتيل"، الذي كان بحجمه الهائل يُلقب بالقنبلة الذرية أو السلاح القاتل، وأحيانًا "الطابوقة"، حتى أن بعضهم كان يضعه في حقيبته بدلًا من جيبه! تزامن معه ظهور "نوكيا أبو أريل"، الذي استمر طويلًا، بينما غادر الكاتيل الساحة مبكرًا.

مع مرور الأعوام، أصبحت الهواتف أشبه برفاق الدرب، بل بأفرادٍ من العائلة، حتى أطلقنا عليها أسماءً تعبر عن شخصياتها: "الرهيب"، "العجيب"، "العنيد"، "المملكة"، "الفيصلية"، "الساهر"، و"الفارس". في البداية، كنا نشتريها بأسعارٍ تفوق 2500 ريال، لكنها سرعان ما تنحدر قيمتها إلى 200 ريال خلال عام واحد، في مفارقةٍ جعلتنا نضحك على أنفسنا وعلى الزمن الذي لا ينتظر أحدًا.
ثم جاء عام 2003، ومعه دخل نوكيا 6600 الساحة، الهاتف الذي لقّب بـ"الباندا"، ليس بسبب لونه الأبيض والأسود فقط، بل لأنه حمل معه شيئًا لم نكن نحلم به: الكاميرا! كانت صدمةً للمجتمع، تمامًا كما أحدث دخول القنوات الفضائية في أوائل التسعينيات الميلادية ضجةً لا تُنسى.

واليوم، حين أنظر إلى الماضي، أجد أن ثلاثين عامًا فقط كانت كفيلة بأن تغير وجه الحياة. الجوال لم يعد مجرد جهاز، بل أصبح روحًا نعيش بها، وظلًا لا يفارقنا، بل ربما صار أقرب إلينا من قلوبنا ذاتها. ترى، لو عدنا بالزمن إلى الوراء، هل كنا سنتخيل أننا سنحمل العالم كله في راحة أيدينا؟!

هل الهاتف المحمول: قلب الحياة الحديثة أم مجرد أداة؟

في حديثي السابق عن تاريخ الجوال، وصفتُ الهاتف المحمول بأنه "الحياة"، فاعترض بعض الأصحاب على ذلك الوصف، ورأى فيه مبالغة. لكنني أجيبه بقولي:

"لقد اصبح الجوال اليوم ،قلب الحياة."

قد لا يكون كذلك للجميع، لكن بالنسبة لمن يعيش في قلب التفاعل اليومي، وسط زخم الأعمال، وتحركات الأموال، وعلاقات التواصل الاجتماعي، سيجد أنه قد ملك حياتنا بشكلٍ لا شك فيه.

وصفي الهاتف الجوال بأنه "قلب الحياة" هو تصوير بلاغي يعكس مدى اعتمادية الإنسان الحديث عليه، فهو كما أن القلب يضخ الدم في الجسد، يضخ الهاتف المعلومات، والتواصل، والإنجازات في حياتنا. قد لا يكون القلب بالمعنى الحرفي، لكنه في مضمونه بات المحرّك الرئيسي للكثير من شؤوننا.

فإن كان الاعتراض أن الهاتف ليس الحياة، فهو بلا شك البوابة إليها، والجسر الذي يصلنا بالعالم من حولنا.

لماذا أصبح الهاتف المحمول قلب الحياة؟

الجوال وإدارة الوقت والمواعيد:
لم يعد الهاتف مجرد وسيلة اتصال، بل أصبح هو الساعة والمنبّه والتقويم والمنظّم الشخصي، حيث يضبط الأفراد من خلاله جداولهم اليومية وأعمالهم.

الجوال والتحكم في الشؤون المالية:
التطبيقات المصرفية والمحافظ الرقمية جعلت الهاتف بديلاً عن المحفظة التقليدية، إذ يمكن عبره تحويل الأموال، ودفع الفواتير، وإجراء الاستثمارات.

الجوال في العمل والتعليم:
لم تعد الوظائف تقتصر على المكاتب، فالعمل عن بُعد والتعليم الإلكتروني يعتمدان بشكل رئيسي على الهواتف الذكية، مما جعلها صلة الوصل بين الإنسان وسوق العمل.

الجوال والعلاقات الاجتماعية:
الهاتف هو وسيطنا بين أهلنا وأصدقائنا، سواء عبر المكالمات، أو وسائل التواصل الاجتماعي، أو تطبيقات المراسلة التي جعلت العالم أكثر ترابطًا.

الجوال والخدمات الحكومية:
أصبح الهاتف مفتاح الوصول إلى الحكومة الإلكترونية، فمن خلاله تُجدّد الوثائق الرسمية، وتُنجز المعاملات، وتُدار السجلات الصحية والتعليمية والمهنية.

الجوال والهوية الرقمية:
اليوم، كل فرد بدون رقم هاتف يبدو وكأنه بلا هوية، فالتسجيل في المنصات الإلكترونية، وحجز المواعيد، وإثبات الملكيات، وحتى الدخول إلى بعض الأماكن أصبح يعتمد على بصمة الهاتف أو رموزه التعريفية.

وماذا عن الذين لا يرون الهاتف جزءًا من حياتهم؟

بالطبع، هناك من لا يرى الهاتف جزءًا أساسيًا من يومه، ومع احترامي الكبير لهم في خروجهم من شباك الجوال وهيمنته الا أن هؤلاء خرجو عن السيطرة وغالبًا يعيشون في عزلة عن إيقاع الحياة الحديثة. 
فقد يكونون منغمسين في نمط حياة ريفي تقليدي، أو يفضلون العيش بعيدًا عن التكنولوجيا، لكنهم يظلون الأقلية في عالم أصبح الهاتف فيه عصب الحياة اليومية.
لكنهم هم الفائزون لراحة البال وان خسرو المال والاعمال والعلاقات مع المجتمع.

بداية النهاية فقد أضفت بُعدًا سرديًا ولغةً أدبية اتوقع انها تقترب من ان تكون راقية، بحيث تواكب القارئ في رحلتي بين الماضي والحاضر.

وعذرا على تعزيز الجو العام بقليل من التندر والمفارقات الطريفة لجذب قارئي العزيز ولكي لايمل من الاستطراد .

ولاعجب من ترتيب الأحداث وبطريقةٍ سلسة اتوقع أن تُبهر المستمع وتفتح ذكريات الماضي لسبب كوني عايشتها لحظة بلحظة.
فاسمتع بكل كلمة فانا شاهد على ذلك الزمان.. 

الترتيب التاريخي لدخول الأجهزة والتقنيات المتعلقة بالحواسيب والاتصالات والانترنت إلى المملكة العربية السعودية كالتالي:

الحواسيب والألعاب الإلكترونية:

1- الحواسيب الضخمة مثل (IBM Mainframe) دخلت أواخر السبعينيات، واستخدمتها البنوك والجهات الحكومية.

2- حاسب صخر (MSX) دخل عام 1983 وكان شائعًا في المنازل والمدارس وامتلكته آنذاك .

3- حاسب أبل ماكنتوش (Apple Macintosh) ظهر عالميًا في 1984 ودخل المملكة في منتصف الثمانينيات.

4- جهاز الالعاب أتاري (Atari 2600 وAtari 800) دخل بين 1982 و1985، وكان يستخدم للألعاب المبرمجة.
5- أجهزة الحاسوب الشخصي (IBM PC ونظام MS-DOS)  بدأت في منتصف الثمانينيات (1985-1986).

6- حاسبات مايكروسوفت النوافذ - (Windows PCs) بدأت مع ويندوز 3.1 عام 1992، ثم تسارعت مع ويندوز 95 عام 1995.

7- أول لابتوبات في السعودية – ظهر أواخر التسعينيات وأستخدمت في الجامعات والشركات في أوائل الألفية الجديدة وبشكل اصبح موضع الالفية آنذاك وحقيبة الظهر التي كانت شعار للتقدم والتطور.

اما الاتصالات والإنترنت والألعاب المتصلة بالانترنت:

8- فكان أول هاتف جوال في السعودية دخل عام 1995 مع بداية تشغيل خدمة الجوال عبر وزارة البرق والهاتف ثم استلمته شركة الاتصالات السعودية (STC).

9- دخول الإنترنت إلى السعودية – بدأ رسميًا عام 1997، وكانت الخدمة موجهة في البداية للجهات الأكاديمية والحكومية قبل أن تتاح للعامة عام 1999 ومنها كان انتشار اصطلاح مقاهي الانترنت وغرفه وانتشرت المنتديات حينها الى ان اتى الجوال بالانترنت ونظام بلاك بيري ليبدا عهد جديد.. .

10- أول هاتف ذكي متصل بالإنترنت (مثل نوكيا 9000)  دخل أواخر التسعينيات.

11- الآيفون (iPhone 3G) – دخل رسميًا إلى السعودية عام 2008، وكان بداية ثورة الهواتف الذكية الحديثة.

أجهزة الألعاب الحديثة المتصلة بالنت:

12- بلايستيشن 1 (PlayStation 1) – دخل عام 1996.
13- بلايستيشن 2 (PlayStation 2) – دخل عام 2000 وأصبح أكثر جهاز ألعاب مبيعًا في المملكة والعالم.

14- بلايستيشن 3، إكس بوكس 360، نينتندو وي – بدأت بالانتشار من عام 2006.

15- الأجهزة الحديثة (PS4, PS5, Xbox Series, Nintendo Switch) – استمرت بالدخول تباعًا حتى اليوم.
===============
جمع وترتيب رحال الخبر1446هـ


الاثنين، 3 مارس 2025

رحلة من مدن الخليج الساحلية الى قلب نجد العذية ومنها لعبق الأماكن التاريخية ودفء القلوب النديّة .رحال الخبر1446هـ

رحلة من مدن الخليج الساحلية الى قلب نجد العذية ومنها لعبق الأماكن التاريخية حيث دفء القلوب

فبين الثالث والعشرين والثامن والعشرين من شعبان لعام 1446هـ، الموافق 22 إلى 29 فبراير 2025م، انطلقت في رحلة من الخبر الى ربيع الشمال متوجها الى نجد العذية ، وكان مروري عبر عاصمة الربيع "النعيرية" وأرخت مرساتي في أحد مزارع  "القرية العليا" حتى حين الانطلاق الى "حفر الباطن" وكل تلك الرحلة انما كانت بحثًا عن الجمال في تفاصيل الأرض وربيعها ودفء اللقاء في صدور الرجال ومن مررت بهم.

 إنطلقت من الخبر، قاصدًا النعيرية والقرية العليا، لأحلّ ضيفًا على أخي الكريم، أبو يوسف مازن الحمودي، في مزرعته البهية، 

حيث احتواني بجود مضافته وسخاء روحه. قضيت ليلةً من أجمل ليالي رحلتي وسفرتي الربيعية وقبيل رمضان لهذا العام ، وقضيتها بين نسائم الطبيعة وكرم الضيافة، قبل أن أتابع المسير صوب الصداوي، ومعرج السوبان… 

 هناك كان لي وقفة لمنظر أسرني واضطرني للوقوف بلا خطة ولا نيّة وكل ذلك بسبب كمية الجمال في ما رأيته بذاك الحقل الزاهي والذي حوى من الورود الوان واشكال ، هناك حيث تفتحت الأرض عن بساط أحمر قانٍ من زهور الديدحان، يغازل لون العشق الوردي لبعضها اعيننا، في مشهد يأسر القلوب.

وكل ذلك في المنتزه البري الواقع في مدخل الصداوي ليكون أجمل أستقبال واروع كلمات تستقبلك كباقة مزهرة ..
فما اروعها من بلدة وما اجمل زهورها الربيعية المورقة البهيّة.


حفر الباطن.. حيث لكل شاي حكاية

بعد القرية العليا والصداوي ، يمّمت وجهي صوب حفر الباطن، ومررت قبلها بالقيصومة وهي احدى المدن التي انبثقت من مشروع التبلاين وليس قبله وفيها المطار لحفر الباطن ، وتعتبر مدخلا للحفر من الجهة الشرقية تبعد عن الحفر 20 كيلا فقط ، ثم دخلت حفر الباطن. 


 وهي بلدة تاريخية ترجع للصحابي الجليل أبو موسى الأشعري، والذي أسسها عام ١٧هـ حين حفر أول بئر من آبارها ليجعل منها أهم محطة على طريق الحجاج القادمين من العراق في الدرب المشهور( درب الحاج البصري) ، ومن أسمائها في كتب التاريخ "حفر أبي موسى"، "حفر بني العنبر".
 وواديها البديع، مستكشفًا عبق المكان، ومستمتعًا بأقداح الشاي التي تحكي قصصًا من أصقاع الأرض.

 كانت محطتي الأولى "بيت الشاي" لأبي سلمان الشمري، حيث تذوقت شاي "النهرين" الشهير، برائحته الزكية ونكهته العميقة، إلى جانب أنواع نادرة تجسد ثقافات الشعوب. ولم يكتمل شغفي إلا بزيارة "شاهي 78"، ذاك المقهى الذي يعيدك إلى سبعينيات القرن الماضي، بتصميمه العتيق ونكهاته الأصيلة. 

والمحل له فرعين وشايه يضرب المخيخ الاعلى ومن المعروف أن ذائقة اهل حفر الباطن واهل حايل للشاي عالية الطلب ، ولا عجب ان يجمعوا أفضله وأجمله .

واكملت جولتي عبر أزقة السوق القديم، استرجعت ذكريات الأمس، قبل أن أكون ضيفًا على أبي سعود نواف الفضلي، بحضور والده الكريم، في لقاء عامر بالودّ والكرم.

ثم بعد قضاء يوم في الحفر اتجهت على طريق الرياض جنوبا متجها للزلفي مرورا بمدينة الملك خالد العسكرية والبطيحانية وام الجماجم وام طليحة والارطاوية لاتجه غربا عبر روضة السبلة ومن المطل الشرقي من طويق اذ ترحّب بي مدينة الزلفي البديعة.. 


رحلة لواحات الزلفي بين نفوذها وعقلها. 

دخلتها من مطلاتها الفريدة، فأطلّلت عليها آتيا من الشرق عبر "مطل طويق الشرقي"، حيث رحبّت بي المدينة المتجددة، والمتطورة دوما ومن الغرب الى "مطل الثويرات الرملي"، حيث النفود تحتضن الأفق. احتسيت هناك شاي "وجار" الشاي الزلفاوي" الأصيل، قبل أن أتجول بين "عِقَلِها" -جمع "عقلة" - وهي اماكن سكنى أهل الزلفي قديما أتخذو واحات من النخيل بديعة لسكناهم ، وحيث تبدو الرمال كأكاليل من زهور الزمن. 

وقفت عند أحدها وهي "عقلة المر"، موطن جدي لأبي إبراهيم الدغفق، حيث تلتقي جذور العائلة برمال الصحراء، في مشهد يبعث الدهشة. بتّ هناك، رغم البرد القارس الذي لامس ثلاث درجات مئوية،
.. عقلة المر موطن جدي ابراهيم الدغفق

 وقرب عقلة المر هناك منظرا يحج اليه محبو غرائب الامور واعجبها متمثلا بطريق مسفلت ومعتنى به وكانه يؤدي الى مدينة حديثة وانت في مساره وفجأة اذ بك تصطدم بكثيب رملي يقطع عليك هواجيسك وجمال واناقة الطريق لتدخل الى عالم آخر من عوالم الرمال والصحاري ورمال الثويرات البديعة.. 

 ثم أكملت رحلتي مع بزوغ الفجر متجها لأحدى مدن الوسم العريقة لأحط رحالي هناك.

عنيزة ثم أشيقر.. حيث الأصالة والهدوء

مررت عنيزة، وزرت منتزه "الطويريب"، لكنه لم يكن على مستوى التوقعات، فاكتفيت بجولة قصيرة، فعنيزة زرتها مرارا واردت اختصار الوقت للذهاب وإكتشاف الجديد ، لأتابع نحو أشيقر، تلك البلدة التراثية المتجددة حيث وجدت المكان ينبض بالتطوير والتاريخ معا. 

 ورغم أنه لا يفتح أبوابه إلا في مواسم محددة ، فقد سعدت باكتشاف مكان جميل أسمه "منتجع جدي حمد"، ذلك البيت الذي تحيطه النخيل، ويقدم وجباته في أجواء تراثية آسرة وحولة دور وشيجر ومزارعه وارفة الخضرة باسقة بنخيلها الشامخة. 

ومن هناك، انطلقت عبر "مسار تاريخي لتجار نجد"، وهو درب هايكنج بطول سبعة كيلومترات، يمر بقرية الفرعة إلى مدينة "شقراء" ، حيث تتعانق الهضاب مع التاريخ. ووصلت قرية شقراء التاريخية وزرت "قصر السبيعي" وسوق "حليوة" التراثي، قبل أن أواصل المسير شرقًا، نحو بلدة القصب، مرورا بثرمدا ومرات ولم اتوقف متجها للقصب حيث تنتظرني مفاجآت الملح والتاريخ هناك.

 مملحة القصب.. كنز الملح المدفون

رحلتي إلى مملحة القصب حينما يتحدث الملح بلغة الأرض وزمانه

حين اقتربت من مملحة القصب، كان المشهد أمامي أشبه بلوحة بيضاء رسمتها الشمس والرياح عبر العصور. مدّ البصرُ بحرٌ من البرك اللامعة، تتلألأ تحت أشعة الشمس وكأنها مرآة تعكس نقاء الملح وصفاء الأرض. هنا، حيث تلتقي الجيولوجيا بالصبر، وحيث لا يزال الإنسان يخوض صراعًا هادئًا مع الطبيعة لاستخراج كنزها الأبيض.

سلكت دربًا ترابيًا متعرجًا، تحفّه كُثبان الملح المتراكمة، حتى وصلت إلى قلب المملحة، حيث يقف العمال بملابسهم البسيطة وأيديهم التي أكلتها الشمس، منهمكين في مراقبة المياه المتبخرة وترسب الملح في البرك. على بعد خطوات، رأيت جفرًا عميقًا يحاكي الآبار التقليدية، لكنه لا يبحث عن الماء العذب، بل عن ماء مشبع بالملح، تُسحَب منه المياه إلى البرك المجاورة، حيث تبدأ عملية التبخير تحت أشعة الشمس اللاهبة.

جلست على صخرة قريبة، أراقب كيف يتحول السائل إلى بلورات صلبة، وكيف يأخذ الملح شكل الحياة التي منحته إياها الأرض، فإما أن يُجمع يدويًا بمجاريف خشبية كما كان يُفعل منذ قرون، أو يُضخ إلى خزانات الطين، ليبدأ رحلته نحو المعالجة والتعبئة.

أحد كبار الملّاحين هناك، بوجهه الذي نقشته السنون وابتسامته التي تعكس فخره بما يصنع، اقترب مني وقال: *"نحن لا نحصد الملح فقط، بل نحصد إرثًا عمره قرون… هذه الأرض تعطي لمن يصبر عليها، وهذا الملح، رغم بياضه الناصع، هو نتاج تعبٍ طويل وصبرٍ كبير."*

أخبرني عن تطور المهنة، كيف كانت قديماً تُعتمد فقط على الطبيعة، وكيف توسعت البرك وزادت الطاقة الإنتاجية، حتى أصبحت جفار القصب تنتج ثلث احتياج المملكة من الملح. نظرت إلى الأفق، حيث كانت أكياس الملح مكدسة بانتظار رحلتها إلى الأسواق، وتساءلت كيف أن هذه الحبيبات الصغيرة، التي لا يخلو منها بيت، تحمل في داخلها قصة طويلة من الكفاح والتاريخ.

وتحتاج برك الملح من شهرين إلى 3 أشهر لإنتاج حوالي 100 ألف كيس من الملح (5 كيلو للكيس).
وللعلم فان إنتاج الملح العالمي يبلغ (273.8 مليون طن) في 2023، كما ارتفع إنتاج السعودية من الملح إلى (2.5 مليون طن) وتحمل المملكة المرتبة 36 بين دول العالم ملحيا. 

مملحة ومنتجع المقحم النموذجية

زرت منتجع المقحم الملحي الجميل والأول على مستوى الخليج العربي حيث استغل أحدى الجفر "حفرة الملح" لتكون موقعا للإستجمام للزوار واماكن استراحة بين ثنايا البركة المتسعة وقد بنيت امواخ من القصب مرتفعة ليتخذ الزوار البركة ممشى ومسارا يخوضون بأقدامهم الملح الطبيعي ومافيه من علاج من اليود والأملاح المعدنية المتنوعة. 


والمكان مخدوم بالطرق والمرافق ووسائل الراحة ورايت زوار من المملكة والأجانب يفدون اليه لجمال تصميمه وروعة فكرته الاستجمامية النادرة ..
فشكرا للمقحم اضافة هذا الموقع الفريد ضمن مواقع الجذب السياحي بالمملكة ، مع مافي القصب من مواقع تاريخية مميزة أخرى سنتحدّث عنها تفصيليا. 

أول مسجد ملحي تحت الارض بالمملكة وربما بالعالم
في أحد أركان منتجع مملحة المقحم النموذجية ، وقفت أمام "المسجد الملحي"، وهو أول مسجد في العالم يُبنى بجدران من الملح، يشع بلونه العاجي، وكأنه منحوت من ضوء القمر. تذكرت خلال جولتي غرف "الساونا الملحية" في أوروبا، حيث يُستخدم الملح لعلاج الجهاز التنفسي، وأدركت أن لهذه البلورات سرًا لم يُكشف بعد. 

ومن المسجد خرجت من المملحة وأنا أحمل في ذاكرتي مشهدًا لا يُنسى… مئات البرك اللامعة، صفاء البلورات البيضاء، ورائحة الأرض الممزوجة بالملح… إنها ليست مجرد صناعة، بل حكاية صبرٍ وحكمة، تمتزج فيها الطبيعة بالإنسان في رقصةٍ أزلية لا تنتهي.

بلدة القصب التاريخية.. حين يحتضنك المكان وأهله

مدينة القصب والمعروفة بأنها مدينة «الرمال اللامعة» تقع على بعد 160 كيلومترًا شمال غرب العاصمة الرياض. وتتبع محافظة شقراء التابعة لمنطقة الرياض وتتجاوز مساحتها 1365 كيلومترًا مربعًا ويتجاوز عدد سكانها سبعة آلاف نسمة ، وتنتج الملح المستخرج من جوف الأرض الذي يغطي ثلث احتياجات المملكة من الملح

القصب مدينة الملح والتاريخ والكرم الذي يأسر القلوب

عندما غادرت مملحة القصب، كنت أظن أن رحلتي نحو هذه البلدة التاريخية ستكون زيارة عابرة، لا تتجاوز النظرة الخاطفة على تراثها وأزقتها، لكن للقصب سحرًا لا يُرى بالعين وحدها، بل يُشعر بالقلب، وكأن الأرض ذاتها تُصر على إبقاء زائريها بين أحضانها أطول مما خططوا له.

ما إن وصلت إلى مدخل البلدة حتى لمحت لوحة القرية التراثية، وكانت تعج بالحياة، السيارات مصطفة، والزوار يملأون المكان، فقررت العودة أدراجي تجنبًا للزحام. لكن أحد المنظمين، بعفويته وإصراره الجميل، أوقفني بلطف وأكد لي أنني لن أندم على الدخول، وأن القصب ستأسرني بجمالها وأهلها. لم أستطع إلا أن أستجيب لهذه الدعوة الصادقة، وكم كان محقًا! فقد كنت أنوي قضاء نصف ساعة فقط، لكنني مكثت أكثر من ست ساعات، بل كدت أبقى ليلتي هناك لولا التزاماتي اللاحقة.

كرم أهل القصب بأبهى صوره

استُقبلت بحفاوة مدهشة، رجالًا ونساءً، شبابًا وكبارًا، جميعهم يبثون في المكان دفئًا خاصًا. وما إن خطوت في أزقتها حتى أسرني *"أبو نورة، ناصر الغانم"* ، الذي لم يتركني إلا بعد أن أخذني في جولة شاملة داخل القصب، وختمها بعشاء كريم ودعني به وكأنني فرد من عائلته، بل كاد يقنعني بالمبيت في منزله!

أخذتني جولتي بين أحياء البلدة وأسواقها القديمة، وكانت البداية من بيت شيخ القصب عبدالله بن عبدالوهاب بن زاحم، الذي وافته المنية عام 1374هـ وهو من رجالات الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه ورحمهم الله جميعا. حفيده كان هناك، يشرح للزوار كيف تحول هذا البيت العريق إلى محكمة في حقبة من الزمن. من هناك، تابعنا نحو قصر إبراهيم الراشد، ثم عبرنا منعطفات القصص التاريخية التي تشكلت بين جدران البلدة العتيقة.

مررنا بإحدى أبرز ديوانيات القصب، ديوانية المنيع من آل عاصم من قحطان، التي تفتح أبوابها طوال العام، ثم وصلنا إلى بيوت السويد والجريان، حيث كان الجميع متواجدين، كبارهم وصغارهم، في استقبال الضيوف، مقدمين العود والقهوة والتمر مع ابتسامات صادقة تعكس أصالة أهل القصب.

ما لفت انتباهي هو ذلك الترابط الاجتماعي القوي، وكأن الجميع يعرف بعضهم بعضًا، فلا تمر برجل أو امرأة إلا ويكون له صلة قرابة أو معرفة بأحد أبناء البلدة. كان أبو عبدالله، أو كما يحب أن يُدعى أبو نورة ناصر الغانم، يعرف كل شخص التقينا به، وكل واحد منهم لديه قصة، جارة الأم، صديق الطفولة، ابن الجار القديم، وهكذا… هذا التداخل الجميل جعلني أشعر وكأنني بينهم منذ سنوات، وليس مجرد زائر عابر.

كان من الملفت أيضًا رؤية رئيس مركز القصب، الأستاذ سعد بن إبراهيم القاسم، وهو يتجول بين الناس، يتفقد الزوار والمشاركين في الموسم، ما يعكس روح الاهتمام بالمكان وزواره. ومن هناك توجهنا إلى دار الحمد (الداغر)، حيث استقبلني أحد أبناء العائلة بجولة داخل المنزل العامر، ثم أهداني رمزًا للقصب: علبة شفافة تحتوي على ملح، مع فنجال صغير يرمز إلى مكانة الملح في حياتهم.

ثم انتقلنا إلى ركن مختلف من القصب، حيث التقينا بالفنان التشكيلي عبدالرحمن بن زاحم، الذي أبدع بتشكيلات خشبية ساحرة تعكس لمسات فنية ذات طابع سريالي. وبعد ذلك مررنا على منزل الشعلان والمحارب والفضل "الفضلي"، ثم المساجد القديمة في البلدة، مثل مسجد لبدة، مسجد الشعبة، والمسجد الجامع (جامع القصر)، وهو الأكبر في القصب.

عبق الماضي ونكهات التراث في اسواق القصب. 

لم تكتمل الجولة دون زيارة الأسواق التقليدية، حيث تجولت في سوق العبيدي، مرورًا بأجنحة الطعام في الموسم، التي قدمت أشهى المأكولات الشعبية مثل المرقوق، الجريش، الكليجة القصبية الأصيلة المقرمشة، وقرص عمر، ذلك الخبز المميز المصنوع من القمح والسكر مع لمسة من الكركم والملح.

أما المطاعم الحديثة فقد أضافت لمسة عصرية للمكان، ومن أبرزها مطعم "كبوتيك BK"، الذي صُمم ليكون من أجمل الساحات القصب، إضافة إلى مشاركة مطاعم "ماما نورة" و"سولت (Salt)"، التي بدأت رحلتها من الخبر ثم جابت العالم لتجد لنفسها مكانًا هنا في القصب، في قلب موسمها الفريد.

القصب مدينة حفرت تاريخها وعمّرت دورها من الأرض ومنها.

ما يميز القصب هو وجود (نقر) وهي "حفر" منتشرة في أنحائها، وهي حفر قديمة اُستخدمت لاستخراج الطين لبناء المنازل، وقد مررت على ثلاث منها، حيث شعرت أنني أمام شاهد حي على تقاليد البناء النجدية العريقة. 
كما تمتلك القصب ثلاث بوابات تاريخية:

البوابة الغربية (باب الحوطة).

البوابة الشرقية (باب المجيبيب)، تصغيرًا للمجبب كونه مسقوفًا.

البوابة الشمالية (باب البرج الشمالي)

وبني سور حولها على طريقة العقادة وهي صب كمية من الطين الممزوج بالتبن المخمّر لايام ، وعلى طول إمتداد السور في اول الامر ، ثم إكمال العقادة وسميت عقادة تشبيها بالعقد المحيط بالرقبة وهو كعقد من الطين فوق العقد الاول ، وحتى نهاية بناء  السور ، وهي ميّزة بناء تقوي السور من الهجمات وتمنع تسلل المياه لأساساته عن الطريقة العادية وهي البناء باللبن الطيني. 

بلدة القصب التاريخية

تقع بلدة القصب وسط نجد، وتتميز بمبانيها الطينية التي شُيّدت وفق أسلوب معماري يعكس بيئتها، حيث استخدمت الطين المتوفر محليًا، بينما كان الحجر نادرًا ويُجلب من مناطق بعيدة، مما جعله عنصرًا محدود الاستخدام في البناء. اعتمدت أسقف المنازل على خشب الأثل وجريد النخل وجذوعها، مما منحها قوةً واستدامة طويلة. أما الأبواب، فقد صُنعت من جذوع النخل المنشورة، وشُدّت بألواح خشبية ومسامير طويلة، مما جعلها قوية متينة.

تضم منازل القصب عدة أقسام، منها المضافة وتسمى "القهوة" أو "الروشن"، وهو المجلس المخصص للرجال، ويكون أحيانًا في الدور العلوي بمدخل منفصل. كما تحتوي المنازل على "الصفة"، وهي غرفة تخزين المؤن، و"بيت الحطب"، و"بيت الخلاء"، الذي أحيانًا يُبنى كبرج متصل بالأرض لتنظيفه. تتميز المنازل بنوافذ مثلثة ونقوش زخرفية تزين واجهاتها، وقد بُنيت بمهارة مكتسبة عبر الأجيال دون تدخل مهندسين.

أما شوارع القصب القديمة، فهي ضيقة، تتراوح بين مترين وثلاثة أمتار، صُممت لمرور الناس والدواب، وليس السيارات. كما تضم القصب "الأبراج" الدفاعية، وهي هياكل مرتفعة لحماية البلدة، و"المجباب" أو "الصاباط"، وهو ممر مسقوف تعلوه غرفة سكنية. وعلى تل شرق البلدة، يوجد "المرقب"، وهو برج مراقبة يُشرف عليه "الرقيبة"، وهو رجل ذو نظر ثاقب يراقب الطرق المحيطة بالقصب.

في المقابل، تحمل القصب الحديثة طابعًا عمرانيًا حديثًا، حيث شُيدت بالمباني المسلحة، وسُفلتت شوارعها، وأُنشئت فيها الحدائق والخدمات الحكومية والمدارس الحديثة، مما يجعلها مزيجًا متناغمًا بين الأصالة والتطور.

الرحيل بصعوبة… والعودة حتمية

حين دقت الساعة التاسعة مساءً، ومع اشتداد البرد، كنت قد اتخذت قراري بالخروج، لكن لم يكن سهلاً انتزاع نفسي من هذا الدفء الإنساني والكرم الذي شعرت به طوال اليوم. بعد جهد طويل في توديع من تعرفت عليهم، انطلقت نحو الرياض، لكن إرهاقي من الرحلة جعلني أتوقف عند مدخل ثادق، في منتزه عبيثران، حيث وجدت مسجدًا صغيرًا، جزى الله من بناه خيرًا، فكان ملاذًا لأخذ قسط من النوم، إذ كانت درجة الحرارة قد وصلت إلى 4°.

استيقظت مع ساعات الفجر الأولى، وأكملت رحلتي نحو الرياض، لكنني كنت أعلم أن هذه ليست الزيارة الأخيرة… فالقصب لم تكن مجرد محطة عابرة، بل قصة جميلة، وموعدٌ مؤجلٌ للعودة.

الرحال وائل الدغفق 1446هـ
رحال الخبر - القصب.