الأربعاء، 18 مارس 2015

خليج عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقناة سيزوستريس

       بسم الله السميع البصير...


 هذا مقال مختصر بالصور لخليج عمر بفسطاط مصر من اعداد رحال الخبر.




     نحمد الله أن هدانا للحق ونصلي ونسلم على خير خلق الله محمد ابن عبد الله صلى الله      عليه وسلم ثم أما بعد...

من هاهنا ومن خلال هذه الاسطر القليلة ابسط اليكم قرائنا الاعزاء سردا بسيطا خاصا بمبحث  جغرافي وتاريخي لخليج عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وتاريخه وليس أكثر من أن يكون كذلك ، فلست مسهبا بتاريخ عام لمصر أو جزيرة العرب وإنما بحدود جغرافية الخليج ومايتم التعريف بشأنه.

قد يكون هذا الخليج معروفا لدى البعض ولكن لدى الأغلب أنه غير معروف وهذا سبب بحثي هذا .
صورة عامة لمنطقة نهاية البحر الاحمر من الشمال مع اتصاله بالقاهرة

فنكمل مابدأنا ونعيد بسم الله وبه المستعان ...

قبل تحديد الجهة لهذا الخليج لابد من الاشارة للمراجع التاريخية التي وصفته ، ولعل تاريخ المقريزي يبسط بعض ذلك حيث ذكر بكتابه المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار الجزء الثالث صفحة 122 بقوله: (هذا الخليج بظاهر مدينة فسطاط مصر ويمرّمن غربيّ القاهرة وهو خليج قديم احتفره بعض قدماء ملوك مصر ...ثم تمادت الدهور والأعوام فجدّد حفره ثانياً بعض ملوك مصر من ملوك الروم بعد الاسكندر فلما جاء الله سبحانه بالإسلام وله الحمد والمنة وفتحت أرض مصر في عام الرمادة وكان يصب في بحر القلزم فتسير فيه السفن إلى البحر الملح وتمرّ في البحر إلى الحجاز واليمن والهند ولم يزل على ذلك إلى أن قام محمد بن عبدالله بن حسن بن حسن بن عليّ بن أبي طالب بالمدينة النبوية والخليفة حينئذ بالعراق أبو جعفر عبدالله بن محمد المنصور فكتب إلى عامله على مصر بأمره بطمّ خليج القلزم حتى لاتُحمل الميرة من مصر إلى المدينة فطمّه وانقطع إتصاله ببحر القلزم وصار على ماهو عليه الآن وكان هذا الخليج أولاً يُعرف بخليج مصر فلما انشأ جوهر القائد القاهرة بجانب هذا الخليج من شرقيه صار يعرف بخليج القاهرة وكان يقال له أيضاً خليج أمير المؤمنين يعني عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأنه الذي أشار بتجديده حفره.

قناة سيزوستريس الاقدم والتي اعيد حفر خليج عمر عليها

يقع خليج عمر والذي اعيد فتحه لقناة قديمة توالت الملوك التي حكمت مصر على        انشائها وهي حاليا القناة بين نهر النيل من القاهرة وحتى الاسماعيلية وتسمى حاليا          ترعة الاسماعيلية.

وإذا تحدثنا عن زمن إنشاء الخليج العمري فلابد أن نرجع لعام الرمادة ، حيث كانت السياسة والحكم والاقتصاد متلازمان ومن أركان الدولة القوية والناجحة.وماحصل في تلك الفترة من عام الرمادة إلا حالة من التدهورالاقتصادي القاسي جدا على الدولة الاسلامية في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وخاصة أن الدولة تعتبر فتية مقارنة بالدول العظمى حولها.

ففي عام 18 للهجرة حصل قحط كبير دام تسعة أشهر وهو أمر جلل داهم الجزيرة العربية وسمي بعام الرمادة لأن الريح تسفي تراباً كالرماد، واشتد جوع أهل دار الخلافة في المدينة المنورة وماحولها حتى جعلت الوحوش تأوي إلى البشر، وحتى جعل الرجل يذبح الشاة فيعافها من قبحها.

وحين كان الوضع الإقتصادي للجزيرة العربية بهذا الشكل المريع فلاماء ولامرعى ولا حتى ماشية ، فلاطعام ولا امان وحينها كما هو معروف من أن عمر قد عالج تلك القضية بما اوتي من قدرة لمساعدة الناس وحمل التجار للبذل والعطاء وسد حاجة المتضررين ، بل كان يقوم بنفسه رضي الله عنه حين أقسم بألا يذوق لحماً ولا سمناً حتى يكشف الله الضر، وقال: كيف يعنيني شأن الرعية إذا لم يصبني ما أصابهم؟!

 قناة سيزوستريس والتي اعيد حفرها عمرو بن العاص بأمر عمر بن الخطاب


مدينة الاسماعيلية وبحيرة التمساح والقناة الحالية في نفس موقع خليج عمر


وبدأ عمر الفاروق بمواجهة المشكلة داخلياً متجهاً لله عز وجل، وثم إلى الأغنياء والموسرين من رعته، واستجلب القوت من كل مكان ممكن، وحمله على ظهره مع الحاملين ، ويبحث عن من يحتاجه من الفقراء والمعوزين .
ويقول أبنه عبدالله :" كان عمر بن الخطاب أحدث في زمان الرمادة أمراً ما كان فعله ، لقد كان يصلي بالناس العشاء ثم يخرج حتى يدخل بيته، فلا يزال يصلي حتى يكون آخر الليل، ثم يخرج فيأتي الأنقاب فيطوف عليها، وإني لأسمعه ليلة في السحور وهو يقول: اللهم لاتجعل هلاك أمة محمد على يدي" .

ولم يقف علاج مأساة عام الرمادة على العمل الداخلي بل عمد لمخاطبة الامصار التي فتحت ومنها مصر الحديثة التي تزخر بالأنعام فأرسل كتابا مختصرا فيه من المعاني العظيمة الى والي مصر آنذاك عمرو بن العاص حيث قال فيه: 
"بسم الله الرحمن الرحيم.من عبدالله عمر أمير المؤمنين إلى العاص إبن العاص ، سلام عليك. أما بعد،أفتراني هالكاً ومن قبلي وتعيش أنت ومن قبلك؟ فياغوثاه! ياغوثاه! يا غوثاه!"
صورة بالاقمار الصناعية لبحيرات المرة وبحيرة التمساح وقناة الاسماعيلية(خليج عمر)

ورد عمرو بن العاص الرسالة بقوله:
"بسم الله الرحمن الرحيم.إلى عبدالله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب من عمرو بن العاص، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله، الذي لا إله إلا هو . أما بعد ، أتاك الغوث فلبيك لبيك، لقد بعثت إليك بعيرٍ أولها عندك وآخرها عندي ، مع اني أرجو أن أجد سبيلا أن أحمل في البحر".
فبعث في البر بألف بعير تحمل الدقيق، وبعث في البحر بعشرين سفينة تحمل الدقيق والدهن، وبعث إليه بخمسة آلاف كساء.
وكتب إلى معاوية بن أبي سفيان والي الشام يقول:"إذا جاءك كتابي هذا فابعث إلينا من الطعام بما يصلح قِبَلَنا؛ فإنهم قد هلكو إلا أن يرحمهم الله . فأرسل معاوية ثلاثة آلاف بعير من دمشق، وقدم أبو عبيدة بن الجراح من حمص بأربعة آلاف راحلة محملة بالطعام.

بداية إعادة حفر خليج عمر

لعل أول مشروع إقتصادي دولي على مستوى العالم في ذلك الوقت ذي الامكانيات الضعيفة هو إنشاء ذلك الخليج العظيم الذي يربط بين القاهرة ومن الفسطاط بالذات  وحتى بحيرة التمساح بخليج السويس والذي يعتبر المشروع الاضخم بعد مشروع الدفاع المهم وهو حفر الخندق بالمدينة ، بعهد الرسول صل الله عليه وسلم ،وعن طريق هذه القناة المهمة تم ربط النيل بالبحر الأحمر ، ولو أن الروايات أختلفت في من بدأها أول مرة .

وفي رواية شق هذه القناة نذكر ماذكره ابن عبد الحكم في كتابه فتوح مصر والمغرب: أن عمر بن الخطاب كتب إلى عمر بن العاص رضي الله عنهما أن يقدم عليه هو وجماعة من أهل مصر، فقدمو عليه، فقال عمر:"ياعمرو ، إن الله قد فتح على المسلمين مصر، وهي كثيرة الخير والطعام، وقد ألقي في رُوعي ؛لما أحببت من الرفق بأهل الحرمين، والتوسعة عليهم حين فتح الله عليهم مصر وجعلها قوة لهم ولجميع المسلمين، أن أحفر خليجاً من نيلها حتى يسيل في البحر، فهو أسهل لما نريد من حمل الطعام إلى المدينة ومكة، فإن حمله على الظهر يبعد، ولا نبلغ من ما نريد، فانطلق أنت وأصحابك فتشاورو في ذلك حتى يعتدل فيه رأيكم".

فانطلق عمرو فأخبر بذلك من كان معه من أهل مصر، فثَقُلَ ذلك عليهم، وقالو : نتخوف أن يدخل في هذا ضرر على مصر، فنرى أن تعظم ذلك على أمير المؤمنين، وتقول له: إن هذا الأمر لايعتدل ولا يكون، ولا نجد إليه سبيلاً.
فرجع عمرو بذلك على أمير المؤمنين، فضحك عمرحين رآه، وقال: "والذي نفسي بيده، لكأني أنظر اليك يا عمرو وإلى أصحابك حين أخبرتهم بما امرنا به من حفر الخليج فثقل ذلك عليهم، وقالو: "يدخل في هذا ضرر على مصر، فنرى أن تعظم ذلك على أمير المؤمنين، وتقول له: إن هذا الأمر لايعتدل ولا يكون، ولا نجد إليه سبيلاً".
فعجب عمرو بن العاص من قول عمر، وقال: صدقت والله يا أمير المؤمنين، لقد كان الأمر على ما ذكرت.
فقال له عمر: انطلق ياعمرو بعزيمة مني حتى تجدَّ في ذلك، ولايأتي عليك الحول حتى تفرغ منه إن شاء الله .فانصرف عمرو، وجمع لذلك من الفَعَلَةِ ما بلغ منه ما أراد، ثم أحتفر الخليج الذي في حاشية الفسطاط الذي يقال له : خليج أمير المؤمنين، فاقامه من النيل إلى القلزم، فلم يأت الحول حتى جرت فيه السفن، فحمل فيه ما أراد من الطعام إلى المدينة ومكة ، فنفع الله بذلك أهل الحرمين ، وسمي خليج أمير المؤمنين.

علاقة قناة سيزوستريس بخليج عمر

حينما نتكلم عن قناة مائية تربط النيل بالبحر الأحمر لابد لنا أن نستعرض التاريخ والقنوات التي كانت أو إنشأت في الفترات ماقبل حفر عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومنها تلك القناة المسماة قناة سيزوستريس وهي قناة تم حفرها من قبل قدماء المصريين في عهد الملك سنوسرت الثالث لتكون أول قناة على حسب التاريخ المنقول تربط بين النيل وبالبحر الاحمر.

 فإن ذكرنا التسلسل التاريخي للقنوات المشابهة لخليج عمر وهو بالاصل قناة وليس خليجا بالمعنى الجغرافي والتضاريسي ، ففي عهد سنوسرت الثالث عام 1850 قبل الميلاد أول قناة من النيل وحتى البحر الاحمر وسميت بقناة سيزوستريس (وهي التسمية الأغريقية للملك سنوسرت) وأدت لأزدياد حركة التجارة في بلاد بونت (بلاد الصومال حاليا) بين مصر وجزر البحر المتوسط (كريت وقبرص)
ثم تكررت التجديدات للقناة في عهد الملك سيتي الاول 1310قبل الميلاد.والملك سيتي الاول خلفا لأبيه رمسيس الاول .
ثم تكررت في عهد نخاو الثاني عام 610 قبل الميلاد. وفي عهد دارا الاول ايضاً 510 ق.م.
وتكررت في ايام الحتلال الفارسي لمصر وابان حكم شاهنشاه داريوش الكبير ملك الفرس اعيد حفر القناة عام 500 ق.م.
وفي عهد بطليموس الثاني ايضا عام 285 ق.م. وأهملوها البيزنطيين بعد ذلك حتى طمرتها الرمال 
وفي عهد تراجان اعيد حفرها عام 117 ق.م واعيدت الملاحة فيها واستمرت 300 عام ثم أهملت واصبحت غير صالحة للسفن.

 ثم في العهد الإسلامي وفي ولاية عمرو بن العاص لمصر عام 640 للميلاد عندما فتح المسلمون مصر بعهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب أراد توطيد المواصلات مع شبه الجزيرة العربية ، فأعاد حفر القناة من مدينة الفسطاط المطلة على النيل من جهة شرق القاهرة وحتى بحر القلزم (البحر الأحمر) وتم إطلاق الاسم عليها ، خليج أمير المؤمنين عمر بن الخطاب.

وثم أستمرت القناة تؤدي مهامها نحو 150 عاما ..إلى ان أمر الخليفة (أبو جعفر المنصور) بردم القناة تماما، وسدها من ناحية السويس، منعا لأي أمتدادات من مصر للحجاز وكان ذلك الوقت وقت ثورات ضد الحكم العباسي.
وأغلقت القناة من يومها حتى عام 1820 م والآن هناك قناة الاسماعيلية والتي تشكل تقريبا نفس المسار القديم وتصب من القاهرة حتى بحيرة التمساح والمتصلة ببحيرات المرة وقناة السويس.

ومما زاد من اهمية خليج عمربن الخطاب هو ما كان من ازدهار لمدينة الفسطاط المطلة على النيل وهي التي خطها عمرو بن العاص كبداية وبذرة لمصر في نواة الدولة الاسلامية ، وادت الحركة التجارية ، بفضل الله ثم بفضل قرار أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، والتي أحيت المنطقة بين النيل والبحر الاحمر .
وكانت تسمى القناة قبل أن يأمر بحفرها عمر بن الخطاب بقناة تراجان، وهي على زمن الرومان الذين احتلو مصر ، وقد تم اخراج القناة من النيل من منطقة شمال بابليون وأثناء الفتح العربي الاسلامي مبدأها بشارع الخليج المصري بحذاء مدخل شارع أبن أزرق بأرض جنينة لاظ، والواقعة في الجهة الشمالية الغربية من جامع السيدة زينب.
ولما طمست هذه القناة في كثير من أجزاءها نتيجة عدم الاهتمام بحركة البحر الاحمر ولم يكن بالبال للرومان والبيزنطين وأهل مصر من القبطيين في اعادة تلك القناة ، فلم تكن لهم غاية في ذلك المكان، ولكن لإتصال العرب بإخوانهم في جزيرة العرب هو ما أحيا القناة ،والتي كان حفرها اعجوبة من أعاجيب الفاروق والتي كانت نصرا وفوزا وقوة بين مصر والجزيرة العربية ، وكانت تزخر بالتجارة البينية من خلال السفن المحملة بالغلال  والعروض والطعام ، واستمرت همزة الوصل بين الحجاز ومصر سنوات حتى اهملت مرة أخرى بعهد عمرو بن عبد العزيز سنة 723م وما بعده من الولاة ، حتى ردمها ابوجعفر المنصور تماما لمنعاي مساعدة للثوار على الحكم العباسي ومد العون للحجاز من خلالها.

وتوالت الاسماء على خليج عمر وبعد إنشاء القاهرة وسمي بخليج القاهرة فالخليج الحاكمي ثم سمي خليج اللؤلؤة نسبة لقصر اللؤلؤة الذي كان قاءم في العصر الفاطمي في موقع مدرسة الفرير بالخرنفش، وسمي أيضا خليج مصر أو الخليج المصري .
وأخيرا وفي عام 1899م تم ردم الجزء الواقع من الخليج في القاهرة وحل محله شارع الخليج المصري.

وهكذا تم إسدال الستار عن اعجوبة الفكر العمري في تقوية بلاد المسلمين بهذه القناة التي أحيت وحملت الخير للجزيرة العربية وانعشت التجارة لمصر .

هذا ماوفقني الله اليه في جمع شتات مانقل عن تلك القناة أو الخليج والتي كان حفرها يعد تحولا عمرانيا واقتصاديا وسياسيا احدث الكثير من النتائج العظيمة للجزيرة العربية ومصر ابان الحكم العمري .

ونسأل الله أن نوفق دوما لبسط مارأينا وشاهدنا وقرأنا من معارف ومشاهد للقارئ العزيز ليطلع على المعرفة ويأخذها بسهولة ويسر .
وتقبلوا تحياتي أخوكم رحال الخبر - وائل الدغفق
الخبر جماد الثاني 1436هـ مارس 2015م



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق