رحلة من سواحل الخليج الى قلب نجد العذية الى عبق الأماكن ودفء القلوب
فبين الثالث والعشرين والثامن والعشرين من شعبان لعام 1446هـ، الموافق 22 إلى 29 فبراير 2025م، انطلقت في رحلة من الخبر الى ربيع الشمال متوجها الى نجد العذية ، وكان مروري عبر عاصمة الربيع "النعيرية" وأرخت مرساتي في أحد مزارع "القرية العليا" حتى حين الانطلاق الى "حفر الباطن" وكل تلك الرحلة انما كانت بحثًا عن الجمال في تفاصيل الأرض وربيعها ودفء اللقاء في صدور الرجال ومن مررت بهم.
إنطلقت من الخبر، قاصدًا النعيرية والقرية العليا، لأحلّ ضيفًا على أخي الكريم، أبو يوسف مازن الحمودي، في مزرعته البهية،
حيث احتواني بجود مضافته وسخاء روحه. قضيت ليلةً من أجمل ليالي رحلتي وسفرتي الربيعية وقبيل رمضان لهذا العام ، وقضيتها بين نسائم الطبيعة وكرم الضيافة، قبل أن أتابع المسير صوب الصداوي، ومعرج السوبان…
هناك كان لي وقفة لمنظر أسرني واضطرني للوقوف بلا خطة ولا نيّة وكل ذلك بسبب كمية الجمال في ما رأيته بذاك الحقل الزاهي والذي حوى من الورود الوان واشكال ، هناك حيث تفتحت الأرض عن بساط أحمر قانٍ من زهور الديدحان، يغازل لون العشق الوردي لبعضها اعيننا، في مشهد يأسر القلوب.
وكل ذلك في المنتزه البري الواقع في مدخل الصداوي ليكون أجمل أستقبال واروع كلمات تستقبلك كباقة مزهرة ..
فما اروعها من بلدة وما اجمل زهورها الربيعية المورقة البهيّة.
حفر الباطن.. حيث لكل شاي حكاية
بعد القرية العليا والصداوي ، يمّمت وجهي صوب حفر الباطن، ومررت قبلها بالقيصومة وهي احدى المدن التي انبثقت من مشروع التبلاين وليس قبله وفيها المطار لحفر الباطن ، وتعتبر مدخلا للحفر من الجهة الشرقية تبعد عن الحفر 20 كيلا فقط ، ثم دخلت حفر الباطن.
وهي بلدة تاريخية ترجع للصحابي الجليل أبو موسى الأشعري، والذي أسسها عام ١٧هـ حين حفر أول بئر من آبارها ليجعل منها أهم محطة على طريق الحجاج القادمين من العراق في الدرب المشهور( درب الحاج البصري) ، ومن أسمائها في كتب التاريخ "حفر أبي موسى"، "حفر بني العنبر".
وواديها البديع، مستكشفًا عبق المكان، ومستمتعًا بأقداح الشاي التي تحكي قصصًا من أصقاع الأرض.
كانت محطتي الأولى "بيت الشاي" لأبي سلمان الشمري، حيث تذوقت شاي "النهرين" الشهير، برائحته الزكية ونكهته العميقة، إلى جانب أنواع نادرة تجسد ثقافات الشعوب. ولم يكتمل شغفي إلا بزيارة "شاهي 78"، ذاك المقهى الذي يعيدك إلى سبعينيات القرن الماضي، بتصميمه العتيق ونكهاته الأصيلة.
والمحل له فرعين وشايه يضرب المخيخ الاعلى ومن المعروف أن ذائقة اهل حفر الباطن واهل حايل للشاي عالية الطلب ، ولا عجب ان يجمعوا أفضله وأجمله .
واكملت جولتي عبر أزقة السوق القديم، استرجعت ذكريات الأمس، قبل أن أكون ضيفًا على أبي سعود نواف الفضلي، بحضور والده الكريم، في لقاء عامر بالودّ والكرم.
ثم بعد قضاء يوم في الحفر اتجهت على طريق الرياض جنوبا متجها للزلفي مرورا بمدينة الملك خالد العسكرية والبطيحانية وام الجماجم وام طليحة والارطاوية لاتجه غربا عبر روضة السبلة ومن المطل الشرقي من طويق اذ ترحّب بي مدينة الزلفي البديعة..
رحلة لواحات الزلفي بين نفوذها وعقلها.
دخلتها من مطلاتها الفريدة، فأطلّلت عليها آتيا من الشرق عبر "مطل طويق الشرقي"، حيث رحبّت بي المدينة المتجددة، والمتطورة دوما ومن الغرب الى "مطل الثويرات الرملي"، حيث النفود تحتضن الأفق. احتسيت هناك شاي "وجار" الشاي الزلفاوي" الأصيل، قبل أن أتجول بين "عِقَلِها" -جمع "عقلة" - وهي اماكن سكنى أهل الزلفي قديما أتخذو واحات من النخيل بديعة لسكناهم ، وحيث تبدو الرمال كأكاليل من زهور الزمن.
وقفت عند أحدها وهي "عقلة المر"، موطن جدي لأبي إبراهيم الدغفق، حيث تلتقي جذور العائلة برمال الصحراء، في مشهد يبعث الدهشة. بتّ هناك، رغم البرد القارس الذي لامس ثلاث درجات مئوية،
وقرب عقلة المر هناك منظرا يحج اليه محبو غرائب الامور واعجبها متمثلا بطريق مسفلت ومعتنى به وكانه يؤدي الى مدينة حديثة وانت في مساره وفجأة اذ بك تصطدم بكثيب رملي يقطع عليك هواجيسك وجمال واناقة الطريق لتدخل الى عالم آخر من عوالم الرمال والصحاري ورمال الثويرات البديعة..
ثم أكملت رحلتي مع بزوغ الفجر متجها لأحدى مدن الوسم العريقة لأحط رحالي هناك.
عنيزة ثم أشيقر.. حيث الأصالة والهدوء
مررت عنيزة، وزرت منتزه "الطويريب"، لكنه لم يكن على مستوى التوقعات، فاكتفيت بجولة قصيرة، فعنيزة زرتها مرارا واردت اختصار الوقت للذهاب وإكتشاف الجديد ، لأتابع نحو أشيقر، تلك البلدة التراثية المتجددة حيث وجدت المكان ينبض بالتطوير والتاريخ معا.
ورغم أنه لا يفتح أبوابه إلا في مواسم محددة ، فقد سعدت باكتشاف مكان جميل أسمه "منتجع جدي حمد"، ذلك البيت الذي تحيطه النخيل، ويقدم وجباته في أجواء تراثية آسرة وحولة دور وشيجر ومزارعه وارفة الخضرة باسقة بنخيلها الشامخة.