رحال الخبر
الحياة رحلة ، والكل مرتحل وراحل عنها فكيف السبيل لزاد يبلغنا المنتهى ... لعلنا من خلال هذه المدونة وترحالنا حول العالم نضع العالم بين ايديكم لنعرف كم هو العالم صغير وكم هو الانسان يعاني وليس له الا الواحد الاحد يبلغه مأمنه ..
الأحد، 16 نوفمبر 2025
اللقاء السادس لرحالة الجزيرة العربية بالمدينة المنورة رحال الخبر 1447هـ
الخميس، 23 أكتوبر 2025
جولة الصين الخامسة الشاملة رحال الخبر 1447هـ
✦ رحلة الصين بين الجبال والأنهار (5–24 أكتوبر 2025)
✍️ د.الرحال وائل عبدالعزيز الدغفق
(رحّال الخبر)
مقدمة
في الشرق البعيد، حيث تتعانق السحب بالجبال وتغفو الأنهار في أحضان المدن القديمة، كانت الصين على موعدٍ مع رحلةٍ عربيةٍ تحمل عبق القهوة وفضول المغامرة.
رحلةٌ جمعت بين الحنين إلى الطبيعة والبصيرة بالتاريخ، وبين دهشة المدن الكبرى وهدوء القرى النائية.
اثنا عشر يوماً بين غوانغجو وقويلين وتشانغجياجيه، في حكايةٍ تمزج بين الضوء والمطر، بين الحجر والماء، وبين الإنسان والطبيعة التي خلقها الله جمالًا يتجدد في كل نظرة.
الفصل الأول:
الوصول إلى غوانغجو عناق الشرق الأول
في صباح الثاني عشر من أكتوبر، كانت ثلاث طائراتٍ تشقّ طريقها من الرياض والكويت ودبي، تلتقي فوق سماء الصين في رحلةٍ جمعت الإخوة على أرضٍ غريبة الملامح، دافئة الاستقبال.
كنتُ في انتظارهم منذ الصباح، وعند الساعة الحادية عشرة وخمسين دقيقة كانت القوافل قد وصلت مطار غوانغجو الدولي، حيث احتفى بنا المرشد المحلي بابتسامةٍ صينيةٍ مطمئنة، واتجهنا إلى فندق أوشن في قلب المدينة.
كان اليوم الأول حراً، فاختار بعض الرفاق مطاعم تركية وعربية قريبة، بينما انطلق آخرون بين أسواق غوانغجو الغارقة في الألوان والعطور.
ومع منتصف الليل، وصل احد اعضاء الرحلة، لتكتمل القافلة ويبدأ المشهد الأول من الرواية الشرقية.
في اليوم التالي، تجولنا بين معلم أشجار الصنوبر الستة، ثم إلى أكاديمية عائلة تشين وبيت الزعيم صن يات-سين.
وعلى جزيرة شاميان التي ما زالت تحتفظ بملامح الاستعمار الفرنسي والإنكليزي، سرنا تحت أشجارها القديمة على ضفاف نهر اللؤلؤ.
واختُتم اليوم في سوق تشينغبينغ الشعبي، حيث تنبعث روائح الأعشاب والأسماك المجففة وذكريات الصين القديمة.
الفصل الثاني:
إلى قويلين ومدرجات الأرز أنشودة الريف الصيني
ليلة الرابع عشر من أكتوبر كانت مختلفة، إذ وصلت احد أعضاء الرحلة بعد تأخيرٍ طويل سببه جواز السفر، فكان استقباله في المطار كأننا نستقبل صديق عاد من رحلة صبرٍ طويلة.
وفي صباح اليوم التالي، انطلقنا بالقطار السريع نحو قويلين، مدينة الجبال والأنهار.
ومن هناك إلى لونغشنغ لزيارة قرية لونغ إي ذات المدرجات الأزلية التي تُزرع بالأرز منذ مئات السنين.
تسلقنا الممرات، وشاركنا القرويين طعامهم البسيط المطهو على البخار، في بيوتٍ خشبيةٍ تتدلّى من سفوح الجبال.
كانت الليلة بين الغيم والماء، أنوار صغيرة تتلألأ على مدرجات الأرز، كأن السماء انثنت لتقبل الأرض.
مع فجر الخامس عشر من أكتوبر، استيقظنا على صياح الديكة وهديل وتغاريد العصافير.
انطلقنا بعدها إلى يانغشوو، مدينة الشعر على ضفاف نهر لي، حيث ركبنا السفن وانساب بنا الماء بين الجبال المخروطية التي ألهمت الرسامين والشعراء.
وفي المساء، حضرنا عرض “ليو سانجيه” الأسطوري فوق سطح النهر، مشهدٌ من الضوء والموسيقى يحكي عن حبٍّ ووفاء في أسطورةٍ خالدة.
الفصل الثالث:
الكهوف والبحيرات حيث سكون قويلين وسحرها
صباح السادس عشر من أكتوبر ودّعنا يانغشوو، وعرّجنا على كهف الناي (Reed Flute Cave) حيث تتدلّى الصخور كأنها ألحانٌ متجمدة.
ثم زرنا مصنع الحرير قبل الوصول إلى فندق برافو جولين المطل على البحيرة، حيث انعكست أنوار المساء على الماء، فبدت المدينة لوحةً حية من جمالٍ وطمأنينة.
في السابع عشر من أكتوبر، زرنا صخرة خرطوم الفيل، رمز جولين الأيقوني، ثم ركبنا القطار السريع نحو مدينة العجائب تشانغجياجيه في رحلةٍ استغرقت سبع ساعات من الجنوب إلى الشمال، حتى وصلناها ليلاً تحت أمطارٍ خفيفة ونسيمٍ جبليٍّ بارد.
الفصل الرابع:
تشانغجياجيه وجبال الأساطير بسلالم السماء
في الثامن عشر من أكتوبر بدأ فصل الأعاجيب.
توجهنا إلى محمية وولينغيوان الوطنية، وشاهدنا جبال جينبيان الشاخصة، ثم صعدنا بـ مصعد بايلونغ الزجاجي إلى حيث السحب تلامس قمم الصخور.
هناك وقفنا أمام مشهدٍ لا يُنسى؛ جبالٌ عمودية مغروسة في الغيم، ومنها استوحى المخرج الأمريكي فيلمه الشهير Avatar.
أما في التاسع عشر من أكتوبر، فقد واجهنا الطبيعة بصلابة الإنسان؛
توجهنا إلى جبل تيانمين (بوابة السماء)، لكن المطر والبرد والضباب حال دون رؤية الجسر الزجاجي الشهير.
ومع ذلك تابعنا السير حتى نزلنا 999 درجة معدنية وسط الرياح والضباب، وكانت الرحلة نزولاً من السماء إلى الأرض بكل ما تحمله الكلمة من تحدٍّ وجمال.
في اليوم الثالث (20 أكتوبر)، زرنا سوق وولينغيوان للعطارة الصينية، ثم مبنى الأبراج 72 التراثي المزدان بالعروض والرقصات الشعبية.
وفي المساء، كانت الرحلة الجوية إلى غوانغجو بديلاً عن القطار الطويل، لنصل منتصف الليل إلى فندق أوشن، منهكين ولكن فرحين.
الفصل الخامس:
ختام الرحلة في غوانغجو — بين الأبراج والمساجد
في الحادي والعشرين من أكتوبر، كان لنا موعد مع المدينة الكبرى من جديد.
بدأنا من برج كانتون الشاهق، مروراً بـ ساحة هواشنغ الفسيحة، ثم أسواق الأزياء وسوق بيمان الشهير، وختام اليوم في شارع بيجين الصاخب بالحياة.
كانت غوانغجو تودّعنا بأنوارها التي لا تنام.
وفي الثاني والعشرين من أكتوبر، بدأنا جولتنا الختامية في حديقة الكباش الخمسة، رمز الخلاص من المجاعة، ثم زرنا أسوار سلالة مينغ العتيقة، والقاعة التذكارية للدكتور صن يات-سين مؤسس الجمهورية الصينية الحديثة.
ومن هناك إلى أسواق شوبينغ للعطارة والفطر والجينسنغ، تلتها زيارة روحية في مسجد هوايشنغ ذي المنارة البيضاء، ثم مسجد أبي وقاص، الذي يروي التاريخ أنه بني في عهد الصحابة الأوائل.
واختُتم اليوم في حديقة ليوان حيث تتناثر البرك والجسور الخشبية تحت مطرٍ خفيف يوشك أن يقول: انتهت الحكاية.
وفي ذلك المساء، انطلقتُ وحدي إلى سوق الشاي الأكبر في غوانغجو، لأكمل فصولي الخاصة؛ أبحث عن أوراق الشاي النادرة، وأغذي متحف الشاي في الخبر بمعرفةٍ جديدة من أرض الشاي الأولى.
الفصل السادس: الوداع ومعرض كانتون — رسالة الشرق الأخيرة
في الثالث والعشرين من أكتوبر، زرت المنطقة الثانية من معرض كانتون فير 2025، حيث تتجلى الصناعة الصينية في أبهى صورها.
ثم عدت إلى الفندق استعداداً للرحيل، مودعاً الرفاق الذين رافقوني في رحلةٍ كانت أجمل من الحلم.
وقبل أن تنطوي الصفحة، اتفقنا أن الرحلة القادمة ستكون إلى الهند والمثلث الذهبي (دلهي – آغرا – جايبور)، وربما إلى كشمير في ربيع مارس، حيث الجمال لا يُكتب بل يُعاش.
الخاتمة
هكذا كانت الصين...
بلادٌ تجمع في حضنها التاريخ والحكمة، الجمال والصرامة، الألوان والضباب.
رحلةٌ لم تكن مجرد مسارٍ جغرافي، بل عبورٌ في الذات؛ من صخب المدن إلى سكون الجبال، ومن أعشاب العطارين إلى بخار الشاي الذي يروي الحكايات.
وما بين الغيم والابتسامات والقطارات والأنهار، وُلدت ذاكرةٌ جديدة تضاف إلى سجل رحلات "رحّال الجزيرة العربية"،
ذكرى تقول لكل من يقرأ:
"سافر لتعرف، وتأمل لتشكر، وعد لتُحدّث بما رأيت من جمال الله في أرضه."
الخميس، 16 أكتوبر 2025
مسار رحال الخبر للصين بين نظرات وعبر الرحلة 1447هـ
من بكين إلى كاشغر فالتبت لشنغهاي مرورا بقوانزو وهونج كونج:
فسيفساء الصين بعين رحّال…لا بعين سائح
✍️ د. الرحال وائل الدغفق – 1447هـ / 2025م
لماذا هذه الجولة؟
كنت اتسائل وأنا أتجول مرتحلاً داخل الصين في محاولة لفهم وطبيعة التركيبة العميقة للشعب الصيني بنظر رحّال وليس بنظر سائح لهذا كانت هذه الجولة وللفهم والتعرف أكملتها وسرت في أقاصيها وبين مدنها وقومياتها وفهمت شيئا وغاب عني أشياء.
وهو جهد المقلّ ، ومع ذلك فلكل مرتحل صفحة يرويها ونقولات يسطّرها ولقطات يسجّلها في مساره.
«رحلات رحّال الخبر في الشرق الأقصى»
قد تضمّنتُ فيها التوثيق الجغرافي والوصف الحسي لمساجد وأسواق قومية الهوي والأيغور وقوميات متعددة من مسلمي الصين، مع روح السفر والتأمل من حبس اللحظة وبث الفكرة وتدوين اللقطة ، والتي تميّزنا عن غيرنا.
وسأتناول هذا الموضوع ضمن خمس من المناحي الإيضاحية لهذه التركيبة.
وسأبدأها بتنوّع الشعب الصيني وتكوينه القبلي، ثم علاقة تلك المجتمعات مع بعضها. وثم علاقة المجتمع الصيني مع كل من حوله بالعالم، وبعدها سأتطرق إلى ملامح سلوكية قد تكون غريبة لمن يزور الصين ولم يلحظها، وأخيرًا الخلاصة التي وصلتُ إليها، وإلى التفاصيل.هذه الرؤية ستكون الخيط الذي يشد الرحلة كلها:
من بوابات بكين ومآذن نيوجيه، إلى صحارى شينجيانغ وأسواق كاشغر، مرورًا بنينغشيا الى قوانزو وجولين وتشانغجياجيه وجبال تيان ان مين، حيث يتكلّم الإسلام بلهجة صينية.
الفصل الأول:
🏯بكين حين يلتقي الأذان بسور الصين العظيم.
دخلت العاصمة من نافذة قطار الصباح، فأجد مدينةً تنبض بتناقض جميل حدائق إمبراطورية كالقصر الصيفي،وبحيرات أضفت على العاصمة حللٌ من الجمال بممرّاتٌ حجرية وفلل غاية في الجمال داخل حدائق صينية غاية في الدقة والتفاصيل المشتهرة في ثقافة الصين واعتنائهم بالحدائق وأسجار البونزاي وتصاميم البناء المدهشة، ولاشك أن سورها العظيم الذي يحيطها شمالا كعقد وتميمة حماية من الشماليين ، وسماءٌ تتكسّر عليها ناطحات ومبان غاية في الروعة.
"هنا أضع أوّل لبنةٍ لفهم “التركيبة”: مدينةٌ حديثة لا تخجل من قِدمها، وإسلامٌ قديم لا يخجل من حداثته.
الفصل الثاني:
الخماسية التفسيرية الصين كفسيفساء حيّة
أولاً: تنوّع الشعب الصيني وتكوينه القبلي والإثني
🌏 ثالثًا: علاقة الصينيين بالآخرين
مع الجيران الآسيويين: العلاقة مع اليابان وكوريا مشوبة بالمنافسة التاريخية والاحترام المتبادل — فهم أبناء حضارة الكونفوشيوسية نفسها.
ومع الغرب: إعجاب بالمنجز العلمي مقرون بريبة حضارية؛ وهي علاقة مركّبة من الإعجاب والريبة؛ فالصيني يحترم تفوق الغرب العلمي، لكنه لا يعترف له بالتفوّق الأخلاقي أو الحضاري. خصوصية البيت الصيني تحجب الضيافة المنزلية المباشرة عن الغرباء والغربيون يُدهشون من انغلاق الصينيين على خصوصيتهم الاجتماعية، حيث يندر أن يُدخل الصيني الغريب إلى بيته.
الفصل الرابع:
الخريطة الواسعة لمسلمي الصين موجز منظّم.
في شمال الصين، حيث يتلوى النهر الأصفر… تمتد أرض نينغشيا كواحةٍ صغيرة… تشعر أنك لا تسير في الصين فحسب، بل في فصلٍ نادر من تاريخ الإسلام…
... هكذا نشأت هوية الهوي ليست قومية دمٍ، بل قومية إيمانٍ وثقافة… مسلمون تمامًا، وصينيون تمامًا… جسرٌ بين الشرقين…
شيان مدينة الأذان القديم وطريق الحرير
على سكّةٍ تشقّ الشمال باتجاه الغرب أصل إلى شيان ، مدينة الجند الطينيين وبوابة طريق الحرير الشرقي. هنا بُنيت أولى مساجد شرق آسيا، وهنا عبر العربُ والفرس والتُّرك، ونُقشت الشواهد بالعربية والصينية.
للعرب حضور قديم في الصين منذ القرن السابع الميلادي، خاصة في مدن مثل قوانغتشو وشيان حيث بُنيت أولى المساجد في شرق آسيا.
بين أزقة شيان أسمع صدى “السلام عليكم” قديمًا، يمتزج بطرق الطبول في مواسم الاحتفال.
الفصل الخامس:
نحو الغرب الأقصى – شينجيانغ والبوابة الكبرى
وها انا أشدُّ الرحلة أكثر الى الغرب ، حيث تتبدّل التضاريس، وتصبح السماء أكثر اتساعا ، والهواء أكثر نقاء وجفافاً ، والجبال من حولنا أضحت حُرّاسًا على الحدود.
هنا تبدّلت الأرض والإنسان والدين والحياة، لأننا من هنا نبدأ في سرد حكاية الأيغور.
رحلاتي بين الأزقّة والأسواق في كاشغر (Kashgar)…لقومية الأيغور في قلب آسيا المسلمة.
🕌 حين تدخل كاشغر، تشعر وكأنك تقف عند بوابة الزمن…
خبز الأفران الطينية، جامع إيدي كاه (1442م)…والسوق القديم يعجّ بألوان القبّعات والتوابل وصدى الأذان المفقود عدا داخل المسجد وبصوت الهمس. هنا، في الجنوب الغربي من إقليم شينجيانغ (Xinjiang Uygur Autonomous Region)، يعيش الأيغور شعبٌ تركيٌّ مسلمٌ يغزل حياته بين رياح الصحراء وضفاف واحات تبعث على الحياة وتجدد الماضي ، وبين قوافل درب الحرير والحدود القهرية، بين درب منقطع للحرير تجاري وآذان الجمعة متوقف لسوقها الحامي .
كاشغر ليست مجرد مدينة إنها قلب الهوية الأيغورية، مفترق طرقٍ بين الشرق والغرب، بين الصين وآسيا الوسطى، بين التاريخ والحاضر.🌄 منذ القِدم: التاريخ يُكلّم الحجرقبل أن تُدعى كاشغر بهذا الاسم، كانت تُعرف باسم شولي (Shule)، وقد ذُكرت في السجلات الصينية منذ القرن الثاني قبل الميلاد كواحةٍ في طريق القوافل.مرّت على هذه الواحة قصص كثير، من إمبراطورياتٍ عابرة، من صراعٍ على الطرق، من أممٍ ودولٍ وملوكٍ:في عهد أسرة تانغ، دخلت كاشغر ضمن نفوذ الصين في فترات معينة، كحصنٍ على حدود الإمبراطورية الغربية.عبر العصور، كانت تحت سيطرة الإمبراطوريات التركية، والمغول، والكاراخانيين، وغيرهم من الدول التي تتقاسم السلطة هناك.في القرن العاشر، اتّخذت سلالة الكاراخانيد الإسلام كدين رسمي، فكان ذلك لحظة محورية في تشكيل الهوية الدينية للمنطقة، وأثرت في كاشغر كأحد مراكز المسلمين الجدد.في العصور اللاحقة، خضعت لزخم الحركات السياسية والدينية، بما في ذلك محاولات الاستقلال والحكم الذاتي، مثل قيام جمهورية تركستان الشرقية الأولى من كاشغر عام 1933 لفترة قصيرة.في عهد الإمبراطورية الصينية (السلالة الكينغ)، اجتُلبت المناطق الغربية تدريجيًّا إلى الحكم المباشر الصيني، فواجه الأيغور تحديات السيطرة المركزية.بذلك، كاشغر ليست فقط مدينة عابرة في التاريخ، بل ميدانٌ تجري فيه قصة الأيغور — خلقوا التاريخ كما يُخلَق التاريخ من روح الناس.🕌 كاشغر اليوم: السوق والنبض الدينيحين تتجوّل في سوق التجمع الكبير (Grand Bazaar) في كاشغر، ترى بضائعٍ من شرق آسيا ووسط آسيا وأوروبا، وتسمع لغاتٍ تركية وفارسية وصينية تتداخل كأنها ألحانٌ في سيمفونية تجارية.وفي الأزقة الضيقة تنشق رائحة الخبز الأيغوري المطهو في أفران طينية، وتنظر إلى الحُليّ والنقوش التقليدية التي تحكي تاريخًا وجدانياً للأجيال.من أبرز معالمها التاريخية والدينية هو جامع إيدي كاه (Id Kah Mosque)، الذي بُني عام 1442م، ويُعدُّ أحد أكبر المساجد في شينجيانغ ثالوحيد المعدّ للصلاة كما يقولون .تصميمه يجمع بين الطراز المعماري المركزي-آسيوي والعناصر الإسلامية — يحتوي على ساحات واسعة، وقبة كبيرة، وأبراج دقيقة.في أيام الجمع قديما كان الملايين من المؤمنين يتجمعون في أفنيته وصحنه للصلاة، وكانت المساجد المحيطة تنبض بالدعاء والقرآن.لكن السنين الأخيرة شهدت تغييرات كبيرة. بعض المصادر تقول إن المسجد قد تحوّل من مركز عبادة نشط إلى جذب سياحي كمقهى وبعضه حول لمتحف ، وإن الصلوات تُقام بمجموعات محدودة، وأن عدد المصلّين قد تراجع كثيرًا.بعض المعلمين المطرودين يقولون إن بعض الفقرات الدينية تُرتّب من جهة رسمية وأن النشاط الحقيقي اختفى.كاشغر اليوم، بالرغم من ضغوط التحديث، لا تزال تحافظ على بقايا هويتها الأيغورية — في المبان التقليدية، وفي أسواق الحرف، وفي همس الأذان داخل المساجد المسموحة للصلاة والذي يختلط بصدى السيارات والازدحام وقد رأيت في كل كاشغر القديمة مسجدا واحدا معدّ للصلاة ولم يسمح لي بذلك ربما لتأخري بالدخول .🧭 رحلة في الهوية: أمةٌ في مواجهة التحدّياتالأيغور هم قوم تركيّون مسلمون، لغتهم اللغة الأويغورية تنتمي إلى الفرع التركي لغات آسيا الوسطى، وهي كتابة عربية مخصصة.هم مرتبطون ثقافيًا وتراثيًا بشعوب آسيا الوسطى، أكثر من ارتباطهم الصيني، لكنهم يعيشون داخل الدولة الصينية، بين الهوية المغايرة والمصلحة السياسية.على مدى السنوات الأخيرة، تعرض الأيغور لسياسات صارمة من السلطات الصينية: برامج “إعادة التربية” أو “التدريب المهني”، مراقبة واسعة للهوية الدينية، ترحيل قسري، وإفراغ بعض الأحياء القديمة كجزء من مخاطبة “السلامة الوطنية”.تقارير كثيرة تقول إن مدينة كاشغر القديمة — ومنازلها التقليدية ومساجدها وأزقتها — عُرضت لهدم جزئي أو إعادة بناء بأشكال أكثر تجانسًا مع التخطيط المركزي، مما أثار جدلًا كبيرًا حول ما إذا كان ذلك نوعًا من “محو الذاكرة”.كبعض أسماء الشوارع الأيغورية والعلامات الدينية والتي “نُقِحت” أو أُزيلت.بل حتى لفظة السلام عليكم ورحمة الله ممنوعة من التداول..كما ان لفظة "حلال" بالمطاعم محرّمة..هنا في كاشغر، في الأزقة التي تخُتَمّ بالأبواب الخشبية القديمة، تسير نساءٌ يلبسن شيئا من الاحتشام دون الحجاب ، وبصراحة لم اجد محجبة فعليا خلال زيارتي...ورجال يعتمرون قبعة مربعة كحلية اللون مزدانة باشكال نباتية تسمى" الدوبا " هي ماتبقى من شكل الأيغور ظاهريا وهم يلبسون الطقم الاسود المكون من بالطو وبنطال اسودين عادة.واراهم في المحال والازقة يتهادون بهدوءٍ ، والامر تحت المراقبةٍ الصارمة ، قد تبيّن لي ذلك الأمر من عدم ردّهم للسلام حينما ابدأهم بالسلام...وفي القرى البعيدة، تُروى قصص عن أولئك الذين أُخذوا إلى مراكز “التدريب” (السجون)، ولم يعودوا، أو يعيدون إلى أهلهم بعد تغيّرات لا تُعلن.✨ في الختام: بين الأمس واليومحين تغادر كاشغر، تأخذ معك صوت الأذان خلف المكان لاتسمعه بل تحس بوجودة لمآذن تراها بلا روح والمتناثرة بين الأزقة، وبين قطعة خبز محمصة بالتنور ، وذكريات الحكايات التي لم تُكتب بعد في كتب التاريخ.تدرك أنه لا شيء يُعطى لهويةٍ مسلمةٍ في قلب الصين، إن لم تحمله الأجيال بصبرٍ وإيمان.إن الأيغور في كاشغر هم شمسٌ في أفقٍ غير مستقرّ، ينهضون من بين الرمال ليحافظوا على نورهم، رغم العواصف.إن كاشغر ليست مجرد مدينة في غرب الصين، بل هي جرحٌ وشاهدٌ وصوتٌ يصارع من أجل ألا يخمد.
الفصل السابع:
أسطورة العطر والماء “شيانغفي” وظلال النقشبندية
رواية شيانغفي [ أسطورة العطر والماء ]
في الشرق البعيد، حيث تتعانق السحب بالجبال وتغفو الأنهار في أحضان المدن القديمة، كانت الصين على موعدٍ مع رحلةٍ عربيةٍ تحمل عبق القهوة وفضول المغامرة.
رحلةٌ جمعت بين الحنين إلى الطبيعة والبصيرة بالتاريخ، وبين دهشة المدن الكبرى وهدوء القرى النائية.
اثنا عشر يوماً بين غوانغجو وقويلين وتشانغجياجيه، في حكايةٍ تمزج بين الضوء والمطر، بين الحجر والماء، وبين الإنسان والطبيعة التي خلقها الله جمالًا يتجدد في كل نظرة.
الفصل الأول:
الوصول إلى غوانغجو عناق الشرق الأول
في صباح الثاني عشر من أكتوبر، كانت ثلاث طائراتٍ تشقّ طريقها من الرياض والكويت ودبي، تلتقي فوق سماء الصين في رحلةٍ جمعت الإخوة على أرضٍ غريبة الملامح، دافئة الاستقبال.
كنتُ في انتظارهم منذ الصباح، وعند الساعة الحادية عشرة وخمسين دقيقة كانت القوافل قد وصلت مطار غوانغجو الدولي، حيث احتفى بنا المرشد المحلي بابتسامةٍ صينيةٍ مطمئنة، واتجهنا إلى فندق أوشن في قلب المدينة.
كان اليوم الأول حراً، فاختار بعض الرفاق مطاعم تركية وعربية قريبة، بينما انطلق آخرون بين أسواق غوانغجو الغارقة في الألوان والعطور.
ومع منتصف الليل، وصل احد اعضاء الرحلة، لتكتمل القافلة ويبدأ المشهد الأول من الرواية الشرقية.
في اليوم التالي، تجولنا بين معلم أشجار الصنوبر الستة، ثم إلى أكاديمية عائلة تشين وبيت الزعيم صن يات-سين.
وعلى جزيرة شاميان التي ما زالت تحتفظ بملامح الاستعمار الفرنسي والإنكليزي، سرنا تحت أشجارها القديمة على ضفاف نهر اللؤلؤ.
واختُتم اليوم في سوق تشينغبينغ الشعبي، حيث تنبعث روائح الأعشاب والأسماك المجففة وذكريات الصين القديمة.
الفصل الثاني:
إلى قويلين ومدرجات الأرز أنشودة الريف الصيني
ليلة الرابع عشر من أكتوبر كانت مختلفة، إذ وصلت احد أعضاء الرحلة بعد تأخيرٍ طويل سببه جواز السفر، فكان استقباله في المطار كأننا نستقبل صديق عاد من رحلة صبرٍ طويلة.
وفي صباح اليوم التالي، انطلقنا بالقطار السريع نحو قويلين، مدينة الجبال والأنهار.
ومن هناك إلى لونغشنغ لزيارة قرية لونغ إي ذات المدرجات الأزلية التي تُزرع بالأرز منذ مئات السنين.
تسلقنا الممرات، وشاركنا القرويين طعامهم البسيط المطهو على البخار، في بيوتٍ خشبيةٍ تتدلّى من سفوح الجبال.
كانت الليلة بين الغيم والماء، أنوار صغيرة تتلألأ على مدرجات الأرز، كأن السماء انثنت لتقبل الأرض.
مع فجر الخامس عشر من أكتوبر، استيقظنا على صياح الديكة وهديل وتغاريد العصافير.
انطلقنا بعدها إلى يانغشوو، مدينة الشعر على ضفاف نهر لي، حيث ركبنا السفن وانساب بنا الماء بين الجبال المخروطية التي ألهمت الرسامين والشعراء.
وفي المساء، حضرنا عرض “ليو سانجيه” الأسطوري فوق سطح النهر، مشهدٌ من الضوء والموسيقى يحكي عن حبٍّ ووفاء في أسطورةٍ خالدة.
الفصل الثالث:
الكهوف والبحيرات حيث سكون قويلين وسحرها
صباح السادس عشر من أكتوبر ودّعنا يانغشوو، وعرّجنا على كهف الناي (Reed Flute Cave) حيث تتدلّى الصخور كأنها ألحانٌ متجمدة.
ثم زرنا مصنع الحرير قبل الوصول إلى فندق برافو جولين المطل على البحيرة، حيث انعكست أنوار المساء على الماء، فبدت المدينة لوحةً حية من جمالٍ وطمأنينة.
في السابع عشر من أكتوبر، زرنا صخرة خرطوم الفيل، رمز جولين الأيقوني، ثم ركبنا القطار السريع نحو مدينة العجائب تشانغجياجيه في رحلةٍ استغرقت سبع ساعات من الجنوب إلى الشمال، حتى وصلناها ليلاً تحت أمطارٍ خفيفة ونسيمٍ جبليٍّ بارد.
الفصل الرابع:
تشانغجياجيه وجبال الأساطير بسلالم السماء
في الثامن عشر من أكتوبر بدأ فصل الأعاجيب.
توجهنا إلى محمية وولينغيوان الوطنية، وشاهدنا جبال جينبيان الشاخصة، ثم صعدنا بـ مصعد بايلونغ الزجاجي إلى حيث السحب تلامس قمم الصخور.
هناك وقفنا أمام مشهدٍ لا يُنسى؛ جبالٌ عمودية مغروسة في الغيم، ومنها استوحى المخرج الأمريكي فيلمه الشهير Avatar.
أما في التاسع عشر من أكتوبر، فقد واجهنا الطبيعة بصلابة الإنسان؛
توجهنا إلى جبل تيانمين (بوابة السماء)، لكن المطر والبرد والضباب حال دون رؤية الجسر الزجاجي الشهير.
ومع ذلك تابعنا السير حتى نزلنا 999 درجة معدنية وسط الرياح والضباب، وكانت الرحلة نزولاً من السماء إلى الأرض بكل ما تحمله الكلمة من تحدٍّ وجمال.
في اليوم الثالث (20 أكتوبر)، زرنا سوق وولينغيوان للعطارة الصينية، ثم مبنى الأبراج 72 التراثي المزدان بالعروض والرقصات الشعبية.
وفي المساء، كانت الرحلة الجوية إلى غوانغجو بديلاً عن القطار الطويل، لنصل منتصف الليل إلى فندق أوشن، منهكين ولكن فرحين.
الفصل الخامس:
ختام الرحلة في غوانغجو بين الأبراج والمساجد
في الحادي والعشرين من أكتوبر، كان لنا موعد مع المدينة الكبرى من جديد.
بدأنا من برج كانتون الشاهق، مروراً بـ ساحة هواشنغ الفسيحة، ثم أسواق الأزياء وسوق بيمان الشهير، وختام اليوم في شارع بيجين الصاخب بالحياة.
كانت غوانغجو تودّعنا بأنوارها التي لا تنام.
وفي الثاني والعشرين من أكتوبر، بدأنا جولتنا الختامية في حديقة الكباش الخمسة، رمز الخلاص من المجاعة، ثم زرنا أسوار سلالة مينغ العتيقة، والقاعة التذكارية للدكتور صن يات-سين مؤسس الجمهورية الصينية الحديثة.
ومن هناك إلى أسواق شوبينغ للعطارة والفطر والجينسنغ، تلتها زيارة روحية في مسجد هوايشنغ ذي المنارة البيضاء، ثم مسجد أبي وقاص، الذي يروي التاريخ أنه بني في عهد الصحابة الأوائل.
واختُتم اليوم في حديقة ليوان حيث تتناثر البرك والجسور الخشبية تحت مطرٍ خفيف يوشك أن يقول: انتهت الحكاية.
وفي ذلك المساء، انطلقتُ وحدي إلى سوق الشاي الأكبر في غوانغجو، لأكمل فصولي الخاصة؛ أبحث عن أوراق الشاي النادرة، وأغذي متحف الشاي في الخبر بمعرفةٍ جديدة من أرض الشاي الأولى.
الفصل السادس:
الوداع ومعرض كانتون — رسالة الشرق الأخيرة
في الثالث والعشرين من أكتوبر، زرت المنطقة الثانية من معرض كانتون فير 2025، حيث تتجلى الصناعة الصينية في أبهى صورها.
ثم عدت إلى الفندق استعداداً للرحيل، مودعاً الرفاق الذين رافقوني في رحلةٍ كانت أجمل من الحلم ، حيث الجمال لا يُكتب بل يُعاش.
خاتمة الجنوب قوانزو وجولين وتشاغجياجيه من جبال تيانمين
هكذا كانت الصين...
بلادٌ تجمع في حضنها التاريخ والحكمة، الجمال والصرامة، الألوان والضباب.
رحلةٌ لم تكن مجرد مسارٍ جغرافي، بل عبورٌ في الذات؛ من صخب المدن إلى سكون الجبال، ومن أعشاب العطارين إلى بخار الشاي الذي يروي الحكايات.
وما بين الغيم والابتسامات والقطارات والأنهار، وُلدت ذاكرةٌ جديدة تضاف إلى سجل رحلات "رحّال الجزيرة العربية"،
ذكرى تقول لكل من يقرأ:
"سافر لتعرف، وتأمل لتشكر، وعد لتُحدّث بما رأيت من جمال الله في أرضه."
الخلاصة الفكرية المستخلصة لفهم شعب الصين.
الشعب الصيني يشبه نهر اليانغتسي… ومع أنه يبدو مغلقًا أحيانًا، إلا أن جوهره الإنساني منفتح على السلام والتعايش ما دام الآخر يحترم حدوده وثقافته.
خلاصة المسلمين في الصين:
هم أبناء طريق الحرير: بعضهم مندمجٌ في الجسد، وبعضهم غريبٌ في الروح… لكن الضوء باقٍ ما بقي الدعاء عند الغروب ورغيف النان الحارّ في سوق كاشغر.
خاتمتي الشخصية:
حين غادرتُ كاشغر، كانت المآذن الصغيرة الصامتة تبتعد شيئًا فشيئًا، وأطفالٌ يهمسون بالتحية بلغتين: «السلام عليكم» و «ني هاو». أدركتُ أن هذه البلاد لا تُقرأ بعيون العابر، بل بخطواتٍ طويلة وصبرٍ جميل. هنا تتجاور بكين الزجاجية ونينغشيا الهادئة وشيان العتيقة وكاشغر التي تضعُ الملحَ على جرح الذاكرة حتى لا ينام.
✍️: الرحال وائل الدغفق 1447هـ
السبت، 4 أكتوبر 2025
مسلاخ الذئب في وادي حضرموت بين الأسطورة والذاكرة (مستئذب صيعر) رحال الخبر.
*مسلاخ الذئب في وادي حضرموت: بين الأسطورة والذاكرة*
✍️: اعداد وتحقيق
د. وائل بن عبدالعزيز الدغفق
مؤرخ رحّالة الجزيرة العربية – المملكة العربية السعودية
مقدمة:
في قلب الربع الخالي، حيث تتثاءب الرمال وتغفو الأساطير على وهج الشمس، نشأت حكايةٌ هزّت خيال المؤرخين والرحّالة والعلماء معًا:
حكاية المستئذب الصيعري.
هناك، في أودية حضرموت البعيدة، يُروى أن الإنسان لم يعد يكتفي بجلده، بل لبس مسلاخ الذئب وخرج يركض في القفر بحثًا عن النجاة أو الفناء.
ليست هذه سطور رواية خيالية، بل أثرٌ حقيقي دوّنه المقريزي في القرن التاسع الهجري، وشهد عليه فقهاء ومؤرخون، ثم صوّر وجوه أهله الرحالة البريطاني ويلفريد ثيسيجر، قبل أن يدوّن عنهم الأنثروبولوجي النمساوي والتر دوشتال في القرن العشرين.
بين الخرزة المنسوبة لقوم عاد، وفتوى السقّاف عن الذئب البشري، تمتدّ هذه الأسطورة مثل ظلٍّ طويلٍ على رمال حضرموت:
هل كان أولئك رجالًا التهمهم الجوع فصاروا ذئابًا؟ أم أن الذئب هو الذي تعلّم من الإنسان كيف يخفي أنيابه؟
الملخص
تتناول هذه الدراسة رواية فلكلورية موثَّقة من حضرموت، تتحدث عن قبيلة الصيعر التي ارتبط اسمها بما يُعرف في التراث الشعبي بـ«مسلاخ الذئب» أو «الاستئذاب»، حيث يُروى أن بعض أفرادها يتحولون إلى ذئاب ضارية بابتلاع خرزةٍ منسوبةٍ إلى قوم عاد.
وتتابع هذه الورقة مسار الحكاية من أقدم مصدرها عند المؤرخ المصري تقي الدين المقريزي في القرن التاسع الهجري، مرورًا برواية ابن جندان في القرن الثامن، وفتوى السقّاف في القرن الرابع عشر، ثم توثيق ويلفريد ثيسيجر المصوّر عام 1947م، وصولًا إلى الدراسة الأنثروبولوجية الميدانية للباحث والتر دوشتال في القرن العشرين، لتبيّن كيف انتقلت الأسطورة من فم الجوع إلى مدوّنة العلم.
تمهيد:
بين الأسطورة والأنثروبولوجيا
يُعدّ التراث الشعبي الحضرمي أحد أغنى المخازن الأسطورية في الجزيرة العربية، إذ تختلط فيه عناصر البيئة الصحراوية بالعزلة الجغرافية والذاكرة الشفهية المتوارثة. ومن أبرز تلك الأساطير قصة استئذاب الصيعر، التي جمعت بين الرمز والمعاناة، بين الجوع والتحوّل، وبين الإيمان والخرافة.
الرواية الأولى:
المقريزي (ت 845هـ)
يُعدّ المؤرخ المصري تقي الدين المقريزي أول من دوّن خبر “تحوّل” قبيلة الصيعر في رسالته النادرة «الطرفة الغريبة في أخبار وادي حضرموت العجيبة». كتبها سنة 839هـ أثناء مجاورته بمكة، استنادًا إلى روايات حضرمية نقلها عنه “العبد الصالح أبو بريك عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن سالم بن بريك الحضرمي” (من بني سيف الشبوي).
قال المقريزي في نصّه:
«… وبأرضهم نبق كثيرة جدًا… فإذا أجدبت أرضهم لقلة الغيث انقسم الصيعر قسمين: فرقة تخيف السبيل، وفرقة تتقلب ذئابًا ضارية. وذلك أن الواحد منهم عنده خرزة من كنوز ظفروا بها من عهد عاد، فإذا أراد أن ينقلب ذئبًا تثاءب مرارًا… ثم يبتلع الخرزة فينقلب في الحال ذئبًا له وبر وذنب… فإذا أراد الرجوع تمرّغ بالأرض فعاد بشرًا، وتبقى الخرزة… وهذا أمر مشهور عند جميع أهل حضرموت لا ينكره أحد منهم»【1】.
بهذا النصّ، أسّس المقريزي ما يشبه النواة الأنثروبولوجية الأولى لفكرة “التحوّل الحيواني” في التراث العربي، قبل ظهور مصطلح werewolf في الدراسات الغربية بقرون.
شهادة ابن جندان (القرن الثامن الهجري)
يورد ابن جندان العلوي الحضرمي في كتابه «مختصر الدرّ والياقوت في معرفة بيوتات عرب المهجر وحضرموت» أن سنة 790هـ شهدت مجاعة كبيرة “كان فيها جماعة من الصيعر على سفوح الجبال ينهشون لحوم البشر”【2】.
هذا الوصف، وإن لم يصرّح بـ"الخرزة" أو التحوّل، إلا أنه يربط الظاهرة بالجوع الشديد والانفلات الحيواني، مما يؤكد أن الأسطورة لم تكن خرافةً صافية بل نتاجًا لتجربة بيئية قاسية.
وهنا اتت فتوى السقّاف في (القرن الرابع عشر الهجري)
وبعد قرون من المقريزي وابن جندان، ترد هذه الفتوى النادرة للعلامة المفتي والمؤرخ عبدالرحمن بن عبيد الله السقّاف (توفى 1375هـ) في كتابه «بلابل التغريد فيما استفدناه أيام التجريد»، جاء فيها:
«سُئلتُ عن رجلٍ من أهل بلادنا يتصوّر بصورة الذئب ويعدو على الغنم، فأفتيتُ بحلّ قتله ما دام على تلك الصورة، ولا سيما في حال اعتدائه. وما كدت أصدّق بذلك حتى كادت تتواتر الأخبار عن مشاهدته»【3】.
الفتوى تُبرز تعامل الفقيه مع الحكاية كواقعة حسّية ذات أثر فقهي، لا كخرافةٍ أو حكايةٍ للتندر.
وهي من أقوى الشواهد على أن الفولكلور المحلي تسلل إلى بنية الفقه الاجتماعي، ليصبح الحدّ بين الخيال والحقيقة غائمًا في الوعي الجمعي.
الشاهد البصري:
ويلفريد ثيسيجر (1947م)
في منتصف القرن العشرين، زار الرحالة البريطاني ويلفريد ثيسيجر (Wilfred Thesiger) وادي حضرموت، ووثّق بعدسته صورًا لقبيلة الصيعر عام 1947م في مناطق "منوخ وبئر تامس".
تظهر صوره المحفوظة في Pitt Rivers Museum – Oxford رجال الصيعر بملامحهم البدوية الصلبة، ونساءً يملأن القِرب من الآبار【4】.
لم يذكر ثيسيجر حادثة “التحوّل” صراحة، لكنه سجّل القبيلة نفسها التي تناقلتها الأسطورة، مضيفًا بذلك بعدًا بصريًا للذاكرة الفلكلورية.
وهنا الدراسة الأنثروبولوجية الأكثر حداثة:
لوالتر دوشتال(1960–1995م)
ففي ستينيات القرن العشرين، أجرى الباحث النمساوي Walter Dostal دراسة ميدانية شاملة عن قبائل شمال شرق اليمن، منها الصيعر، ركّزت على البنية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للقبيلة【5】.
ورغم أن دراسته لم تذكر الاستئذاب نصًا، إلا أن الباحث أشار إلى وجود تصورات أسطورية عن التحوّل الحيواني في المرويات الشفوية للبدو، مما يؤكد بقاء الظاهرة كموروثٍ رمزيٍّ حيّ.
وهنا استقصاء لما وراء الأسطورة:
ودلالات الاستئذاب في الوعي الجمعي العربي.
هناك تقاطع لحالة “مسلاخ الذئب” وهو مايطلق عليه غربيا في اساطيرهم "المستئذب" وهو تحول رجال لذئاب في حالات خاصة.
اما عربيا فهناك رموزٍ فولكلورية مشابهة في عالمنا العربي منها :
• السعلوة في العراق والجزيرة؛
• القطرب في الحجاز؛
• البودا (الإنسان-الضبع) في السودان والقرن الإفريقي.
وجميعها تشير إلى تحوّل الإنسان تحت وطأة الجوع أو اللعنة أو السحر.
في ضوء ذلك، يمكن قراءة “خرزة عاد” بوصفها رمزًا لقوةٍ كامنة في الإنسان تُخرجه من إنسانيته حين تشتدّ الحاجة أو الفناء ، وفي جلب عاد لسياق القصة كون قصة عاد من القصص الشهيرة وذات دلالة اسطورية يصعب نكرانها مع صعوبة اثباتها كون عاد بكبر قصتها وقوتها واساطيرها غير موجودة ، فتنسب كل مجهول لمجهول لتتراكم الاسطورة بعضها فوق بعض .
فالذئب هنا ليس حيوانًا فقط، بل استعارةٌ عن التحوّل النفسي والوجودي في مواجهة القفر والمجاعة.
ومن بين الحيوانات المعروفة تظل اسطورة الذئب وخباياه والأساطير التي تروى عنه وعلاقته بالجن وما الى ذلك حاضرة في مسلاخ الذئب في قصتنا…
واذا اردنا ان نستبدل البحث التاريخي والموثق برواية فلكلورية لمسلاخ الذئب في وادي حضرموت فسيكون لها معنى واسطورة ممكن فهمها خلال الرواية لا البحث والاستدلال..
ولتكن البداية من نثر غبار القفر ومن صرخة التحوّل في حال الفقر ، لتبدأ الحكاية…
ففي الليالي التي كان القمر فيها كقرص نحاسيّ يطفو على رمال حضرموت، وحين كانت المجاعة تلسع الأرض وييبس النبق في سدر وادي الصيعر.
هناك، بين هضاب “جارول” ورمال “الربع الخالي”، يُروى أن رجالًا من الصيعر إذا اشتدّ بهم الجوع، ولاذت السماء بالصمت، تحوّل بعضهم إلى ذئاب ضارية؛ فيلتهمون الغنم والبشر على السواء.
وقد أمدّنا المؤرخ المصري تقيّ الدين المقريزي(ت 845هـ) حيث دوّن ما سمعه من “ثقاتٍ من أهل حضرموت” أثناء مقامه بمكة سنة 839هـ..
ففي رسالته النادرة «الطرفة الغريبة في أخبار وادي حضرموت العجيبة».
قال عن قبيلة الصيعر شيئا عجيبا حيث قال:
«… فإذا أجدبت أرضهم لقلة الغيث، يبس شجر النبق، وانقسموا قسمين: فرقة تخيف السبيل "قطّاع طرق"، وفرقة تتقلب ذئابًا ضارية "المستئذبون"، يبتلع الواحد خرزةً من كنوزٍ قديمةٍ من عهد عاد، فينقلب في الحال ذئبًا ذا وبرٍ وذنب، فإذا أراد الرجوع تمرّغ بالأرض فعاد بشرًا، وتبقى الخرزة…».
وأنهى المقريزي سرده بقوله:
«وهذا أمرٌ مشهورٌ عند أهل حضرموت لا ينكره أحدٌ منهم».
هكذا سجّل أول “شاهد حضرمي-منقول” لفكرة مسلاخ الذئب، ودوّنها في وثيقة علمية لا في أسطورةٍ شفهية.
وما حال المجاعة الكبرى عام (790هـ) وشهادة ابن جندان العلوي الحضرمي بعد نصف قرنٍ من المقريزي، في كتابه «مختصر الدرّ والياقوت في معرفة بيوتات عرب المهجر وحضرموت» أن سنة 790هـ شهدت مجاعةً عظيمة:
«وكان جماعة من الصيعر على سفوح الجبال ينهشون لحوم البشر».
قد لا يذكر “خرزة عاد”، لكنه يربط الجوع بالعنف الحيواني، وكأن أسطورة المقريزي وجدت شاهدها الواقعي في زمن المجاعة.
وفي خضم النقاش والتاويل وفنش الرواية تأتي فتوى السقّاف
بعد ستة قرون وفي الوقت الحاضر، حيث عاد الصدى في فتوى الفقيه عبدالرحمن بن عبيد الله السقّاف (ت 1375هـ) في كتابه «بلابل التغريد فيما استفدناه أيام التجريد»، ص 460 بقوله :
«سُئلتُ عن رجلٍ من بلادنا يتصوّر بصورة الذئب ويعدو على الغنم، فأفتيتُ بحلّ قتله ما دام على تلك الصورة، ولا سيما في حال اعتدائه… حتى كادت تتواتر الأخبار عن مشاهدته».
تلك الفتوى المدهشة أعادت للموروث القديم حياةً فقهية، إذ تعامل السقّاف مع التحوّل كـ”واقعة حسّية” تستوجب حكمًا شرعيًا، لا كخرافة.
وفي مشهد أخير عام 1947م
وبعد الحرب العالمية الثانية، عبر الرحالة البريطاني ويلفريد ثيسيجر وادي حضرموت وعدّسته ترصد وجوه الصيعر في بئر منوخ وبئر طامس وريضة صيعر .
وتُظهر صوره المنشورة في Pitt Rivers Museum – Oxford رجالًا أشدّاء بملامحٍ صارمةٍ كأنها استبقت في ملامحها ظلال الحكاية القديمة؛ لم يرَ ثيسيجر “ذئبًا”، لكنه وثّق القبيلة ذاتها التي حملت الأسطورة قرونًا.
والدراسة الحديثة للباحث النمساوي والتر دوشتال (1960 – 1995م)
في ستينيات القرن العشرين، حيثأجرى Walter Dostal دراسةً ميدانية عن قبائل اليمن، شملت الصيعر، بعنوان «Sozio-ökonomische Aspekte der Stammesdemokratie in Nordost-Yemen» وغيرها، ثم أضاف ملاحظات حتى 1995م.
تناول مساكنهم ونظامهم الاجتماعي وتأثير الحداثة، ولم يؤكد روايات “التحوّل”، لكنه سجّل أن “الأسطورة عن رجلٍ يتلبّس شكل الذئب لا تزال حيّة في الذاكرة الشفوية للصيعر والبدو المجاورين”.
فكانت دراسته صكّ توثيقٍ إثنوغرافي لما تبقّى من صدى الأسطورة.
ولكي نفهم الجذور الفولكلورية لأساس قصتنا.
من فكرة التحوّل إلى حيوان وكونها ليست حصرًا على حضرموت بل تعدّت للعالم العربي والغربي :
ففي الجزيرة العربية عُرف القُطرُب أو السَّعلوة، ذلك الكائن الذي يتبدّل ليلًا بين إنسانٍ ووحش.
وفي السودان والقرن الإفريقي ووحش “البودا” المتحول ببن (الرجل-الضبع).
وفي العراق خرافة “السعلوة” التي تأكل المسافرين.
كل تلك الحالات والخرافات تؤكد أن الخوف من الجوع والعزلة والقفر والفقر يولّد في خيال الشعوب كائنًا يتقمّص الوحش ليبقى حيًا.
وفي الختام بين الأسطورة والذاكرة، وبين خرزة عاد واستئذاب الصيعر، وما بين خرزة المقريزي ومجاعة ابن جندان وفتوى السقّاف وعدسة ثيسيجر ودراسة دوشتال—تُرسم ملحمة حضرمية نادرة:
أسطورةٌ بدأت من فم الجوع، وخرافة خرزة قوم عاد لتتحوّل إلى فتوى، ثم إلى ذاكرةٍ مصوّرة، ثم إلى مادةٍ إثنوغرافية، وأخيرًا إلى أيقونة من أساطير حضرموت.
وفي كل مرةٍ يُروى فيها عن “مسلاخ الذئب”، يختلط الصدق بالعجب، ويبقى السؤال معلّقًا فوق وادي حضرموت:
هل كان الصيعر ذئابًا بالفعل؟ أم أن الذئب كان رمزًا للجوع، والخرزة استعارة عن تحوّل الإنسان حين تضيق به الحياة؟
ولعلّ السرّ يكمن في “خرزة عاد”، فإذا اكتُشف موضعها يومًا، اكتملت الرواية.
المراجع
1. تقيّ الدين المقريزي، الطرفة الغريبة في أخبار وادي حضرموت العجيبة، تحقيق طارق بن محمد العمودي، صـ 23–26.
2. ابن جندان العلوي الحضرمي، مختصر الدرّ والياقوت في معرفة بيوتات عرب المهجر وحضرموت، جـ1، صـ 71.
3. عبدالرحمن بن عبيد الله السقّاف، بلابل التغريد فيما استفدناه أيام التجريد، صـ 460.
4. Wilfred Thesiger, Arabian Sands, and photographic archive, Pitt Rivers Museum (Oxford), “Sa’ar tribe at Minwakh, Hadramawt, 1947.”
5. Walter Dostal, Sozio-ökonomische Aspekte der Stammesdemokratie in Nordost-Yemen, Sociologus, Vol. 24, No.1 (1974); and subsequent notes (1995), Vienna Academy of Sciences.
د. وائل بن عبد العزيز الدغفق 1447هـ
الجمعة، 3 أكتوبر 2025
اول زيارة للهند 1980 وزيارة بعد40 عام لرحال الخبر ..My First Journey to India (1980 / 1400 AH)
الرحلة الأولى إلى الهند (1400هـ / 1980م)
My First Journey to India (1980 / 1400 AH)
رواية من فصول الذاكرة
المقدمة:
من الثانوية إلى المطار
كنتُ حينها طالبًا في المرحلة الثانوية، أبحث عن معنى للحياة خارج أسوار المدرسة. كان الصيف فرصة ذهبية، فالتحقت ببرنامج عمل للطلبة لاكتساب الخبرات، وكان الراتب مجزيًا بمعايير ذلك الزمن. شيئًا فشيئًا، تجمّع في يدي مبلغ طيب بلغ نحو 2000 ريال، وهو ما اعتبرته ثروة صغيرة تمنحني جناحين لأحلّق بهما.
عندها بدأ الحلم يتشكّل: أن أستقل الطائرة وحيدًا، وأن أعتمد على نفسي، وأختبر قدرتي على مواجهة المجهول.
اختيار الوجهة: وكانت الهند.
وحددت خط الانطلاق:
ومن مطار الظهران الدولي، ذلك المطار العريق الذي كان آنذاك في أوج شهرته، بوابة الشرق الأوسط إلى العالم، قبل أن يتوقف عمله لاحقًا ويُستبدل بمطار الملك فهد بالدمام.
وحين جلست على مقعدي في طائرة Air India، شعرت لأول مرة أنني لم أعد مجرد طالب ثانوي، بل مسافر على أعتاب حياة جديدة.
الفصل الأول.
بومباي… مسرح المغامرة الأولى
هبطت الطائرة في بومباي، فوجدت نفسي في مدينة تضج بالحياة والفوضى معًا. هناك بدأت المغامرة الكبرى لاكتشاف ذاتي. ارتديت اللباس الأبيض الهندي، واندمجت بين الناس كأنني واحدٌ منهم. سكنت فنادقهم الشعبية في أزقة ضيقة، واستأجرت دراجة هوائية، أجوب بها شوارع المدينة المزدحمة بحرية دون أن يلحظني أحد.
قضيت أسبوعًا كاملًا في هذه التجربة، أعيش بينهم بلا وسطاء، أتناول طعامهم، أرى حياتهم اليومية عن قرب. رأيت مشاهد ستبقى محفورة في ذاكرتي: أطفال يخرجون من أنبوب معدني مخصّص للمجاري، ثم يرتدون زيّ المدرسة الأزرق والأبيض ويذهبون بابتسامة بريئة. مزيج من الفقر والعزيمة، من البؤس والكرامة.
في بومباي تعلمت أن المغامرة الحقيقية ليست في رؤية الأماكن، بل في الانغماس بالحياة كما يعيشها أهلها. وهناك أيقنت أنني اجتزت الاختبار الأول للاعتماد على النفس، وأن هذه ليست سوى بداية الطريق.
اول صورة لي في بومبي1980
الصورة الثانية بعد مرور 40 عام على الاولى كانت في عام2020
التقطت في هذا الشارع في بومبي
الفصل الثاني:
اللقاء في دلهي
بعد أسبوع من مغامرتي في بومباي، جاءني خبر أن والدي قد وصل إلى دلهي لإنهاء أعماله الخاصة بالمصانع وجلب المعدات والعمال. حملت حقيبتي، وتركت وراء ظهري أزقة بومباي الصاخبة، وانطلقت لألتحق به.
في دلهي كان اللقاء. أخبرته عن مغامرتي الأولى، وكيف نجحت في أن أعيش وحدي بينهم دون أن ينكشف أمري. ابتسم الوالد، وربما شعر بالارتياح أن ابنه بات يملك الجرأة والقدرة على مواجهة الحياة.
الفصل الثالث:
دلهي… بين التاريخ والمآذن
انطلقت مع والدي أستكشف وجهًا آخر للهند. دخلنا القلعة الحمراء، حصن المغول، حيث كان السلطان "أكبر" يبسط سلطانه على الهند والسند. وبين جدرانها شعرت أنني أسمع همس التاريخ وصليل السيوف.
ثم زرنا المسجد الجامع (المغولي الأحمر)، المهيب بمآذنه الشامخة وساحاته الواسعة. هناك ازداد يقيني بعظمة البصمة الإسلامية في أرض الهند، وكيف أنها لم تكن عابرة، بل جزء أصيل من حضارتها.
مع الوالد في زيارة لتاج محل في اكرا
الفصل الرابع: أغرا… مرثية من الرخام الأبيض
ومن دلهي ارتحلنا إلى أغرا، حيث وقفت وجهاً لوجه أمام أعجوبة الدنيا: تاج محل. كان المشهد أكبر من الكلمات، مبنى أبيض من المرمر يضيء كالحلم، مرثية خالدة للحب. تجولت بين حدائقه وقبابه، والدهشة لا تفارقني.
إلى جواره وقفنا عند القلعة التي بناها السلطان "أكبر"، رمز القوة والسيطرة. في تلك اللحظة أدركت كيف تجتمع في الهند كل المتناقضات: الحب والحرب، الرخاء والفقر، العظمة والبساطة.
الختام:
انطلاقة نحو العالم
-
ادوات حفظ الطعام عربيا من التراث  ✍🏼 يكتبها ويوثقها بالصور رحال الخبر 1441هـ  بسم الله والحمدلله والصلاة والسلام...
-
بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله حمدا يوافي نعمه الظاهرة والباطنة وصلاة ربي على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى اله وصحبه ومن وال...
-
بسم الله الرحمن الرحيم وبه المستعان ومنه العون والعطا ميسر الصعب ومسهل الدروب وعليه التكلان. ✍🏻: كتبه الرحّال وائل الدغفق . ل...