الأحد، 22 أبريل 2012

قصور الصحراء التونسية العجيبة - رحال الخبر


بسم الله الرحمن الرحيم 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 
 الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين 
في إحدى رحلاتي للجنوب التونسي قبل عامين تقريبا ، كانت لي جولة خاصة لمنطقة القصور الصحراوية بمدينة «تطاوين» المطلة على الصحراء التونسية وكذلك قصور شنني وغيرها بالمنطقة الصحراوية جنوب تونس، والقصور ظاهرة معمارية فريده يتميز بها أقصى الجنوب التونسي , وهي رمز ومعلم حضاري هام يدل على عمق تاريخ المنطقة,ومدى قدرة الإنسان على التأقلم في بيئة جافة صحراوية قاسية ,

موقع القصور الصحراوية بجنوب تونس 

رحال الخبر - مخازن حبوب القمح المبنية في مدينة تطاوين- جنوب تونس
صورة جماعية لأولاد بني سليم من سكان قصر سلطان ألتقيت بهم
وقد عرفت هذه المعالم تطورات عديدة منذ العصر القديم الى الآن. لكن هذه المعالم ليست معزولة عن تقاليد معمارية انتشرت في منطقة المغرب العربي من الأراضي الليبية المتاخمة عبر مسالك جبال نفوسة وصولا الى المنطقة الجنوبية من سلسلة الأطلس المغربية مرورا بجبال مطماطة التونسية ومنطقة المراب الجزائرية, وترتكز القصور في الشرق التونسي بولايتي منين وتطاوين

رحال الخبر - مخازن حبوب القمح المبنية في مدينة تطاوين- جنوب تونس
صورة عامة لباحة وصحن قصر سلطان 
تحتضن الصحراء هذه القصور بما تملكه من عادات وتقاليد مرتبطة بتاريخ أهل المنطقة ، لأواسط القرن السابع للميلاد، حين شهدت المنطقة الفتح الإسلامي المنطلق من سهل الجفارة. وبرزت بعد ذلك مجموعة من القرى الجبلية والقلاع وكذلك هذه القصورالتي احتلت قمم الجبال في شنني، والدويرات، وقرماسة، وسقدل، وحمدون.

رحال الخبر - مخازن حبوب القمح المبنية في مدينة تطاوين- جنوب تونس
صورة أخرى لقصر سلطان
 ولعل الفتح الإسلامي كان له الدور الأكبر في التبادل الحضاري بين العنصر العربي بالسكان الأصليين، وهو ما جعل الجميع يتخلون تدريجيا عن حياة البداوة لصالح الاستقرار، وبالتالي، أدى إلى تشييد هذه القصور الصحراوية التي كانت لها أدوار كثيرة، من بينها السكن وخزن المنتجات الزراعية.
والقصور الصحراوية، باعتبارها أحد أهم معالم التراث الصحراوي على الإطلاق في الجزء الصحراوي من تونس، وهي قليلة النظير في منطقة بلدان المغرب العربي.
رحال الخبر - مخازن حبوب القمح المبنية في مدينة تطاوين- جنوب تونس

القصور الصحراوية بأعدادها الكثيرة وتنوع تصميمها تقف شاهدا على عمق الوجود البشري في الصحراء التونسية، ويقدر عددها بنحو 150 قصرا في الجنوب التونسي، وتحتل تطاوين المحافظة أكثر القصور عددا ففيها فقط  80 قصرا ، ومن أبرزها «قصر سلطان» الذي تجدونه في الصور المرفقة بالتقرير ، 

رحال الخبر - مخازن حبوب القمح المبنية في مدينة تطاوين- جنوب تونس

و«قصر الدغاغرة»، و«قصر الحدادة» الذي يبلغ عدد غرفه حوالي 567 غرفة تمتد على مساحة 6400 متر مربع،وقد استعان به المخرج الأميركي العالمي جورج لوكاس ووظفه في ديكور فيلمه «حرب النجوم» عام 2000 لغرابته وجمال تصميمه كونه مبني في صحراء وبطريقة فذة وكبيرة.
رحال الخبر - مخازن حبوب القمح المبنية في مدينة تطاوين- جنوب تونس
صور من غرف قصر سلطان الصحراوي لحفظ الحبوب والزيوت .

 وهناك أيضا «قصر الزهرة»، و«قصر أولاد دباب»، و«قصر زناتة» (قبيلة بربرية). والقصر الصحراوي لا تقل عدد غرفه عن 30 غرفة، ويرتفع بنيانه في بعض الحالات إلى 5 طوابق.
خريطة تبين مناطق القصور الصحراوية بتطاوين جنوب تونس- رحال الخبر
خريطة تبين مناطق القصور الصحراوية بتطاوين جنوب تونس- رحال الخبر

 مثلما كان لتأسيس تلك القصور من قبل العرب وتغيير نمط المعيشة أيضا كان للمستعمرين من بعدهم أو قبلهم حصون حماية لتلك القصور التي تختزن الحبوب والزيوت حيث أقام الصليبيين منشآت ذات صبغة دفاعية حول القصور الصحراوية مثل الحصون، وقد صممت على شكل مغاور على سفوح الجبال، منها «حصن تلالت» و«حصن رمادة»، حيث تحصنت القبائل بتلك القصور وشيدت حولها قرى جبلية، وقلاعا في قمم الجبال، مثل «قصر شنني» و«قصر الدويرات»، وهي مناطق لا تزال تحتفظ بهويتها البربرية. وقد تحولت تلك القصور إلى أماكن لخزن المنتجات الزراعية المتنوعة التي تزخر بها المنطقة، وغالب المخزّن هو(شعير,قمح,زيت,تين مجفف,تمر,صوف,علف...) وخصوصا من زيت الزيتون والحبوب، وهو ما تؤكده معاصر الزيت ومذاري الحبوب الموجودة فيها.

 رحال‌الخبر‬‏ صورة لمخازن الحبوب الغريبة والمبنية من الطين في مدينة تطاوين جنوب تونس وطريقة رفع الحبوب
صورة أخرى لقصر سلطان

 ولعل الفتح الإسلامي كان له الدور الأكبر في التبادل الحضاري بين العنصر العربي بالسكان الأصليين، وهو ما جعل الجميع يتخلون تدريجيا عن حياة البداوة لصالح الاستقرار، وبالتالي، أدى إلى تشييد هذه القصور الصحراوية التي كانت لها أدوار كثيرة، من بينها السكن وخزن المنتجات الزراعية. 
طريقة رفع الحبوب للمخازن العلوية بالغرف من داخل قصر سلطان.

ولوصف عام للقصور ولو أنها تختلف إختلافا بسيطا ، لكن في الأغلب أنها تتكون من السقيفة التي تمثل المدخل الأساسي، وعادة ما تخصص كمجلس لاستقبال الضيوف .

رحال الخبر - مخازن حبوب القمح المبنية في مدينة تطاوين- جنوب تونس
صورة للسقيفة في قصر سلطان

أما «الصحن» فهو عبارة عن ساحة داخلية للقصر، وهو يستخدم كذلك لجمع الحيوانات وحمايتها. وتمثل «الغرف» الوحدة الأساسية للقصر، وتستعمل لخزن المنتجات الزراعية، وتخضع هذه الغرف لهندسة خاصة تراعي شروط حفظ المحاصيل الزراعية والحيوانية لآجال طويلة، بما فيها شروط التهوية، وتفتح الغرف بعضها على بعض بواسطة مدارج، ووضعت أعمدة خشبية مغروسة في الجدران للتسلق والوصول للغرف العالية.
رحال الخبر - مخازن حبوب القمح المبنية في مدينة تطاوين- جنوب تونس


صمم بناء القصور على أن يؤوي قبيلة بأكملها، إذ يمتد القصر عادة على مساحة متراوحة بين الهكتار الواحد والهكتارين، تبعا لحجم القبيلة وتوفر المخزونات لديها، وهو عادة ما يشيد على مرتفع من الأرض وذلك للمراقبة والسيطرة القتالية عند التعرض لعمليات الإغارة التي كانت مألوفة في تاريخ هذه المجمعات السكنية المحصنة.

رحال الخبر - مخازن الحبوب بغرف طينية بالجبال بمنطقة شنيني جنوب تونس
صورة من بعيد لقصر شنني على قمة جبل ومناعته من الهجوم.

ويعود أغلب العرب في هذه المنطقة لقبائل  متفرقة ويعودن بالأساس تحت قبيلة كبرى تسمى قبيلة الودارنة وهي فرع من فروع نجع أو كنفدرالية ورغمّة وتنقسم إلى 3 قبائل كبرى وهي أولاد عبد الحميد وأولاد   سليم والجليدات.

- أولاد عبد الحميد وهم  العمارنة ،الحميدية ،الكراشوة ،الزرقان والعبابسة

- أولاد سليم وهم اولاد دباب ،اولاد شهيدة،العجاردة ،الدغاغرة والذهيبات 

- قبيلة الجليدات المرابطة وهم أولاد حامد و أولاد عبد الجليل وأولاد عبد القادر وأولاد بوراس

رحال الخبر - مخازن حبوب القمح المبنية في مدينة تطاوين- جنوب تونس

وكما ذكرت عن أن عدد القصور بالمنطقة جنوب تونس ما يقدر بمائة وخمسون قصرا متنوع التصميمم والحجم ولكن من أشهرها بالإضافة لـ(قصر سلطان وشنني ) «القصر القديم»، و«قصر العوايد»، و«قصر أولاد عون»، و«قصر أولاد عامر»، و«قصر أولاد حامد»، و«قصر المقابلة»، و«قصر العين»، و«قصر كرشاو»، و«قصر الغرياني»، و«قصر الزهرة»، والواضح من أسمائها أنها تخص قبائل استوطنت الربوع مثل أولاد حامد، وأولاد عون، وأولاد عامر. ويعود تاريخ بناء «القصر القديم» - أحد أقدم هذه القصور - إلى العام 475 هـ، أي ما يتزامن تقريبا مع قدوم بني هلال إلى تونس. 

رحال الخبر - مخازن الحبوب بغرف طينية بالجبال بمنطقة شنيني جنوب تونس

  ومن جهة أخرى، يعتبر «قصر شنني» الواقع إلى الغرب من مدينة تطاوين من أعرق «القصور الصحراوية» وأكثرها جلبا للسياح الوافدين على تونس ، فهو بني على رأس جبل ويعد من أجمل القصور نظرا للتضاريس التي بني فيها ويوجد في قمته مسجدا وروعي بنائة في حصانته من الهجوم حيث الجروف الصعبة المسالك ومدخله الصعب والمكشوف لمن يسكن القصر .

رحال الخبر - مخازن الحبوب بغرف طينية بالجبال بمنطقة شنيني جنوب تونس
صورة من أعلى لقصر شنني المبني على قمة جبل ويرى المسجد ذي اللون الابيض
إن الوظيفة الأساسية للقصور كما ذكرت ونبين للتوضيح أنها ليست للسكنى كما يتبادر الى الذهن بل إن القصر يمثل مخزنا جماعيا تملكه القبيلة والعشيرة, وتتعدد داخل القصر الغرف التي تملكها العائلات والأفراد بينما يتم السكن زمن الإستقرار حول القصر.

رحال الخبر - صورة من داخل مخازن الحبوب بغرف طينية بالجبال بمنطقة شنيني جنوب تونس

صورة من داخل أحد الغرف بالقصر وقد هدمت لتبين لنا التصميم الداخلي للمخزن.

وللقصر وظائف أخرى ثانوية تقوى وتضعف بحسب المواسم والظروف الأمنية مثل تأمين النشاطات التربوية والدينية والتجارية.الإقامة حول القصر والتواجد به مؤقتا يبرزان وقت التهديدات الأمنية وأثناء الجفاف,أما في فترات الرخاء فتتميز حياة المجتمعات بالتنقل والإنتشار في الأراضي السهلة حيث المراعي والزراعة والتجارة بين القرى والمدن .

رحال الخبر - مخازن الحبوب بغرف طينية بالجبال بمنطقة شنيني جنوب تونس
قصر شنني

ولعل اليوم تقف وظائف القصور للسياحة والتعرف على تاريخ المنطقة ونمط معيشتهم وتمثل كنزا تاريخيا فريدا يحق لنا أن نتعرف عليه ونطّلع على قوة وحضارة تلك الفترات التي استعمرت الارض وعاشت في سلام وأمن قرونا مديدة حتى أتت الدول الاوربية ففرقت وأفسدت بأحتلالها وتفريقها أهل المنطقة ، لتسود وتسخّر البشر وتستغل الارض لصالحها دون الاعتناء بالشعب والارض.
هذا ما لدي في أرض من اراضي الإسلام نقلت ونشرت ووضحت لكم ما أستطعت أن أنقله وبسط شيئا من التعريف لهذه الأرض البعيدة عن وسط العالم الإسلامي والعربي وعن إعلامه الضعيف لتكون بصمة لنا وحق لأهلها بمثل ما أستضافونا وأكرمونا بودهم وحبهم وإسلامهم.
أخوكم وائل بن عبد العزيز الدغفق- رحال الخبر
تونس -تطاوين