الأربعاء، 1 نوفمبر 2017

الربط بين التراث وعلاقته بالمجتمع والطاقة والتنمية -الرحال وائل الدغفق 1439هـ

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 
اخواني الاكارم...
وردني سؤال حول التراث وعلاقته بالطاقة أو المجتمع والتنمية ...
ومن ضمن أهتماماتي بالتراث واموره  فقد استطعت أن أجمع شتات الفكروأبسط مافهمته عبر سرد بعض المفاهيم الجميلة حول تل العلاقة المميزة بين التراث وكلا من الطاقة والتنمية والمجتمع ولعلها تكون مفيدة بنقلها اليكم .



وقد قسمت الاجابة إلى ثلاثة أقسام..


الأول علاقة التراث بالطاقة .

والثاني علاقته بالمجتمع .




والثالث وهوالأهم والأكثر خطورة من ناحية التفكير التنموي لأي بلد ووقوفها تجاه فهم التراث وعلاقته بالتنمية ...

فنقول بسم الله ...

التراث والطاقة
لعل العلاقة بين كلاً من التراث والطاقة علاقة مادية مستدامة مرتبطة ببعضها ومتمثلة بطرق الاجداد لتجدد الطاقة وهي لاشك ذات منظور اقتصادي بحت لكنه من الممكن أن  نستفيد من العبقرية في التعايش بيمهما قديماً ولنلقي ضوءً بسيطاً حولها بالتالي :
فتراث وطريقة الاجداد من خلال تعاملهم بالطاقة يعتبر ذو طرق مبتكرة وخاصة في استغلال البيئة الفقيرة للطاقة التي لديهم ، وفي ابتكار طرق بسيطة لتناولها.
وتأتي الطاقة وتناولها من ناحية التراث من عدة أوجه ولنبدأ بالوجه الاول: 


طرق طبخ القدماء بالطاقة المتوفرة
 

مادمنا نتحدث عن التراث والطاقة فلابد أن نتحدث مايحصل قديماً من إستعمال الطاقة المتوافرة للطبخ عبرتوفير حطب الوقود ونوعه من حطب الأثل أو الطلح أو السمر أو جذوع النخل والكرب أو الرمث والغضا والأرطى وغيرها من أنواع الحطب المتوفرة في البيئة حولهم والتي تستعمل غالباً في ايقادهم للنار، ومن المهم معرفة طرقهم في عدم استنزاف طاقة النار من الحطب بإستعمال طرق تبقي على حاجتهم لها ، فليس الحطب متوفراص بكثرة ومن غير المقبول الإستعمال الكثير أو المبالغ فيه ، ومن هنا جائت علاقة التراث وطرق الطبخ وتوفير الحطب بإيجاد طرق لأشعال النار بطرق توفر الحطب أوتقلل من كثرة استعماله وذلك  ببناء الوجار او ماتسمى بالدوّة أو المنقل وطرق تنشيف الحطب وطريقة الإيقاد بحيث لاتتسبب في نفاذه سريعاً..

ونأتي الى التراث وطاقة الاضاءة
لاشك أن الطاقة المتمثلة بالإضاءة قديماً لها من الاهمية بحيث أوجد القدماء نوعاً مميزا في إضاءة البيوت أو الطرق أوالاستعمال البسيط للإضاءة من حولهم ، وطرق الإضاءة لدى الاولين تأتي من خلال مواد أولية مصنوعة محلياص كالسراج الطيني أوالمصنوع من التنك أو المستورد من البلاد المجاورة كالفوانيس والأتاريك وهي تستعمل بكثرة قديماً .

وايقاد السراج للاضاءه كان يستخدم طاقة الإضاءة من شحم الغنم (الودك) أو من الفتيل المغموس في القطران أو الشمع المستخرج من العسل او غيره ، وهذه الامور ليس توفيرها سهلاً أبداً وكذلك إستعمالها بالحد الأقصى الموفر للطاقة وخاصة بعد إستبدال الشحوم والزيوت بالكيروسين (الكاز) في بداية القرن العشرين وإستجلابه من البلاد المجاورة، وهنا تأتي العلاقة بين طاقة الإضاءة والتراث بإستحداث الطرق الأوفر وكذلك التوفير للموجود منها بحيث تستدام العملية لمعيشة هانئة .

نأتي هنا للتراث وطاقة التبريد والتدفئة




ونكمل ماكان يستخدمه الاولون من إستعمال طاقتي التبريد والتدفئة قديما والتي تعتبر الطاقة الاهم فبلا تبريد في حر القيظ الشديد والذي تصل درجات الحرارة الى الخمسينات وكذلك للتدفئة شتاء حيث تصل الحرارة لمستويات الصفر المئوية ، فلابد من أن يستحدث الاولون طاقة للتبريد صيفاً وطاقة للتدفئة شتاء...

 وتفتقت أذهان القدماء لإستحداث الطرق المميزة بالموجود لديهم من أفكار لإيجاد منازل لهم تقيهم حر الصيف وتحمل لهم الدفء شتاء، وذلك من خلال طريقة البناء
بمادة الطين والتي تعتبر مادة عازلة مائة بالمائة وخاصة أن الجدران كانت من السماكة بحيث تمنع الهواء الحار من التغلغل في المنازل أو زمهرير الشتاء.




ولاشك ان الأولين قد أوجدو تقنيات رائعة في التهوية للمنازل وبطرق مبتكرة وذلك لتبريد المنازل بابتكار (الباقدير) او مايسمى عربيا (ملقم الهواء) لتبريد البيت صيفا بادخال الهواء من سقف المنزل الى وسط الغرف .
طبعا الباقدير وملقف الهواء لايعرف في نجد لكن استعاض عنه بالروشن والشبابيك العلوية مع فتحات مثلثة للتهوية وهي تمثل خصوصية للمنزل النجدي .



كما أن للشتاء له طرقه بالدفء وذلك باغلاق المنافذ ووجود عزل طبيعي مسبق للبيت متمثل ببيوت وجدران الطين التي تعتبر عازل نظرا لسماكة الجدران.
وتأتي ايضا للتبريد صيفا من خلال اطالة اسقف الغرف لتكون ابرد صيفا فالحرارة تكون في الاعلى نتيجة خفة الهواء الحار عن الهواء البارد ووجود شبابيك اعلى الغرف تطرد الهواء الحار .


ومما لاشك فيه أن تصميم المنزل باحتوائه الباحة الداخلية (بطن الحوي أو الحوش) المكشوفة تعطي خصوصية عربية مع تبريد لكل الغرف التي ليس لها شبابيك للخارج بل لداخل المنزل.
وهناك ايضا الروشن والغرف المستقلة فوق السطح ذات التهوية الجيدة وتعتبر عرزالة المنزل لما تتصف من تهوية باردة صيفا.
هذه الأفكار التي جمعتها تبين علاقة التراث بالطاقة القديمة وهي (الاضاءة والتبريد  والطبخ) جمعتها لتكون بذرة لمقالات أوسع حول العلاقة ربما تفتقت بعض الأقلام للتحدث تفصيلاً عنها...

ونأتي للعلاقة الثانية وهي:

علاقة التراث بالمجتمع الاسلامي العربي



العلاقة كبيرة ومتشعبة ومتنوعة بتنوع اهل التراث وافكارهم أو ماينقلونه من دراستهم عبر نشر الوعي للجيل الجديد ونقصد بالتراث (القِيَم والمعتقدات والافكار) الموافقة للدين الاسلامي والتراث العربي ..

فنأتي لأهم نقطة في هذا الأمر وهي نقل القِيَم والمباديء من جيل الاجداد الى جيل اليوم بل الى كل مجتمعنا الحاضر...
وتأتي هذه الخطوة بنقل الصور العظيمة والتي نتشرف باستحضارها للجيل الحديث من الدين والعقائد ويتبعها المراجل والمروءة والكرم والضيافة والشجاعة والبلاغة بالحديث الخ... 



وقيم لاتخفى على أحد ولاشك أن الحديث في هذا الأمر سيأخذ منحا كبيرا ولاتتسع الأسطر لذكرها ، لكن هي ومظات ذكرتها مختصرا وربما تنقل وتطرح في مثل تلك المقابلات التراثية لنقل علاقة التراث بالمجتمع.
كما أنه من الممكن أن تكون العلاقة علاقة بالشكل التراثي واثره في ايجاد لغة مشتركة لابناء الوطن كطرق بناء المنازل والحارات وبناء المساجد والمدارس واعمال الخير كالاوقاف وغيرها من ظواهر تراثية تحقق معنى عظيم لقيم وعقائد وترابط المجتمع القديم بالجديد .
 فالقديم الذي لاينكره احد ولايعيبه احد وهو المثال المشرف فمن لا أول له لامستقبل لديه.
وقد تخرج افكار اخرى حول هذا الأمر..من خلال مناقشتها عبر الندوات المخصصة...
وربما استلهمت من نقاشات مع بعض المهتمين وايجاد افكار ستظهر وتبرز في العصف الذهني من تلك الندوات ...

ثم نأتي للعلاقة الاخيرة والأهم والتي تهمنا حاضرا اليوم قبل الغد وهي العلاقة المميزة بين التراث والتنمية .

التراث والتنمية
موضوع التراث وعلاقته بالتنمية هو الأهم والأمر الأبرز والذي من خلاله يستقي الساسة والمثقفين افكارهم تجاه التنمية في اي بلد ...
وربما حديثي عام بحيث يشمل كل بلاد العالم وأيضا ربما نفهم منه مايهمنا وعلاقتنا كتراث خليجي  بتنمية بلادنا وهذا اللذي أرجوه. ...



التنمية بوجهها الاقتصادي معروفة اما التنمية بوجهها التنظيري والثقافي والتراثي هي التي تهمنا والتي نسعى لفهمها جيدا وخاصة في مسألة تنمية الفكر المجتمعي المتنور لحمل تلك القيم التراثية الفكرية .


بداية نستطيع القول أنه لايمكن لبرامج التنمية النجاح في مجتمع متخلف...!
لان التنمية تتأثر بطبيعة التراث الشعبي (قيم ومباديء ومعارف)، وما يتضمنه تراث مجتمع ما بعادات الناس فيه ومعتقداتهم ونظرتهم إلى الكون والحياة وطريقة حكمهم على الأشياء.
فخطط التنمية التي لا تراعي مثل هذا البعد ستنتهي لطريق مسدود، أو نتائج محدودة مهما توفر لها من العوامل الاقتصادية والسياسية المناسبة.
فالايمان بالتراث والاندفاع نحو التقدم امران متجانسان، فمن خلالهما فقط نضمن انتظام التطور الثقافي والاقتصادي المعني بالتنمية المستدامة. 
فالتراث الشعبي طرف أساسي وهام لا يمكن تجاهله في أي برنامج أو خطة لتنمية البلد والمجتمع، خصوصا اذا فهمنا وعرفنا التالي:
أن تغيير ظروف المجتمع نحو الأفضل هو الهدف النهائي للتنمية
فلابد من أن يؤمن المجتمع بعلاقة التراث بالتنمية مشاركا وفاعلا وقبل ذلك مؤمنا به.
بالطبع هناك امور تسبق العمل بالتراث بعد (فلترة) إن صح التعبير (التراث) وحل مشكلاته المرضية والاساطير والخزعبلات الخرافية وأن يكون تراثا صافيا صحيحا موافقا لقيم الدين الاسلامي ومبادئه لتستقر النفوس وتهنأ الحياة الاجتماعية، فيصبح مستعدا للنمو الصحي، 

النتيجة النهائية 
هي كالتالي:
أن التراث بكل أبعاده ومساراته يشكل قضية مجتمعية أساسية ومعلم مهم يحظر تجاوزه عند دراسة أية قضية أو ظاهرة اجتماعية بما في ذلك عمليات وبرامج التنمية التي نحن بصددها.
وهنا أمر آخر وهو أن مضمون التراث قد يكون ذا اتجاهين الايجابي الدافع للتطور ...
أو السلبي الذي يقف جدارا امام التقدم 
او خليطا من هذا وذاك
فلا يجوز أن نتجاوزه مما نراه من تلك الظواهر التي فهمناها من التراث....
فالمهم أن عناصر التراث الشعبي بكل ما يحويه من (عادات وتقاليد وأعراف ومعتقدات) سواء محفوظة ام لا وظاهرة أو مخفية ...
فهي ذات معنى سائد بالمجتمع، مع الاعتراف باختلاف الايمان بها من طبقة مجتمعية لأخرى  فلا بد من دراستها ووضعها في الاعتبار عند التفكير والعمل على تنمية المجتمع وتغييره، فعلى ضوء التعرف والفهم الحقيقي لموقف التراث يتوقف النجاح الحقيقي والهدف النهائي لأي برنامج انمائي في المجتمع، فالمجتمع بمجموع أفراده هو الوسيلة والأداة الحاسمة لتنفيذ وإنجاح  برنامج التنمية، وهو الغاية منها في نفس الوقت..
هذا وبالله التوفيق


أرجو أن أكون وفقت في نقل صورة فكرة التراث وعلاقته بالتنمية ..
اخوكم الرحال وائل الدغفق رحال الخبر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق